انفلات السلاح غير الشرعي يفرض الواقع السياسي في البلد

عبدالرحمن قنديل

“عايشين بغابة”، جملة يرددها دائماً اللبنانيون بسبب تحكم السلاح غير الشرعي بواقعهم بدءاً من السياسة مروراً بواقعهم الحياتي على الصعد كافة وصولاً الى ضعف الدولة والتراخي في فرض هيبتها وقانونها على جميع المواطنين سواسية من دون أي تفرقة بين من يتبع حزباً أو لا، أو بين من يحق له إستعمال السلاح لدواعي “المقاومة” ويقتل عمداً، وبين تجريم من يطلق النار عشوائياً ويتسبب بقتل عن طريق الخطأ.

وفي هذا الاطار، أبدى المطارنة الموارنة خشيتهم من تفلُّت السلاح غير الشرعي الذي يخلّف جرائم قتل وتعدي وسرقات. ودانوا استعماله الذي يُسقط برصاصه الطائش ضحايا بريئة، مناشدين السلطة المعنيّة ضبطه وانزال أشدّ العقوبات بالفاعلين. تحذير المطارنة الموارنة إنطلق من يقينهم بأن الوضع في لبنان تخطي دائرة الخطر من خلال تجاوز التقاليد والأعراف في ما يتعّلق بالسلاح، إذ بات في يد مجموعات وتنظيمات وأحزاب وطوائف منظّمة لا تثق ببعضها البعض، ما يجعل لبنان عرضة للإنفجار في أي لحظة لأي سبب كان، وأحداث عين الحلوة والكحالة في الآونة الأخيرة نموذج يستدعي هذا القلق الطبيعي بالإضافة إلى ما يحصل من وقت إلى آخر في مناطق متفرقة من اشتباكات يكون طرفاً فيها عادة “حزب الله” أو مجموعات تابعة له، وهذا برهان واضح على خطورة السلاح المتفلّت.

إعتاد اللبنانيون يومياً أن تطالعهم نشرات الأخبار وعناوين الصحف بأخبار القتل والجرائم والأحداث الأمنية المتنقلة بين المناطق اللبنانية، بسبب تفشي ظاهرة انتشار السلاح غير الشرعي بين أيدي المواطنين سواء في المناطق الخاضعة لـ “حزب الله” أو مناطق أخرى، إذ بات السلاح المتفلت يسرح ويمرح في ربوع الوطن وكلما إرتفعت وتيرة إنتشاره تناقصت هيبة الدولة وسلطتها وسطوتها، حتى من يتمسك بمفهوم الدولة ولو بالحد الأدنى بات يبرر السلاح بعبارة “شو وقفت عليي”؟

العميد المتقاعد خليل الحلو أوضح في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “هناك أنواعاً عدة للسلاح غير الشرعي، الأول هو بيد حزب الله والثاني بيد حلفائه التابعين عمليّاً له وهذا معروف من هو مصدره، لأنها مشكلة مزمنة منذ زمن والدولة لا تستطيع السيطرة عليه ولا حتى تمون عليه بالمطلق، أما النوع الثالث فالسلاح الذي بيد الناس عموماً”.

ولفت الحلو الى أن “هناك مناطق معينة في لبنان بالاضافة الى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، بدأ سكانها يتجولون بالسلاح بصورة علنية أمام مرأى القوى الأمنية من دون أي رد فعل منها، ولكن لا يمكن ضبط سلاح غير شرعي وترك آخر على قاعدة سلاح بسمنة وسلاح بزيت لأنها مشكلة خطيرة”.

وأشار إلى أن “هناك سيطرة واضحة لحزب الله على قرار الدولة وبالأخص على السلطة التنفيذية من خلال وجود وزرائه داخل مجلس الوزراء بالاضافة إلى مجلس النواب، لهذا السبب لا يمكن إنتظار أي شيئ من الدولة بسبب التلطي خلف البند الموجود في البيان الوزاري وهو الشعب والجيش والمقاومة، وهذه مشكلة كبيرة بات من الصعب حلها إن كان من خلال الحوار أو من خلال المباحثات، لأن التجارب الماضية منذ البدء بحوار عام 2006 لم تكن مشجعة مروراً بجلسات الحوار التي دعا إليها الرئيس ميشال سليمان في بعبدا”، مذكراً بإنقلاب “حزب الله” وحلفائه على “إعلان بعبدا” وتنصلهم منه. واعتبر أن “المعارضين لهذا السلاح بات مطلبهم الأساس وضعه على طاولة الحل قبل أي شيئ آخر لأن التأجيل لم يعد مفيداً وفي حال عقد الحوار لن يقبل حاملو السلاح بوضعه على الطاولة”.

