مجموعة العشرين: الهند بين استعراض القوة وتجاوز التحديات

حسناء بو حرفوش

سلط مقال في موقع معهد “تشاتام هاوس” الالكتروني الضوء على رمزية رئاسة الهند لمجموعة العشرين بالاضافة إلى التحديات التي تواجهها على الساحة العالمية.

ووفقاً للمقال، “تتوج رئاسة الهند لمجموعة العشرين عاماً حافلاً بالإنجازات بحيث أصبحت البلاد رابع دولة تهبط على سطح القمر وتجاوزت الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والمملكة المتحدة كخامس أكبر اقتصاد في العالم. ويمكن النظر إلى رئاسة الهند لمجموعة العشرين باعتبارها لحظة تاريخية، اذ تعلن عن تأكيد مكانتها كقوة عالمية كبرى، وهو حدث لا يقل أهمية عن دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها الصين في العام 2008.

لكن القمة ستعمل أيضاً توضيح التحديات العديدة التي تواجهها الهند في تحقيق التزامها بالاستقلال الاستراتيجي في سياستها الخارجية. وحاولت نيودلهي استخدام مجموعة العشرين للفت الانتباه إلى أولويات السياسة المحلية حيث خطت (أو تسعى إلى تحقيق) خطوات كبيرة. ويمكن النظر الى مجموعة العشرين هذا العام على أنها قمة خضراء بحيث تعمل الهند على الترويج للعديد من مبادرات سياسة المناخ بما في ذلك التحالف الدولي للوقود الذي يدعو الى مفهوم الاقتصاد الدائري ومعايير الهيدروجين الأخضر. وتدعو الهند أيضاً إلى إصلاحات بنوك التنمية المتعددة الأطراف لتسهيل التمويل الأخضر. وتهدف هذه المبادرات في نهاية المطاف إلى تأطير الهند باعتبارها الصوت البارز للجنوب العالمي. ولتحقيق هذا الهدف، استضافت نيودلهي 125 دولة في وقت سابق من هذا العام كجزء من قمة صوت الجنوب العالمي، وهي تدعو إلى العضوية الكاملة لمجموعة العشرين في الاتحاد الافريقي. كما تمت دعوة تسع دول ضيفة لحضور القمة، بما في ذلك الاقتصادات الناشئة مثل مصر ونيجيريا ودول مجاورة للهند بينها بنغلادش وموريشيوس.

تحديات أكبر

ومع ذلك، يمكن النظر أيضاً إلى رئاسة الهند لمجموعة العشرين باعتبارها نموذجاً مصغراً للتحديات الأوسع التي تواجه السياسة الخارجية للبلاد. ويخضع التزام نيودلهي الطويل الأمد بالاستقلال الاستراتيجي أو الانحياز الشامل للاختبار وسط انهيار العلاقات بين القوى الكبرى، بما في ذلك روسيا والغرب، والانقسامات المتزايدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

وأصبح قرار الرئيس الصيني شي جين بينغ بعدم الحضور بمثابة إفساد لأعمال القمة، في حين كان من الصعب معالجة الصراع الأوكراني في بيانها، بحيث أصبحت بكين وموسكو أكثر مقاومة مما كانتا عليه في العام الماضي. ولم تتم دعوة الرئيس الأوكراني (فولوديمير) زيلينسكي أيضاً لحضور القمة، ما يوضح إصرار نيودلهي على عودة مجموعة العشرين إلى جذورها في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية.

وتواجه مساعي نيودلهي من أجل توسيع دور الجنوب العالمي أيضاً عقبات جيوسياسية، وتسعى الى تحقيق التوازن بين الدعوة إلى توزيع أكثر عدالة للسلطة في النظام الدولي، وتجنب الظهور بمظهر من يروج لأجندة مناهضة للغرب. وتواجه هذه الأجندة الشاملة وغير التصادمية – المتضمنة في شعار مجموعة العشرين الذي طرحته الهند تحت عنوان: أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد – تحديات في سياق نظام دولي متزايد الاستقطاب وربما منقسم إلى قسمين. وتعاني الهند من خطر التباعد على نحو متزايد عن المنتديات ذات التركيبة المناهضة للغرب بصورة علنية، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون – التي تتولى الرئاسة هذا العام – وحتى مجموعة البريكس، التي وسعت عضويتها في قمة هذا العام.

