مصر… وهم لبنان

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ليس غريباً على مصر اهتمامها بلبنان، لا سيما في عز الأزمات والصعوبات السياسية منها والاقتصادية أيضاً، والسعي الدائم إلى تطوير هذه العلاقة ومحاولة حلحلة ما يمكن أن يعيق أمان لبنان وسلامه الداخلي وتعزيز دولته ودعم مؤسساته، ومساعدته على تجاوز محنه، نتيجة الاعتداءات الخارجية أو التدخلات التي تصيب اللبنانيين بالفرقة وتقسمهم.

ووسط الصورة القاتمة التي تحيط بالوضع اللبناني نتيجة عناد بعبدا وعدم تسهيل مهمة الرئيس المكلف، يمكن القول إن التفاؤل لم يعد ممكناً إلا بسحر ساحر بعد أن شهدنا عرقلة للمبادرتين الفرنسية واللبنانية التي سعى إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.

سعت مصر إلى تقديم الغطاء من قبل الدول العربية لأي حكومة لبنانية تواجه مشاريع دفع لبنان إلى الهاوية للسيطرة عليه وضرب كيانه نهائياً وجعله ساحة تسرح فيها إيران وتمرح. وكان لها موقف معروف من ضرورة تشكيل حكومة لبنانية من دون ثلث معطل. وشددت على أهمية الالتزام باتفاق الطائف وعدم تجاوز صلاحيات رئيس الحكومة والالتزام التام بالدستور لجهة التأكيد على عروبة لبنان وعدم استعداء الدول العربية، والإساءة إلى علاقته مع دول الخليج تحديداً، وهي قامت بجهد كبير في إطار اتصالاتها الدولية لتفسير موقفها لتشكيل حكومة قادرة على إعادة لبنان إلى الصف العربي وعدم الانصياع إلى رغبات البعض الذي يمارس ضغوطاً تعبر عن موقف دول إقليمية تجعل من لبنان رهينة بيدها.

شجعت مصر سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، ودعت المسؤولين اللبنانيين إلى تركيز جهودهم على تقوية مؤسسات الدولة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية دون تأجيل، بما يؤهل لبنان للحصول على ثقة المؤسسات المالية الدولية ودعمها، ما ينعكس إيجابًا على استقرار الأوضاع.

ولطالما كانت علاقة مصر مع لبنان تعتمد على التشاور والاحترام وتنسيق المواقف حيال القضايا الثنائية وقضايا المنطقة وتوحيد الرؤى لمواجهة المخاطر.

ولم تكن مصر تمارس سياسة فرق تسد بين المكونات اللبنانية والقوى السياسية، بل انتهجت سياسة واضحة في الوقوف على مسافة من كل الأطراف، فكانت منفتحة على الجميع، وأكدت في أكثر من محطة على احترام إرادة الشعب اللبناني في سيادته على أرضه ومنع التدخلات الخارجية وإدانة الأيدي الخبيثة التي تعمل على خلط الأوراق لتعزل لبنان عن محيطه العربي وتجعله خارج منظومتها لصالح مشاريع إقليمية مدمرة للدولة والكيان.

كما لم تبتعد عن الحراك الدبلوماسي الذي شهده لبنان خلال الأشهر الأخيرة، بهدف إخراج تشكيل الحكومة من عنق الزجاجة، ووقف الانهيار، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة دولياً، لا سيما إثر التهديد فرنسي، باتخاذ إجراءات ضد معرقلي الحل في لبنان.

وتجلى دعم مصر للبنان في المؤتمر الدولي الذي نظمته فرنسا والأمم المتحدة، بهدف حشد الدعم من قبل شركاء لبنان الدوليين الرئيسيين وتنسيق المساعدات الطارئة من المجتمع الدولي في مواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت آنذاك، لمساندة الشعب اللبناني والاستجابة لاحتياجاته، سواء الطبية أو الغذائية وإعادة تأهيل البنية التحتية. فمدت يد العون للبنان عبر جسر جوي مُحمل بالمواد الإغاثية، وفتح المستشفى العسكري الميداني المصري في لبنان أبوابه لتقديم الخدمات الطبية العاجلة.

أما على صعيد العلاقات الاقتصادية، فالعمل والتنسيق لإحداث نقلة نوعية في التعاون المشترك لم ينقطع من خلال بحث الفرص المتاحة بين البلدين لتسهيل التبادل التجاري والصناعي وبناء شراكات واستراتيجية تعاون بين دول المنطقة، كما كان هناك سعي لإزالة المعوقات التي تحدّ من تنمية العلاقات الاقتصادية.

لا شك أن الجميع ينتظر من مصر لعب دور إيجابي لحل الأزمة في لبنان، فهي لا تزال قبلة العرب رغم محاولات إضعاف دورها نتيجة محاولات خلق مشكلات لها مع دول حدودية مع السودان ومع إثيوبيا تحت عناوين مضلله وإثارة أزمات لإلهائها، وقد تجاوزت مصر أخيراً أزمة العلاقة مع تركيا أخيراً حيث عادت العلاقات إلى مجراها شبه الطبيعي إثر لقاءات مشتركة أدت إلى تطبيع العلاقات.

مصر اليوم تحاول تزخيم دورها في المنطقة، وسيكون له تأثير في الساحة اللبنانية، فهي ترفض ترك لبنان وحيداً أو لعب دور المتفرج على تطور الصراع على النفوذ القائم في لبنان بين أجندات إيران وأوروبا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، فهل تنجح في إعادة لبنان إلى الحضن العربي وفي إنقاذه من الجحيم.

شارك المقال