“جنود الفيحاء” في طرابلس… استعراض عضلات “هزيل”

إسراء ديب
إسراء ديب

ذاعت سريعاً شهرة مجموعة “جنود الفيحاء” التي يُخيّل للقارئ أنّها مجموعة داعشية أو إرهابية وجدت في سوريا أو العراق أيّ الدّولتان اللتان تُواجهان معركة مع الانفلات الأمني والتسلّط الارهابي والعسكري، وانتقلت منهما إلى طرابلس التي واجهت الأمريّن من التطرّف الذي التصق بسمعتها لأعوام، وبعد جهد كبير بذله أبناؤها للحدّ من الشائعات التي تضرّ بصيت المدينة وإعادة تقديمهم لها بصورةٍ سليمة، ظهرت مجموعة غريبة بلا ملامح أو هوية لتُشكّل فرقة باسم “الفيحاء”.

وعلى غرار مجموعة “جنود الربّ” في الأشرفية، نشأت مجموعة جديدة في طرابلس أسّسها الناشط عبد العزيز طرطوسي الذي عُرف اسمه في “ثورة 17 تشرين”، وكان ترشح أيضاً للانتخابات النّيابية في المدينة ونال حينها 160 صوتاً فقط لا غير، معلّلاً هذا التراجع السياسيّ والشعبيّ بأنّه “لا يشتري أصوات النّاس، بل نالها بجهده خلافاً لمرشحين آخرين عن المدينة”.

في الواقع، لا يعرف الطرابلسيّون شيئاً عن هذه المجموعة، بل لاقت فكرة التأسيس رفضاً ومعارضة شاملة نظراً الى تخوّفهم من هذه الأفكار الناتجة عن الغموض في المبادئ والأهداف، كما سرعة الانتشار والخطوات التي يُريد القائمون على هذه المجموعة تنفيذها لإظهار حجم نفوذهم على أرض الواقع والذي يُعدّ بدوره ضئيلاً أو هزيلاً للغاية. فيما تحدّث طرابلسيون عن هؤلاء الجنود بسخرية وتهكّم واضحين، لا سيما حينما اجتمع متابعون على رفض مصطلح “جنود” الفيحاء، واستبدلوه بلفظ ساخر وهو “كروش” الفيحاء لإظهار سخريتهم وعدم تقديرهم لأشخاص لا يتعدّى عددهم الـ 10 كحدّ أقصى.

في السياق، يُؤكّد مصدر سياسيّ لـ “لبنان الكبير” أنّ تشكيل هذه المجموعات يُعدّ ضربة جديدة للأجهزة الأمنية محلّياً، موضحاً أنّ فكرة تنفيذ الأمن الذاتي في المدينة وغيرها باتت أمراً واقعاً إنْ لم يتمّ توقيف المؤسسين لمعرفة من يقف وراءهم وما مصلحته من إثارة النعرات الاجتماعية كما الطائفية في هذه الظروف القاسية.

ويقول: “لطالما تحدّث الأمنيون عن الأمن الاستباقي في المدينة، لكنّنا نرى أنّ مجموعة هزيلة كهذه تقوم بتعدّيات على القانون، لم يُطبّق عليها هذا الأمن مع العلم أنّ تسميتها كما دعواتها أقرب الى الارهاب الذي بتنا نراه مباشرة ببث افتراضيّ حيّ، ولا يخفى على أحد التهديدات التي يُطلقها طرطوسي لكلّ من يُخالفه الرأي والعقيدة السياسية أو الدينية”.

يُمكن القول، إنّ طرطوسي الذي أبدى في أكثر من بثّ مباشر رغبته في محاربة المثلية، ومحاربة سلاح “حزب الله”، ومنع محاربة المقدّسات، وفرض القيم الأخلاقية على المدينة كان آخرها تهجّمه على “مدرسة الفضيلة” – أبي سمراء (بسبب طلاء جدرانها بألوان مختلفة، وشعوره بأنّها تُشجع الشذوذ)، إضافة إلى حديثه عن النّظام “الأسدي” ورفضه من يُمثله، يُثير شكوكاً خصوصاً أنّ لا ظاهرة اجتماعية أو تربوية كانت روّجت للمثلية في المدينة، ولا ناشط أو سياسيّ أعلن مناصرته للنّظام السوري سواءً بموقف أو بتصريح لا سيما في الفترة الأخيرة.

