كوريا الشمالية وروسيا: ما الذي سيحصل تالياً؟

حسناء بو حرفوش

كيف يمكن قراءة آخر التطورات على مستوى العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا؟ ما هي مجالات التعاون الأهم وما هي العوائق؟ أسئلة يجيب عنها المحللان الاستراتيجيان سانغسو لي وغابرييلا برنال في مقال بموقع The Diplomat الالكتروني.

ووفقاً للمقال، “بيّنت زيارة كيم جونغ أون الى روسيا أمام العالم أن لكوريا الشمالية تحالف كتلة خاص يضم أقرب شريكين ديبلوماسيين لها. وارتقت العلاقة بين البلدين إلى مستوى جديد بعد اللقاء بين زعيميهما الأربعاء الماضي، مع الاشارة إلى الروابط الوثيقة التي تجمع بيونغ يانغ وموسكو منذ تأسيس جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية في العام 1948. وتُظهِر الزيارة التي قام بها كيم جونغ أون إلى روسيا أن كوريا الشمالية لا تعتمد على الصين حصراً، وهذا تطور جدير بالملاحظة خصوصاً في سياق العلاقات المتزايدة بين ثلاثي اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

ما هي المكاسب على المدى القصير؟

من المرجح أن تركز بيونغ يانغ طاقتها الديبلوماسية في الوقت الحالي، على تعميق التعاون مع موسكو على مختلف الجبهات. وكان كيم قد أوضح أن العلاقات مع روسيا أولوية، وظفر في المقابل بتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمساعدة كوريا الشمالية في برنامجها الفضائي. وعانت بيونغ يانغ من صعوبات في هذا المجال بسبب الافتقار الى التقنيات المتقدمة. وهي تخطط، بعد الاخفاق في إطلاق قمر صناعي عسكري إلى المدار مرتين، للقيام بمحاولة ثالثة في أكتوبر. ومن هذا المنطلق، يكتسب مكان انعقاد القمة رمزية كبيرة، اذ انعقدت في مركز فوستوشني للفضاء، الأمر الذي يضع التعاون الفضائي في قلب القمة.

وبالاضافة إلى الدعم التكنولوجي العسكري، ناقش البلدان مشاريع مشتركة في مجالات السياحة والبناء والزراعة. وإلى جانب المكاسب المادية، تمثل القمة أيضاً فوزاً لكيم من حيث تعزيز مكانته على الساحة الدولية. فعلى الرغم من النظر الى كوريا الشمالية دائماً على أنها الشريك الأقل اعتماداً في مواجهة تحالفها مع الصين، تظهرها الشراكة الحالية مع روسيا أنها ترتقي إلى مستوى الحليف المتساوي، وذلك في ظل توقع أن تصب مبيعات الأسلحة المتزايدة من كوريا الشمالية لدعم المجهود الحربي الروسي.

التعاون العسكري

وتحولت العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا من الشراكة الاستراتيجية إلى التحالف العسكري. ومن المقرر أن يوسع البلدان تعاونهما بصورة شاملة لتعزيز قدراتهما العسكرية في وجه التعاون بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. على سبيل المثال، قد تتفق بيونغ يانغ وموسكو على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة على أساس منتظم، تماماً كما تفعل الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية. كما يرجح أن تزيد كوريا الشمالية دعمها العسكري للحرب الروسية في أوكرانيا، بإرسال قذائف المدفعية والصواريخ وغيرها من الأسلحة التقليدية. ومن الممكن أن يصل التعاون العسكري بين البلدين إلى مستويات أعمق من خلال المزيد من المفاوضات، خصوصاً إذا قرر بوتين زيارة كوريا الشمالية.

وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الكورية الشمالية ركزت على قبول بوتين لدعوة كيم، يجب الانتظار لنتأكد مما إذا كان الزعيم الروسي سيذهب بالفعل. ومع ذلك، قد يؤدي الاجتماع الشخصي الثاني إلى تجاوز الدعم الكوري الشمالي للأسلحة. واعتماداً على الوضع على الأرض بالنسبة الى الجيش الروسي، قد يطلب بوتين من كوريا الشمالية دعماً على مستوى تزويده الجنود. وفي المقابل، من المرجح أن تزود روسيا كوريا الشمالية بتقنيات عسكرية متقدمة للمساعدة في مواصلة تطوير الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب وتلك التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والغواصات النووية، ومركبات العودة وبرنامج الفضاء. كما يمكن للبلدين أن يقدما الدعم المتبادل في وجه أي تهديد يتعلق بسياسة الأسلحة النووية، من جهة خارجية مثل الولايات المتحدة. وقد يشكل ذلك تحولاً مثيراً للقلق للغاية في الاتجاه الخاطئ، ليس بالنسبة الى الأمن في شبه الجزيرة الكورية وحسب، لكن بالنسبة الى الأمن العالمي ككل.

العامل الصيني عائق؟

اعتمدت كوريا الشمالية بصورة شبه كاملة على الصين في مجموعة واسعة من الواردات الضرورية، طوال فترة جائحة كورونا وخصوصاً الغذاء والطاقة. وعلى الرغم من كونها أكبر مزود للمساعدات، لا توافق بكين على تطوير بيونغ يانغ للأسلحة النووية.

ومن وجهة نظر الصين، لطالما تسبب التهديد النووي الذي تمارسه كوريا الشمالية وتجاربها الصاروخية بتفاقم التوترات الأمنية في شبه الجزيرة الكورية، ونتيجة لذلك، تزايد النفوذ العسكري الأميركي في المنطقة، وهذا ليس في مصلحة بكين. ولهذا السبب لن تتفق الصين بالضرورة مع روسيا على تقديم الدعم التكنولوجي لكوريا الشمالية للمساعدة في تطوير برامجها النووية وبرامج الأسلحة.

وفي المقابل، تكره كوريا الشمالية موقف الصين المتخوف بشأن برنامجها للأسلحة النووية. منذ ما يقرب من عام، كانت هناك توقعات بإجراء كوريا الشمالية تجربة نووية أخرى، لكن الاختبار لم يحدث بعد. ومن ضمن الحجج المعقولة، ممارسة الصين لضغوط جعلت بيونغ يانغ تؤجل الاختبار المقرر. بالتالي، نظراً الى نفوذها الاقتصادي الهائل، قد تمنع بكين بيونغ يانغ من إجراء اختبار نووي في الوقت الحالي.

وبالنظر إلى هذا الوضع، من شأن تحسين العلاقات مع روسيا أن يساعد في تقليل نفوذ بكين السياسي والاقتصادي الساحق على كوريا الشمالية.

الديبلوماسية مع الولايات المتحدة

وبينما تحاول الولايات المتحدة مضاعفة جهود الردع التي تستهدف الشمال، أوضحت بيونغ يانغ عدم نيتها التراجع في أي وقت قريب، بل على العكس من ذلك، فهي تتصرف بجرأة أكبر من أي وقت مضى. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك الوضع سيستمر. وقد تشهد البيئة الأمنية في المنطقة تغيرات كبيرة في السنوات المقبلة بسبب الشكوك الكثيرة، مثل قضية تايوان والحرب المستمرة في أوكرانيا. كما ستتأثر استراتيجيات كوريا الشمالية بصورة كبيرة بالتطورات الأمنية الاقليمية. والأكثر أهمية هو أن علاقاتها مع الصين وروسيا قد تلعب دوراً رئيساً في حسابات استراتيجية كوريا الشمالية.

وفي أسوأ السيناريوهات بالنسبة الى كوريا الشمالية، قد تعاني روسيا من هزيمة في أوكرانيا، وتغرق الصين في أزمة اقتصادية. هذان السيناريوهان الافتراضيان يمثلان كارثة كاملة للشمال، وتضعانه في موقف ضعيف وغير مستقر ما يعيد فتح الأبواب أمام استئناف الديبلوماسية مع الولايات المتحدة، خصوصاً في حال فوز (دونالد) ترامب في الانتخابات المقبلة. في غضون ذلك، تواصل كوريا الشمالية تطوير برنامجها للأسلحة النووية وصواريخها الباليستية العابرة للقارات ومحركات الوقود الصلب والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات، وما إلى ذلك وفقاً لخطتها العسكرية، ولن تتلاشى التوترات قريباً بل وقد تتفاقم حتى موعد استئناف المفاوضات النووية في العام 2026″.

شارك المقال