وستضم المنظمتان الآن ثلاثة أعضاء يتمتعون بوجهات نظر عالمية معادية للغرب بصورة علنية – روسيا والصين وإيران – وسوف تشكل الكيفية التي تسعى بها الهند إلى حل هذه الدائرة إحدى السمات الرئيسة التي تحدد سياستها الخارجية في القرن الحادي والعشرين.

مجموعة العشرين انتصار للهند؟

وعلى الصعيد الداخلي، لا شك في أن القمة ستعمل على تحسين موقف حكومة مودي بين الناخبين. وأرجأت الهند خصوصاً رئاستها لمجموعة العشرين، ما جعلها أقرب إلى الانتخابات العامة في العام 2024. ومن خلال استضافة أكثر من 200 حدث لمجموعة العشرين في كل ولاية هندية وإقليم اتحادي (بما في ذلك منطقة جامو وجزر كشمير المتنازع عليها)، سعت نيودلهي إلى إعادة تأكيد سيادتها وسلامتها الاقليمية.

ومع ذلك، من غير المؤكد ما إذا كان سينظر الى رئاسة الهند لمجموعة العشرين كنجاح على المسرح العالمي. وسوف تساعد سلسلة رئاسات مجموعة العشرين التي تتولى الاقتصادات الناشئة – إندونيسيا في العام 2022، والهند في العام 2023، والبرازيل في العام 2024، وجنوب أفريقيا في العام 2025 – في ضمان درجة من الاستمرارية في أجندة نيودلهي لمجموعة العشرين. وتتذكر العديد من حكومات الجنوب العالمي استجابة الغرب الضعيفة للوباء وتشعر بالاستياء من انشغاله بالحرب في أوكرانيا، ما يفتح المجال للهند كمدافع عنها على المسرح العالمي. وتدخل الهند فترة من الفرص الاستراتيجية بحيث يتوقع أن تصبح من أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً هذا العام، في حين يتباطأ النمو في الصين، ومن المتوقع أن تستفيد أيضاً من التنافس بين الولايات المتحدة والصين، بحيث تسعى الدول إلى فصل سلاسل التوريد بعيداً عن الصين، وخصوصاً في المجالات ذات التقنيات الحرجة والناشئة.

ولكن هل تستطيع الهند الافادة من هذه التطورات لتقديم نموذج بديل للحوكمة العالمية؟ قدمت رئاسة الهند لمجموعة العشرين بعض العلامات الناشئة. وتشكل أجنداتها المتعلقة بالمناخ وإدارة شؤون الإعلام أهمية بالغة وتقدم إدارة شؤون الأعلام على وجه الخصوص برمجيات محتملة منخفضة التكلفة تعادل مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.

لكن هذه المبادرات لا تزال في مهدها وتفتقر الى الثقل المالي والديبلوماسي الكافي لإحداث تأثير فوري. ومن ناحية أخرى، تشكل خطوط الصدع الجيوسياسية العالمية المتوسعة، وتقلبات السياسة الداخلية الهندية التي تتسم بالفوضى والانقسام في كثير من الأحيان، حواجز محتملة أمام تطلعات البلاد العالمية.

وفي هذا الصدد، من الصواب أن ننظر إلى رئاسة الهند لمجموعة العشرين باعتبارها حدثاً بارزاً بالنسبة الى قوة عالمية ناشئة كبرى. ولكنها ستعرض أيضاً الصعوبات التي سوف تواجهها الهند في تطوير استقلالها الاستراتيجي والحفاظ عليه في عالم مستقطب”.

شارك المقال