إفريقيا: هل تغذي عمليات حفظ السلام الانقلابات بدون قصد؟

حسناء بو حرفوش

تكهنات مختلفة طرحت حول دوافع الانقلاب في النيجر ومن ثم في إفريقيا عموماً، وبينما لم تركز الشائعات على دور محمد بازوم كجندي سابق لحفظ السلام تابع للأمم المتحدة، طرح مقال رأي في موقع “فورين بوليسي” احتمال مساهمة عمليات حفظ السلام من دون قصد في تغذية الانقلابات في إفريقيا؟

وفقاً للمقال، “قام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بصورة متزايدة، منذ نهاية الحرب الباردة، بتمويل جيوش الدول غير الديموقراطية أو الضعيفة ديموقراطياً لتلبية الطلب المتزايد على حفظ السلام، واضطلعت دول مثل النيجر بهذه المهمة بإصرار. وفي السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب الباردة، أطلقت الأمم المتحدة 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، الأمر الذي تطلب زيادة في عدد القوات بمقدار سبعة أضعاف تقريباً، من 11 ألفاً إلى 75 ألفاً. واليوم، يتجاوز هذا العدد 90 ألف جندي من قوات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم.

وفي الوقت نفسه، تراجعت الديموقراطيات الغنية عن المشاركة في قوات حفظ السلام، الأمر الذي زاد من الاعتماد على دول مثل النيجر. وفي حين أن المهمات السابقة تضمنت إلى حد كبير المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار المحددة بوضوح، أصبحت مهمات ما بعد الحرب الباردة (الجيل الثاني من عمليات حفظ السلام) أكثر تطلباً ودموية. وتكلف القوات حالياً بصورة منتظمة بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف العالقة في الحروب الأهلية المستمرة. في العام 1990، كانت أكبر الدول المساهمة في قوات حفظ السلام هي كندا وفنلندا والنمسا والنروج وايرلندا والمملكة المتحدة والسويد، وكلها ديموقراطيات ليبرالية. وبحلول العام 2015، حلت بنغلاديش وباكستان وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا ومصر، وجميعها دول أقل ديموقراطية، محلها.

ويبقى تأثير قوات حفظ السلام على الدول التي ترسل قوات – مثل النيجر – محط خلاف شديد. ويشير بعض المحللين إلى أن حفظ السلام له تأثيرات مفيدة على مستوى إرساء الديموقراطية بين الدول المرسلة، وتعريفها بمعايير حقوق الإنسان وتحفيزها على اتباع سيادة القانون لأن “العصيان” – أي الانقلابات – يعرض المهام المستقبلية والحوافز المربحة التي تصاحبها للخطر. وتنفق الأمم المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار على عمليات حفظ السلام سنوياً، يذهب معظمها لتعويضات القوات والتكاليف المادية. كما يمكن أن تشكل أجور عمليات حفظ السلام نسبة كبيرة من الميزانيات العسكرية للدول المرسلة، فضلاً عن رواتب الجنود الأفراد، خصوصاً في البلدان الأقل نمواً. وفي الواقع، يُزعم اليوم أن بعض الدول تحفظ السلام من أجل الربح، لكن آخرين يحذرون من أن عمليات حفظ السلام لها تأثيرات متضاربة، إذ من المحتمل أن تؤدي الى ترسيخ الحكم الاستبدادي والمساهمة في النزعة الانقلابية في الديموقراطيات الهشة مثل النيجر. وفي حين أن حفظ السلام قد يضفي الطابع الاجتماعي على الدول المرسلة من حيث التزامها بالقيم العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة، هناك أمثلة كثيرة تعكس التسامح مع الانتهاكات وتعزيز المعايير غير الليبرالية بدلاً من ذلك.

وأصبح المجتمع الدولي يعتمد بصورة مفرطة على هذه البلدان في عمليات حفظ السلام، وبالتالي يتردد في فرض عقوبات عليها، حتى عند خروجها عن الأعراف الليبرالية. والواقع أن بعض الدول استخدمت حفظ السلام لبناء قوات مسلحة أكثر قوة. وشهدت النيجر نمواً هائلاً في دورها في حفظ السلام، بحيث تساهم اليوم بحوالي 1000 جندي وأفراد أمن (مقابل ثمانية في العام 2000). خلال تلك الفترة، أغدق المجتمع الدولي الأموال على النيجر -أرسلت الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 500 مليون دولار في العقد الماضي بالاضافة إلى التدريب والدعم – لتحسين أمنها وتعزيز جيشها.

وبالتوازي، أصبح المجتمع الدولي أيضاً متردداً في انتقاد قوات حفظ السلام مثل النيجر، وغالباً ما يبقى صامتاً في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان أو التراجع الديموقراطي. وقد مُنحت قوات حفظ السلام الرخصة لتجاهل الشروط، مثل ربط المساعدات بإرساء الديموقراطية. وفي حين أن الأسباب المحتملة للانقلابات غير محددة بشكل مبالغ فيه، فإن الدول التي ترسل قوات حفظ السلام الحاصلة على قدر أكبر من التدريب والخبرة الأجنبية هي الأكثر عرضة للانقلابات، وغالباً ما تكون قوات حفظ السلام نفسها، مسؤولة عن ذلك. وتشير الأدلة الواردة من النيجر إلى أن حفظ السلام ربما لعب دوراً في الأحداث الأخيرة، بحيث زود المجلس العسكري بوسائل أكبر – بما في ذلك جيش أكثر قوة وجرأة – للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

كما تشير الأدلة إلى أن حفظ السلام يشكل شرطاً متساهلاً للتدخل العسكري في السياسة، فهو يزيد من خطر الانقلابات ولكن لا يمكن القول بصورة قاطعة انه يسببها، وهذا يمثل تحدياً لصانعي السياسات. وقد تنظر الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات لمنع تسرب الأموال أو المواد المخصصة لحفظ السلام فقط. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مزيد من التدقيق والرقابة أو فرض عقوبات على قوات حفظ السلام التي تنتهك قواعد المنظمة، وهذا يعني أنه يتعين على الأمم المتحدة قطع الطريق على تلك الجيوش التي تنخرط في الانقلابات. ومن جانبها، قد تقدم الديموقراطيات الغنية المساعدة، فتعوض النقص في عمليات حفظ السلام من خلال المساهمة بأعداد أكبر من القوات بنفسها، بدلاً من الاكتفاء بتمويل الآخرين للقيام بذلك عنها”.

شارك المقال