الرأي العام اللبناني… غبّر وغرّب ورغّب

ساريا الجراح

صنانير القمع تصطاد يومياً في مساحات الشعوب اللبنانية وتحوّلها الى “صيد ثمين” تستفيد منه كلّما هوجمت حناجرها. إن أسوأ ما يواجهه لبنان اليوم هو قلّة التمييز بين الحقيقة والرأي، فالأولى لا يمكن العبث بمفاهيمها لأنها من “المسلّمات”، والثاني يفسد قضايا ويغيّر مفاهيم ويقسّم شعوباً. لطالما سمعنا مصطلح “الرأي العام” هنا وهناك ولكن هل جرّبنا يوماً التدقيق العلمي في هذا المفهوم؟

إن الرأي العام هو الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع، وهو رأي أو حكم عقلاني يصدر من أحد أو جمهور من الناس، يشتركون في الانتماء الى الوطن، لكنهم يرتبطون بمصالح مشتركة أو برؤية محددة إزاء موقف من المواقف، أو تصرف من التصرفات أو منفعة من المنافع.

درباس: “حزب الله” الزعيم الوحيد المتسلط في لبنان

“الغموض يعم لبنان، فلا وجود لرأي عام مشتت بل قوى سياسية مشتتة”، هذا ما أكّده الوزير السابق رشيد درباس في حديثه لـ “لبنان الكبير”، معتبراً أن “الخلل في الفراغ الذي جرّ الشعوب الى تشرذم آرائها العامة مقارنة بالفراغ السياسي الأكبر يؤدي تراتبياً الى فراغات أخرى تجول بين مصرف لبنان ومنصب قائد الجيش، وبالتالي إن الرأي العام أقلها على قناعة تامة بأن لبنان لن يصلح من دون انتخاب رئيس للجمهورية، لكن الاستعصاء الأصلي يعود الى الفريق اللبناني الأكبر الذي لا ينوي التنازل تحت راية جمع الرأي العام وتوحيده”. وأوضح أن هناك جهات تراهن على الفراغ تحت استراتيجية “أنا لكم ومعكم”، بينما الجهات الأخرى المعارضة تضم أيضاً رأياً عاماً معاكساً كلّياً.

الرأي العام اللبناني لديه تجربتان لا ثالث لهما، الأولى في 14 آذار والثانية في 17 تشرين، واللافت أن الشعوب آنذاك لم تشعر قط بالغضب، وهذا يجسّد حقيقة أن المشكلة لم تكن يوماً في الشعوب بل في القيادات من دون الكفاءة والمبادرة بالاضافة الى المواقف الدولية والعربية التي تتعامل معنا بـ”الحزورة”.

وختم درباس كلامه بأن “الزعيم الوحيد المتسلط في لبنان هو حزب الله الذي يملك جمهوراً واحداً وما تبقى فليجتمع تحت توحيد الرأي العام والفكر”.

الجراح: العامل الاجتماعي ينشّز أوتار الرأي العام

وأكد المعالج النفسي عبد الله الجراح لـ”لبنان الكبير” أن تشتت أفكار الشعوب ينتج عن عدّة عوامل أبرزها عدم الاستقرار والأمان سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى بيئياً. كما أن تصاعد الأزمة الاقتصادية هو عنصر أساس يشرّد أفكارها، على سبيل المثال انشغال غالبية الشعب اللبناني بارتفاع سعر صرف الدولار والذهب والبترول، مشيراً الى أن الدول الأوروبية تعاني من ارتفاع في المؤشرات الاقتصادية ولكن بطريقة مدروسة، والدولة تنذر شعبها قبل ثلاثة أشهر من اتخاذ أي خطوة. كما أن العامل السياسي المضطرب يدخل حيّزاً من القلق وتفرّق البنى العقلية تبعاً لحاجتهم الى ثبات سياسي تسهر فيه القوى السياسية على الوطن وليست الشعوب وحدها.

وأوضح أن السبب الثالث الذي ينشّز أوتار الرأي العام هو “العامل الاجتماعي”، موجّهاً سهام العقم الى اعتماد الشباب اليوم على التكنولوجيا ووسائل التواصل التي تستخدم بكثرة على مر العصور والساعات والأيام واصفاً إياها بـ “الآفة الدائرية”.

ولم يستثنِ الجرّاح عدم الأمان البيئي المنتشر في المجتمع اللبناني من المخدرات الى الكحول المفرط الى عدم الطاعة بدءاً من التفكك الأسري الى العائلي وصولاً الى الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة، معتبراً أن العامل الديني هو صمّام الأمان في أي ظاهرة يتم الحديث عنها أو تناولها، فالعودة الى “الدين” هي الخلاص من التشتت والتشرذم.

وشبّه الجراح اللبنانيين “كأنهم أعجاز نخل خاوية، فإذا كنا نملك ثماني عشرة طائفة يمكن للحاكم السياسي أن يجذب آراءها ويحصرها بمصلحة واحدة لو أراد، ولكن إن أهين سياسي أو رجل دين أو عنصر يستهويها تتشتت أفكارها ويتحوّر رأيها بصورة كاملة نحو نقطة في بحر”.

حياتنا عبارة عن عدد لا حصر له من القضايا، التي نتوقف عند بعضها، ونتجاوز الكثير منها، لكن درجة الوعي عند الانسان هي التي تحدد الموقف من القضايا، وذلك بوضعه في ميزان المصلحة العامة، والتي إن تجاوزت المصالح الخاصة قد تبرز كرأي عام مؤثر. في لبنان يكثر الحديث عن الناس وباسمهم، لكن أحداً لا يلتفت إلى استطلاع آرائهم وتوجهاتهم الحقيقية، وهنا “بيت القصيد” فلا بد من ترميمها كخطوة متواضعة، حتى لا يبقى حال اللبنانيين كما قال سامي حواط: “حضرتنا من الرأي العام، صوت اللي ما إلهم صوت”.

شارك المقال