“نازحون جدد” عبر “معابر فلتانة”

ساريا الجراح

تشعّبت التعقيدات في الداخل حتّى وصلت الى الحدود اللبنانية – السورية التي تعج باللاجئين السوريين الفارين من أزمات بلدهم الاقتصادية المستمرة وخصوصاً بعد رفع الدعم عن الكثير من المواد الغذائية، ما جعلهم يبحثون عن فرصة عمل في لبنان أو يتخذونه معبراً للهروب الى أوروبا أو قبرص مثلاً عبر الخط الشمالي، وهو “معبر مفتوح” لتهريب السوريين إلى لبنان، ولم يستطع الجيش اللبناني ضبط هذه الآفة بصورة كلّية أو حتّى منعها، لا سيما أنّ “النازحين الجُدد” هم من فئة الشبان وليس العائلات ويشكّلون قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت.

وفي ضوء تفاقم الأزمة، أجرى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب إتّصالاً بنظيره السوري فيصل المقداد وإتّفقا على عقد لقاء بينهما للبحث في ملف اللاجئين السوريين. كل هذه الأمور حضرت في اللقاء الوزاري التشاوري في مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بعد أن طار نصاب جلسة مجلس الوزراء بتغيب وزراء عنها، ما يظهر أن عدداً كبيراً من المسؤولين يتعاطى بخفة مع مسألة النزوح على الرغم من درايتهم بأنها تهدد الوضع اللبناني بالانفجار.

وأكدت مصادر مقربة من الحكومة لـ “لبنان الكبير” أن “الضبوطات التي وضعتها الحكومة لا تزال قيد العمل، والأعداد التي تحتاج اليها الدولة اللبنانية لضبط المعابر بصرامة تفوق الأربعين ألفاً الا أن العدد المتوافر لا يتخطّى الثمانية آلاف”، مشيرة الى أن “هذا النقص لا يمنع الامكانات المتوافرة من ضبط معابر بنسبة لا بأس بها، كما أن كلام قائد الجيش كان واضحاً بقدرته على ضبط الوضع الى جانب الدولة التي تفعل ما بوسعها للحد من الضبط معتقداً أنها غير قادرة على حمل كل هذا العبء”.

وحمّلت المصادر الجانب السوري جزءاً لا يتجزأ من مسؤولية فرار اللاجئين، معربة عن اعتقادها أن “العصابات الموجودة على طرفي الحدود تشير الى أن العامل المادّي الذي أصبح واضحاً استفاد الكثيرون منه بطريقة مقسّمة على الفرق التي ينشئونها، وهذا تحديداً ما يحصل في البحر أموال تهرب مواطنين عبر البحر كما التي تهرّب من لبنان الى أوروبا”.

وأوضحت المصادر أن الازمة الاقتصادية في الداخل السوري جُسّدت بتدهور سعر الصرف في العملة السورية ويبدو أن الوضع الاقتصادي السوري أصبح خطيراً جداً، مؤكدة أن “حجم النزوح السوري الموجود في لبنان ضخم جداً، حتى أن هنالك عائلات تنضم الى أقربائها في لبنان بالاضافة الى عصابات تشجع الافادة المادية التي تحصد من خلالها بين ٢٠ – ٥٠ دولاراً، ولهذا السبب يبحثون عن منافذ على طول الشريط الحدودي الذي يبلغ طوله ٦٥٠ كلم من الجنوب الى البقاع الى بحر العريضة”.

وأشارت مصادر سياسية متابعة لـ “لبنان الكبير” الى أن “القوى الأمنية ترفع لها القبعة ببذل قصارى جهدها لكن عملها وحده لا يكفي. كما أن عدد الجيش غير كاف لتغطية كامل الحدود ووقف عملية التهريب”، موضحة أن “عمل الأجهزة الأمنية يُختصر بإلقاء القبض على المهربين وتوقيف اللاجئين غير الشرعيين وإعادتهم الى بلادهم ما يحد أيضاً من تدفقهم”.

واللافت أن كل هذه الاجراءات بحسب المصادر غير كافية، والوضع السوري يشجع من بقي في البلد على الخروج منه للافادة المالية، خصوصاً أن سوريا تعيش تحت وطأة أزمة إقتصادية كبيرة.

وشددت مصادر أمنية لـ “لبنان الكبير” على “أننا استطعنا رد الكثير من المجموعات السورية القادمة إلى لبنان قبل دخولها الى الحدود حتّى، إضافة الى أننا أعدنا قسماً منها وأحلنا آخرين لأسباب إنسانية وأمنية على القضاء أي أن العدد بالمجمل نحو ألف شخص”، كاشفة أن “العماد جوزيف عون وضع رئيس حكومة تصريف الأعمال والمسؤولين، في صورة الوضع والمعطيات المتوافرة لديه، بحيث وصف النزوح بأنه أصبح خطيراً جداً، ويشكل تهديداً لكيان لبنان وهويته وينذر بمضاعفات أمنية”.

ورأت الصحافية عالية منصور في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “لا نوايا من الحكومة السورية لا مع لبنان ولا مع غير لبنان، ولا نية للنظام السوري بالتعاطي الجدي مع أي من الملفات التي طرحت على طاولة اللقاءات العربية”، مشيرة الى أن نائب وزير الخارجية السورية كان واضحاً على هامش اجتماع جامعة الدول العربية في المملكة، عندما قال: “نرحب بعودة اللاجئين ولكن بحاجة الى تمويل قبل عودتهم لتهيئة الظروف”. وشددت على أن “هذا التصرف شبيه بما فعله بشار الأسد في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، عندما قال ان عودتهم بحاجة الى اعادة بناء ومدارس وصحة، وفي الحقيقة النظام لا يريدهم ولكنه ظن أن بامكانه ابتزاز الدول العربية لاعطائه أموال اعادة الاعمار”.

وعن واقع الاوضاع الاقتصادية والأمنية في سوريا، قالت منصور: “الأوضاع سيئة جداً، وكذلك الأوضاع الأمنية، فكل من ينتقد الوضع الاقتصادي يتم اعتقاله حتى لو كان من الموالين للأسد، قد يكون بعض القادمين الجدد يأتي الى لبنان للهرب من البحر نسبة الى سهولة الطريق اللبنانية عوضاً عن السورية، ولكن على لبنان ألا يغفل أيضاً عن الجانب الأمني، فالنظام السوري تاريخ حافل بالعمليات الارهابية في لبنان، ليس أولها ارسال شاكر العبسي الى مخيم نهر البارد ولا آخرها تفجير المسجدين في طرابلس، عدا عن عشرات عمليات الاغتيالات وأبرزها اغتيال الرئيس رفيق الحريري”.

وشددت منصور على “ضرورة التنبه الأمني وامكان لجوء الأسد الى تعكير الوضع الأمني في لبنان ليخفف الضغط عليه داخل سوريا، أو بهدف خلق ملف جديد يدخله في بازاراته السياسية”، متمنية على الأجهزة الأمنية والحكومة “التنبه الحقيقي، بدلاً من التلهي بالتحريض على اللاجئين، أو محاولة خلق فتنة بين اللبناني والسوري أو بين الجيش اللبناني واللاجئ السوري”. ورأت أن “الفتنة لن يستفيد منها الا بشار الأسد وحزب الله”.

شارك المقال