وحول بيان المطارنة الموارنة، رأى الحلو أن “بكركي منذ ثلاثين سنة حتى الآن الخط البياني لها كان رافضاً للسلاح غير الشرعي، ولم يسبق أن كان لها طيلة هذه السنوات أي موقف مغاير، ولكن باتوا الآن يعبّرون عن هذا الموقف أكثر من السابق بسبب عدة حوادث حصلت نتيجة الرصاص الطائش وبعض الجرائم الخطيرة بالاضافة إلى الخروق للقرار 1701 في الجنوب وحوادث أخرى، لهذا السبب موقف المطارنة الموارنة غير مستغرب”.

وتمنى “أن يشكل هذا الموقف حافزاً لتصلب الفريق المعارض أكثر في مواقفه من دون الانجرار الى الحرب الأهلية لأننا لا نريدها، لكن من المفترض أن يدرك حملة هذا السلاح أنه سيأتي الوقت لوضعه على الطاولة والبحث في شأنه لأنه لا يمكن التكلم بالاصلاحات الإقتصادية ومكافحة الفساد في ظل وجود هذا السلاح لأنه بات خطراً حتى على القضاء من خلال ردعه عن إتخاذ بعض الخطوات، وهو القادر على تعطيل أي مرسوم أو قرارات وزارية لا ترضيه أو ترضي حلفاءه”.

ورداً على سؤال عما اذا كان توقيف مطلقي الرصاص عشوائيّاً يحتاج إلى توافق سياسي أو حوار؟ أجاب: “باستطاعة الأجهزة الأمنية القيام بواجباتها لأنه لم يبقَ لنا أمل سوى المؤسسة العسكرية. وكثافة تجاوز القوانين أصبحت عالية إلى درجة لم تعد قوى الأمن قادرة على ضبطها. أما بالنسبة الى المؤسسة العسكرية فالأمر يعود الى السلطة التنفيدية من خلال التلكؤ في حسم القرار لأن الأجهزة الأمنية لديها هامش للتحرك من دون مراجعة أحد”.

ولفت رئيس “حركة التغيير” إيلي محفوض الى أن “السلاح يسيطر على توقيت الواقع السياسي في لبنان وحركته، ومن يقول غير ذلك يكون يتعامى عن الحقيقة لأن آلة القتل المتنقلة من منطقة إلى أخرى، والتي أحدثت قلقاً لدى اللبنانيين لا تزال مستمرة، لذلك الدعوة الى الحوار من فريق الثنائي الشيعي وهو فريق طرف وغير محايد في ظل وجود السلاح”.

وقال: “هذا السلاح منذ الانسحاب الاسرائيلي من لبنان أصبح عبئاً على اللبنانيين ويثقل كاهلهم، ولم نعد ننتظر نجاح الحوار من عدمه لأن نتيجته معروفة بأنه سيكون من دون جدوى، لذلك سيستمر في الغطرسة وفرض سياساته إنطلاقاً من إختلال توازن القوى في البلد بين الفرقاء السياسيين”.

وأشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتناول فيها مجلس المطارنة الموارنة هذه الأزمة، مؤكداً “أننا إذا لم نجد أي حل للسلاح المتفلت بصورة أساسية قبل كل الحلول فعبثاً نحاول، لأن الأزمة لم تعد محصورة بمناطق أو طوائف معينة، بل أصبحت عبئاً على اللبنانيين لأن هذا السلاح إغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعرقل مسيرة الرئيس سعد الحريري في ترؤس الحكومات وافتعل السابع من أيار وكانت بيروت من ضحاياه، إلى وقت أزمة الكحالة لذلك آن الأوان لوضع حد لهذا السلاح”.

وأشار الى أن “حزب الله بات يستخدم السلاح في عمق الداخل اللبناني لأن هذه المقاومة باتت تستعمله لفرض الواقع السياسي للبلد لهذا السبب أصبح لبنان خارجاً عن الشرعية الدولية والنتيجة أننا أصبحنا في جمهورية حزب الله من توريط لبنان وإفلاسه وضربه كل القطاعات وإبعاد أشقائنا العرب عنه بالإضافة إلى زعزعة علاقاته الخارجية”.

شارك المقال