ويبدي المصدر استغرابه من البيان الأوّل الذي أطلقته هذه المجموعة “التي لا تملك منصّة إعلامية خاصّة أو صفحة افتراضية للتعريف عن نفسها، كما لا تملك أسلحة أو أعتدة عسكرية لازمة لتكون ملائمة لتسميتها التي تُعدّ أكبر من حجمها الحقيقيّ، فلا تضمّ أعداداً من المتطوّعين، بل لا تزال تطلب تمويلاً ومزيداً من الأعضاء لتكتمل صورتها (مع العلم أنّ طرطوسي أكّد وجود مثقفين ومشايخ كما أطباء معه في المجموعة، وهو ما ينفيه متابعون)، إضافة إلى غياب هرمية واضحية في عملها، إذْ يُعرف طرطوسي فقط من خلالها لكنّ لا أدوار أو مهمّات واضحة تّوزع عليهم بمناصب واضحة، حتّى أنّ أحد بياناتهم التي نشروها تضمّن أخطاء إملائية لا تمتّ الى الاحترافية بصلة”.

ثمّة كلام يدور في أروقة الأوساط الطرابلسيّة، يُشير إلى أنّ ظهور هذه الشخصيات حالياً كان يُفترض أن يحظى بدعم شعبيّ لإثارة النعرات ودفع الناس إلى مهاجمة بعضهم البعض عبر التهويل بانتشار الشذوذ خصوصاً في المدارس، “لكنّ هذه المجموعات التي تُحاول تقديم نفسها وكأنّها المدافعة عن أخلاق المجتمع الطرابلسي، مدفوعة سياسياً بوضوح ولن تحظى بدعم طرابلسيّ، فهي ترغب في اللعب على الأوتار الأمنية في هذه المنطقة تنفيذاً لمخطّط غير بريء وضع هذه الشخصيات في الواجهة، لا سيما وأنّ البثّ المباشر لبعضهم يُظهر سذاجتهم خصوصاً حينما هاجموا الألوان في المدارس مؤكّدين أنّها تمتّ الى المثلية، مع العلم أنّ هذا الكلام غير دقيق، فهذه ألوان عادية موجودة وليس كلّ لون مبهج يدلّ على المثلية”.

ويتعمّد طرطوسي الذي سبق وقيل انّه كرّم شخصيات من “حزب الله”، مهاجمة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي واتهامه بالفساد وعدم اهتمامه بالمدينة في كلّ ظهور إعلاميّ، وكذلك وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي واتهامه بأنّه لا يكترث لوضع المدينة الأمني، وصولاً إلى دار الفتوى التي اتهمّها بالتخلّي عن قضايا المسلمين والطرابلسيين.

من هنا، يقول أحد المقرّبين من سياسة ميقاتي إنّ هذه اللعبة تستهدف ضرب الأمن لا في طرابلس فحسب، بل في لبنان أيضاً، ويُمكن القول انّها تحضير لما هو أسوأ أمنياً. ويشير لـ “لبنان الكبير” الى أن “هناك معارضين لميقاتي في طرابلس، وهذا حقّ مشروع، لكنّ زجّ اسمه في هذه المجموعات يُعدّ فتنة واستغلالاً لظروف بعض الشبان في طرابلس الذي يُعانون من البطالة والفقر لوضعهم في هذه الخانة التي باتوا يرونها تليق بالمدينة، وقد يكون من يُحرّكهم هو أحد السياسيين أو من كان يرغب في أن يفرض نفسه كسياسيّ عليها، ولا أسهل من اللعبة الأمنية هذه لتحريك الحركة الشعبية وتنشيطها ضدّ أهداف لا تمتّ الى المشكلات الحقيقية للطرابلسيين بصلة”.

ويرى مقرّب من دائرة طرطوسي في طرابلس، أنّ الأخير يقوم بهذه الخطوة للحصول على دعم إعلامي، موضحاً أن “هذا الناشط رمى الفكرة ليرى حجم الإقبال عليها وما إذا كان سيتبنّاها أحد أم لا تماماً كفكرة جنود الربّ، فهو يُريد تحقيق شهرة واسعة منذ الثورة وفشل في مواقف عديدة وهوجم أكثر من مرّة أمنياً واجتماعياً”.

ويعتبر أن “الأمر المقلق حقاً، إذا استغلّ بعض الأطراف رغبته وطموحه، لكن وفق معطياتي ليست هناك أسلحة ميدانية حتّى اللحظة والمطلوب دعم عربيّ مالياً وعسكرياً، لكن بالتأكيد يقلق بعض الأمنيين أو المتابعين من قيام بعض الأطراف المسلّحة بتلقف هذه الخطوة لتحويلها إلى كابوس في حياة الطرابلسيين والعبث بها من جديد مع القلق من انتشار هذه الظاهرة في مناطق أخرى”.

شارك المقال