“مصادرة” القرار العلوي في انتخابات المجلس الاسلامي… وتدخل واضح للحزب

إسراء ديب
إسراء ديب

يتمسّك أبناء الطائفة العلوية في لبنان بأهمّية تنظيم شؤونهم الدينية كسائر الطوائف المحلّية، لكنّهم في الوقت عينه لا يغفلون عن أهمّية عدم “زجّهم” في حوارات وتجاذبات سياسية “لا تُسمن ولا تُغني من جوع” تعوق مسيرتهم التي سعوا إليها منذ سنوات والقائمة على ضرورة انتخاب المجلس الاسلامي العلوي وصولاً إلى انتخاب ثلاثة مفتين عن مناطق بيروت، طرابلس وعكار لتمثيل هذه الطائفة التي يُشدّد أهلها على رفضهم التامّ الشعور بالغبن والاهمال من أيّ طرف محلّي سواء أكان سياسياً أم عقائدياً.

الانتخابات: تاريخ ووقائع

تاريخياً، اعتُرف بالطائفة العلوية محلّياً عام 1922 ورسمياً عام 1936، أمّا في العام 1973، فطالب علويّون بمجلس إسلامي مستقل للطائفة في قانون مؤلّف من 21 مادّة، وحالت الحرب دون تحقيق هذا الهدف.

عام 1991، حصل العلويون على حقّ وصول نائبين إلى المجلس النيابي، ليقرّ الملف بتاريخ 17/08/1995 معدّلاً ومؤلّفاً من 33 مادّة، لكنّه لم يُنفذ بوجود خلافات سياسية. وبعد سنوات، تمّت أوّل عملية انتخابية يوم 03/04/2002 للهيئة العامّة، وبتاريخ 30/04/2002 انتخبت الهيئتان الشرعية والتنفيذية. وكان الشيخ أسد عاصي أوّل رئيس للمجلس في 19/03/2009 مع نائبه محمّد عصفور. وبعد وفاة عاصي في 27/01/2017، تولّى عصفور مهمّة القيام بأعماله وتمّ التجديد له (مع العلم أنّ من المفروض إجراء الانتخابات بعد شهرين على الفراغ).

عام 2019 أصدر نائبا الطائفة حينها مصطفى حسين وعلي درويش القانون 140 (الذي ينصّ على التمديد للهيئتين وانتخاب رئيس ونائب رئيس)، وطعن عصفور به أمام المجلس الدستوري ما أدّى إلى إسقاطه. وبمشيئة “سورية” عزل عصفور في 02/ 08/ 2019 عن مهمّاته، لكن برعاية سياسية معاكسة، لم ينفذ هذا القرار ليبقى عصفور في الواجهة.

عام 2022 وبعد طول انتظار، صدر مرسوم تنظيم شؤون الافتاء العلوي تطبيقاً للقانون رقم 449 تاريخ 17/8/1995، وبات العلويون على موعد مع انتخابات المجلس الاسلامي العلوي بعد بقاء المجلس بلا رئيس منذ وفاة عاصي وتحكّم عصفور بالمشهد الذي دفع النائب حيدر ناصر إلى إسقاطه، خصوصاً عقب إسقاط النائب فراس سلوم عبر المجلس الدستوري، ما دفعه إلى دعوة العلويين إلى انتخابات جديدة. لذلك، عقدت الهيئتان الشرعية والتنفيذية في المجلس الاسلامي العلوي اجتماعاً في 03/06/ 2023 قررتا فيه “دعوة أبناء الطائفة الاسلامية العلوية المشار إليهم بالمادة السادسة من القانون 95/449 إلى تقديم طلباتهم لدى أمانة سرّ المجلس ابتداءً من 5 حزيران ولغاية الأربعاء 5 تموز 2023 لتحضير تشكيل الهيئة الناخبة للهيئة العامة في المجلس، ثمّ مدّدت الهيئتان تقديم الطلبات قبل 15 آب للمشاركة الفعلية”.

عرقلة سياسية

السير بالانتخابات التي رأى البعض أنّها كانت على ما يُرام، اصطدم منذ أيّام ببيان اعتراضيّ أصدره 22 شيخاً من الطائفة الاسلامية العلوية في جبل محسن، رفضاً لعدم ضمّهم إلى الهيئة الناخبة لرئيس المجلس الاسلامي للطائفة العلوية، وهو ما أسموه مشروعاً “فتنويّاً” يقوده النائب حيدر ناصر (حسب البيان).

