وادي خالد وعمليّات الخطف “المتجدّدة”… العشائرية مكان الدّولة

إسراء ديب
إسراء ديب

يتجدّد الحديث عن عمليات خطف جديدة في منطقة وادي خالد، في وقتٍ تُواجه هذه المنطقة الحدودية أزمة مرتبطة بدخول آلاف اللاجئين عبر حدودها بطريقة غير شرعية، مع قيام الجيش اللبناني بتوقيف معظم هذه العمليات التي هزّت الشارع اللبناني وأقلقته هذه الحركة “المريبة” في الفترة الأخيرة، في حين تبقى عمليات الخطف “عصيّة” على الحلّ لا سيما وأنّها باتت تأخذ طابعاً عشائرياً في حلّها والتخطيط لها.

ومنذ أيّام، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبراً عن قيام شبان من آل نون بخطف شابين من وادي خالد وتحديداً في بلدة حاويك الحدودية في الأراضي السورية المحاذية لمنطقة الهرمل، وفتحت الحادثة جدالاً جديداً حول عمليات الخطف التي لا تُعدّ الأولى من نوعها، ولا تقتصر على أبناء وادي خالد فحسب، بل تصل إلى حدود خطف سوريين أيضاً لأسباب وطرق مجهولة في المنطقة تدفع إلى التساؤل عن الواقع الأمني الذي تعيشه البلدات التي تتحكّم عقيدة عشائرية بعاداتها وأعرافها ولا تسمح للدولة بالتدخل في تفاصيلها، مهما بلغت قوّة العلاقة أو الثقة بين المواطن في تلك البلدات ودولته.

ولا يُخفي المواطنون في وادي خالد حاجتهم الماسّة إلى تنفيذ القوانين والأنظمة الصارمة في شوارعهم وأحيائهم، وهذا ما يدفعهم إلى الاعلان عن مناصرتهم لأجهزة الدّولة الرسمية منها والأمنية، وذلك رغبة في الحدّ من التجاوزات التي يُمكن أن تطال هذه المنطقة العكارية الرافضة للفوضى الأمنية.

وتعليقاً على حادثة الخطف التي قام بها آل نون، يُؤكّد مصدر من المنطقة أنّ “هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، ونجد الكثير من الشبّان لدينا يعملون مثلاً مع أفراد من آل جعفر أو مع أفراد من أبناء البقاع بصورة واضحة، لكن هذه الأعمال غالباً ما تكون غير نظامية أيّ ضمن الممنوعات التي تُشكّل خلافات معظمهما مالية فيما بعد”.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “عندما يعمل طرفان أحدهما من منطقتنا والآخر من الهرمل مثلاً في هذه الأعمال التي ليست بالضرورة أن تكون مرتبطة بآفة المخدّرات كما يُشاع، بل بالتهريب كتهريب الأدوية، الدخان، وغيرها من المنتجات… هنا يقع الشبان في أزمة دين، وعندما تتفاقم الأزمة المالية بينهما يكون الخطف حلاً لانهاء الأزمة وردّ الأمانات الى أصحابها”.

وفق المصدر، فإنّ هذه العملية تحديداً كانت مجهولة، إذْ لم تُدرك الفعاليات في المنطقة نوع التجارة التي أدّت إلى حصولها ثمّ الإفراج عن الشابين فيما بعد، قائلًا: “إنّ عمليات الخطف كانت تحدث مسبقاً بوتيرة منخفضة، لكن خلال شهر آب والشهر الحالي وقعت حادثتان بخلفيات مالية لا سياسية أو عقائدية كما ينشر البعض”. ويشير الى أنّ المنطقة طابعها عشائري “والدّولة لا يُمكنها القيام بأيّ خطوة للتدخل، إذْ لا تستطيع أخذ دورية للاقتحام أو التدخل كما تفعل في أماكن مختلفة”.

ويُوضح مصدر آخر لـ “لبنان الكبير” أنّ الخطف الذي يحدث بين العشائر هي التي تحلّه في غالبية الحالات، “فهذه المنطقة التي سمّيت في تاريخها بهذا الاسم نسبة الى الصحابيّ خالد بن الوليد الذي كان نشرَ بدوره العشائر العربية من شبه الجزيرة العربية على السواحل، وكانت ثكنة عسكرية في بلاد الشام في ذلك الوقت، باتت اليوم تُسيطر عليها القوّة العشائرية التي كان يُقلقها الانتداب أمس والسلطة الرسمية أو الحزبية اليوم لعدم التطرّق الى شؤون مناطقها أو وضعها الداخلي”.

ويضيف: “تعجز القوى العسكرية عن القبض على جميع المطلوبين منهم لأسباب عدّة أبرزها مرتبط بالبيئة العشائرية الحاضنة، قدرتهم وامتلاكهم أسلحة قوية في وقتٍ لا تملك فيه القوى الأمنية هذه القوّة عددياً أو بكمّية الأسلحة وحجمها، فعلى الرّغم من أن أهالي وادي خالد يمدون أيديهم الى الدّولة لمساعدتها في بسط نفوذها، إلا أنّ النفوذ الأقوى يبقى للعشائر التي تتدخل، فهذه المشكلات غالباً ما تحصل بين الأطراف المتعاركة إمّا باشتباكات عنيفة أو بقيام طرف منهم بخطف أحد أفراد عائلة الطرف الآخر لتهديده به بغية استعادة الأموال أو المبالغ المطلوبة”. ويتوقع “ارتفاع عمليات الخطف في الفترة المقبلة مع دخول اللاجئين السوريين وتفلّت الحدود بين المناطق الداخلية أو على الحدود، وهي عبارة عن عمليات خطف متبادلة تقع معظمها بين منطقتيّ وادي خالد وبيت جعفر، وقد تحصل أيضاً على خلفيّات عائليّة – عشائرية أو تجارية مرتبطة بعمليات التهريب عبر الحدود”.

وفي أيلول، أفرج عن المدعو علي.ت الذي كان قد اخُتطف على طريق الرامة – رجم حسين في منطقة وادي خالد، وهو يقود جرّاره الزراعي الذي تُرك وسط الطريق، و”تبيّن للخاطفين أنّه ليس الشخص المطلوب، بل المقصود آخر من التابعيّة السوريّة”.

أمّا في شهر آب، فخطف مجهولون يركبون سيّارات رباعية الدّفع 5 شبّان من عشيرة المقالدة السورية من أماكن عملهم، وهم يسكنون منطقة وادي خالد واقتيدوا إلى جهة مجهولة، وهم علي وشقيقه عمر من داخل صالون حلاقة في محلة المصلبية، والشاب معمر من داخل محل كوكتيل في بلدة الهيشة، وعلاء وعبد المالك العذاب من داخل صيدلية يعملان فيها وذلك في وضح النهار، وحينها علم أنّ عملية الخطف هذه تمّت على خلفية “تصفية حسابات عائلية، عشائرية ومالية”.

شارك المقال