مصر: زخم الأزمات الإقليمية يعيدها إلى صدارة العمل العربي 

لبنان الكبير

فرضت التهديدات والأزمات الإقليمية التي تواجه المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة على مصر استعادة زخم دورها الريادي في العمل العربي المشترك والانخراط في حراك ديبلوماسي على أكثر من مسار لحلحلة المشاكل المستعصية في أكثر من بؤرة توتر عربية.

وتملك القاهرة ادوات عديدة تندرج في إطار القوة الناعمة التي تتمتع بها وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية أتاحت لها تصدر واجهة الأحداث بعدما تجسدت مهاراتها التفاوضية في التوصل إلى تهدئة في غزة بين إسرائيل والفلسطينيين ونجاحها في جمع مجلس الأمن الدولي لمناقشة أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، إضافة إلى دورها المؤثر في القمة الثلاثية مع العراق والأردن في بغداد نهاية الشهر الماضي.

وأدى انشغال مصر بمحاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين بعد عام 2013 إلى ضعف مؤقت بالدور القيادي في المنطقة فرضته الأحداث المرتبطة بالربيع العربي الذي مازالت القاهرة تعاني آثاره.

ومصر بعد ثورة ٣٠ يونيو ليست كما كانت قبله، إذ إستعادت دورها القومي القيادي بفعل الموقف الثوري للشعب العربي في مصر والرؤية المبكرة التي طرحتها الثورة في تأكيد عروبة مصر دستورياً وعملياً وهدفاً ومصيراً، والالتزام بقضايا الأمة العربية واعتبار الأمن القومي العربي ركيزة أساسية للأمن الوطني لمصر ولكل دولة عربية، وتفعيل دور الروابط القومية بين مصر والدول العربية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

ويرى الدكتور عبد الستار الجميلي أمين عام الحزب الطليعي الناصري وأستاذ القانون الدولي في كلية القانون بالجامعة العراقية في حديثه لموقع “لبنان الكبير” أن “مصر اتخذت موقفاً رافضاً لكل مشاريع العدوان والتدخل الخارجي على الدول العربية، خصوصاً في العراق وسورية وليبيا واليمن وفلسطين وغيرها من الساحات العربية ووضع الخطوط الحمر أمام مشاريع العدوان تلك، خصوصاً من قبل أميركا والكيان الصهيوني ونظامي طهران وأنقرة، ومحاربة الاٍرهاب وداعميه ليس في داخل مصر ولكن على امتداد الوطن العربي وتعرية الأخويات الشعوبية الإرهابية المتأسلمة.”

وأضاف الجميلي أن “دعم هذا الموقف بسلسلة الإنجازات الكبرى التي حققتها قيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً خصوصاً، حيث أصبح الجيش المصري في مقدمة جيوش الشرق الأوسط تتظيماً وتدريباً وسلاحاً نوعياً، ما حوله إلى قوة ردع يحسب لها حساب”.

وجاء الانفتاح المصري على العراق لتأكيد أن انتمائه العربي وربطه من جديد بالفعاليات العربية، وما القمة الثلاثية الأخيرة بين مصر والعراق والأردن إلا تجسيد لهذا الانفتاح والدور المحوري.

ولفت الجميلي إلى أن “انفتاح مصر على الأردن والعراق سيساعد على ترسيخ آليات الاستجابة العربية المطلوبة للتحديات والمخاطر الخارجية التي تواجه الوطن العربي، فهو من جهة يقيم قاعدة مادية للعمل العربي المشترك عبر المشاريع المشتركة، كربط العراق مثلا بخطوط الكهرباء في مصر والأردن خصوصاً أن مصر تمتلك فائضاً كبيراً في الكهرباء، كذلك ستكون هناك مجالات عمل واستثمار للمشاريع والأيدي العاملة المصرية وكذلك الأمر بالنسبة للأردن إضافة إلى دوره المهم في تبادل البضائع واختصار المسافات.

ومن جهة أخرى سينعكس ذلك إيجابياً في تقوية الموقف التفاوضي للدول الثلاث في مواجهة حرب المياه التي تشنها أثيوبيا ضد مصر والسودان، وتركيا وايران ضد العراق والكيان الصهيوني ضد الأردن”، منوهاً إلى أن “التنسيق بين الدول الثلاث إضافة إلى دول عربية أخرى، سيعود بالفائدة المشتركة على الدول الثلاث وعلى دور مصر العربي في مواجهة المربع المائي الإقليمي الخطر: تركيا، إيران، الكيان الصهيوني، وأثيوبيا، لذلك لم تكن أي من الدول الثلاث لوحدها في مواجهة هذا المربع الخطر حيث لمسنا موقفاً عربياً مسانداً من جامعة الدول العربية تعبيراً عن الموقف العربي المشترك.

وأحدث التحرك المصري في أفريقيا وعلى المستوى الدولي إضافة نوعية لاستعادة مصر دورها القومي القيادي بحكم حقائق الجغرافية والتاريخ والمكان والمكانة… وبالتالي باتت مصر الآن قاعدة للعمل العربي المشترك وصمام أمان للأمن القومي العربي وقوة عربية مركزية يحسب لها حساب خاصة في هيكل النظام الدولي والإقليمي معاً.

شارك المقال