“سارمات” الروسي وديناميكيات العلاقات الدولية

حسناء بو حرفوش

بعد حوالي شهرين من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن نظام صواريخ “سارمات” كفيل بضمان أمن روسيا من التهديدات الخارجية ودفع “من يحاولون تهديد بلادنا، الى التفكير مرتين”. وها هو رئيس وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس، يعلن الجمعة، أن بلاده نشرت صاروخاً باليستياً متطوراً عابراً للقارات، فما هي أهمية هذه الخطوة؟

15 رأساً حربياً نووياً

وفقاً لمقال في موقع Financial Express الالكتروني، من شأن هذا الإعلان أن يترك “آثارا كبيرة ليس بالنسبة الى روسيا وحسب، ولكن أيضاً بالنسبة الى الأمن العالمي. ويعتبر نظام الصواريخ سارمات مغيراً لقواعد اللعبة. وتتعدد مميزاته وأهمها حمولته بحيث يزعم المسؤولون الروس أن الصاروخ قادر على حمل ما يصل إلى 15 رأساً حربياً نووياً، بينما يقدر الجيش الأميركي قدرته بنحو 10 رؤوس حربية. وتضعه هذه الميزة في مصاف التهديدات العالمية الهائلة.

ومن مميزات هذا النظام أيضاً السرعة والمدى: مع مدى يبلغ حوالي 18.000 كيلومتر، يمكن لسارمات أو الشيطان كما يعتبره حلف الناتو، عبور القارات والوصول إلى أي مكان تقريباً في جميع أنحاء العالم. وبفضل سرعته ومداه المذهلين، يضع روسيا في مقدمة سباق التسلح. الإطلاق الخفي من المميزات التي يعول عليها أيضاً بحيث تقلل مرحلة الإطلاق الأولية القصيرة للصاروخ من الوقت الذي تستغرقه أنظمة المراقبة لتتبع إقلاعه، ما يزيد من قدرته على التخفي.

تصعيد سباق التسلح؟

ويستطيع سارمات حمل رؤوس حربية متعددة، يشار إليها باسم مركبات إعادة الدخول المتعددة ومستقلة الأهداف، والتي تسمح له بضرب أهداف متعددة بصاروخ واحد. لكن كل هذه الميزات إنما تزيد من تداعيات إطلاقه على الأمن العالمي نظراً الى أنه يخل بالتوازنات الاستراتيجية على مستوى الردع والوضع النووي ومساعي الحد من التسلح.

في ما يتعلق بالردع، يهدف هذا النظام كما صرح الرئيس بوتين الى دفع أعداء روسيا الى التفكير مرتين، والغرض منه هو أن يكون بمثابة رادع ضد الخصوم المحتملين واستباق الأعمال العدوانية.

التوازن الاستراتيجي: قد تؤثر قدرات النظام المتقدمة على التوازن الاستراتيجي بين الدول المسلحة نووياً. وقد تشعر الدول الأخرى بأنها مضطرة للرد من خلال أنظمتها الخاصة، ما قد يؤدي إلى تصعيد سباقات التسلح.

الوضع النووي: لا شك في أن إطلاق هذا النظام يؤكد التزام روسيا بالحفاظ على وضع نووي قوي، ويؤكد من جديد مكانتها كقوة نووية عظمى.

تصور التهديد: قد يثير نشر مثل هذه الأسلحة المتقدمة المخاوف بين جيران روسيا والمجتمع الدولي، ما يؤثر على تصورات التهديد والاستراتيجيات العسكرية.

تحديث الترسانة النووية في روسيا: يعدّ نظام سارمات الصاروخي عنصراً واحداً فقط في سياق الجهود الأوسع التي تبذلها روسيا لتحديث ترسانتها النووية. وكشف بوتين عن العديد من الأسلحة المتطورة، بما في ذلك صواريخ كينجال وأفانغارد التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتهدف هذه التطورات الى ضمان مصداقية الردع النووي الروسي وفاعليته.

تحديات الأمن العالمي

وفي الوقت الذي تستمر روسيا في تطوير الاجراءات التي تهدف الى ضمان أمنها، تزيد بالتوازي من التحديات للأمن العالمي، وتحديداً على صعيد الحد من التسلح بحيث يعقد نشر الصواريخ المتقدمة الجهود الدولية للحد من الأسلحة، وهذا يستدعي تكييف المعاهدات القائمة وتحديثها لمعالجة هذه التكنولوجيات الجديدة.

بالاضافة إلى ذلك، يهدد هذا النظام بترسيخ نوع من عدم الاستقرار الاقليمي. فقد تنظر الدول المجاورة إلى هذه التطورات باعتبارها تهديداً، ما قد يؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار الاقليمي وزيادة خطر الصراع، وينسحب ذلك على الاستقرار الاستراتيجي. فمن شأن وجود قدرات نووية أكثر تقدماً وتنوعاً أن يؤثر على الاستقرار الاستراتيجي ويطرح بصورة طارئة الحاجة الى إشراك الدول المعنية في الحوار وترسيخ تدابير بناء الثقة. وفي كل الأحوال، لا شك في أن نشر روسيا لنظام بهذه القدرات المتقدمة والجهود التي تبذلها لتحديث ترسانتها النووية، يسهمان في إعادة تشكيل ديناميكيات العلاقات الدولية”.

شارك المقال