ويُؤكّد مقرّبون من ناصر أنّ هدف الأخير من إجراء الانتخابات، إخراج الطائفة من “القوقعة” التي فرضتها قوى سياسية مرتبطة بسوريا وإدخالها بصورة أكبر في المجتمع الطرابلسي ومحيطها الاجتماعي كما يرغب الكثير من العلويين، في وقتٍ تُشير معطيات متناقضة إلى أنّ ناصر لديه أهداف دفعته إلى عدم قبول بعض المشايخ وضمّهم الى الهيئة الناخبة، “بغية إيصال من لا يمثل الطائفة العلوية”، لكن في الواقع الذي يُؤكّده معنيون بالملف، أنّ انتخابات المجلس الذي تنقسم لجنته بين شرعية (قائمة على ضمّ رجال دين، تُؤكّد المعطيات أنّ معظمهم ينتمي الى جهات سياسية ولا يتحدّث أيّ منهم بأحكام هذه الطائفة الشرعية) وتنفيذية (قائمة على ضمّ حاملي الاجازات)، تستهدف ضمّ مختلف الأطياف الموجودة في الطائفة لادارة شؤونها وتنظيمها، لكن العراقيل السياسية قد تقف حاجزاً لمنع تحقيق هذا الهدف.

من هنا، يرى متابعون من جبل محسن أنّ انتخابات المجلس التي يطمح إليها العلويّون منذ سنوات قد لا تُبصر النور بصورة سليمة، بسبب تدخل أطراف سياسية “تصبغ” هذا الملف بألوان تجاذبات مصالحها الشخصية لا بمصالح أبناء هذه الطائفة التي كانت ولا تزال تسعى إلى الاندماج بمحيطها الاجتماعي بعيداً عن الدائرة السياسية المفروضة عليها منذ أعوام، وهو ما يُؤكّده المختار عبد اللطيف صالح (المطّلع على الظواهر التي تمسّ شؤون الطائفة) لـ “لبنان الكبير”، قائلاً: “معظم أبناء الطائفة العلوية يتمسّك بلم الشمل وأخذ الطائفة إلى برّ الأمان مع عدم السماح لأيّ طرف بأن يكون مغبوناً، فهم يحتاجون إلى مجلس يُمثل الجميع للوصول إلى مصلحة طائفتهم”.

يُمكن القول إنّ نجاح انتخاب المجلس الاسلامي العلوي سيكون خطوة إيجابية في البلاد، لكن وفق المراقبين فإنّ الانتخابات التي “يتدخل فيها المسؤول في الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد من سوريا (خصوصاً إذا تمّت الانتخابات، سيكون له دور في اختيار المفتين)، السفير السوري السابق علي عبد الكريم علي، النائب الحالي حيدر ناصر (وصل إلى النيابة بـ 313 صوتاً، وأخواله موجودون في القصر الجمهوري في الشام ووالده سفير سابق في كازاخستان، كما كان مقرّباً من عيد لفترة ثمّ انقلب عليه)، والنائبان السابقان علي درويش ومصطفى حسين، لن تكون بالمستوى المطلوب وقد لا تثمر وجود رئيس مجلس لها في ظلّ المناكفات والتخبّطات السياسية التي يرغب كلّ قائم عليها في أن يُثبت للآخر أنّه يُمسك زمام الأمور في هذه المرحلة السياسيّة”.

كما يُشدّد المراقبون على وجود تدخل واضح لـ “حزب الله” في هذه العملية التي لا بدّ لها أن تكون ديموقراطية، موضحين أنّ “الحزب يلعب بحيلة معيّنة تتمثل في أنّ نسبة من المشايخ المعترضين على ممارسات ناصر في جبل محسن وتصل إلى 45 بالمئة، تربطها صلات بالحزب الذي يُؤثر على مستوى الطائفة العلوية ويُحاول إقحام الكثير من أهلها في مشروع التشيّع ليس في هذه الفترة فقط، لكن بالتأكيد أنّ الرغبة العلوية الحقيقية تقوم على أهمّية الانقلاب على تدخلات حزب الله، وبالنسبة الى الكثير منهم فإنّ الزمن توّقف حرفياً عند رئيس المجلس الاسلامي العلوي أسد عاصي، ومن بعده لم نشعر بوجود مرجعية دينية بل بسيطرة حزبية على القرار العلويّ”.

بدورها، تعتبر مصادر دينية أنّ نجاح انطلاقة المجلس الاسلامي العلوي بصورة مستقلّة وفاعلة على صعيد الطائفة سيضرب دور المحكمة الجعفرية في طرابلس وفاعليتها، وتقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ عدد الشيعة في طرابلس قليل جداً مقارنة بعدد العلويين الذين ليست لديهم محاكمهم العلوية، فمن كان يرغب في عقد قرانه سابقاً يُمكنه التوجه إلى المحكمة الشرعية أيّ السنية وقد يتوجّه إلى الجعفرية، لكن منذ حوالي 20 عاماً نذكر أنّ المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى كان أرسل كتاباً الى المجلس الاسلامي الأعلى يطلب منه أنّ من يتبّع مذهب الامام جعفر الصادق عليه التوجه إلى الجعفرية وهو ما يدرّ أموالاً كبيرة على الجعفرية التي باتت تحصل على مليونين و100 ألف ليرة كرسم للزواج بدلاً من 36 ألفاً كما كان سابقاً”.

شارك المقال