ألوان “الشذوذ” تدفع ناشطين إلى اقتحام مستشفى في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

يرفض أبناء مدينة طرابلس المشاريع “المشبوهة” التي تستهدف ضرب المنظومة الأخلاقية في المدينة بصورة مباشرة أم غير مباشرة في الفترة الأخيرة، إذْ تُقلقهم أيّ حركة أو نشاط يُمكنهما استهداف المدينة بموروثاتها وأعرافها الاجتماعية من جهة، أو مبادئها الدينية من جهة ثانية، وهذا ما يُؤكّده الكثير من الأهالي الذين شكّوا منذ أيّام بمركز طبّي قيل انّه افتتح عيادة لدعم “الشذوذ” في منطقة أبي سمراء المعروفة بولائها والتزامها الديني، وتحديداً في “مستشفى الرحمة” أو “مجمّع الرحمة الطبّي” الذي اقتحمه ناشطون بحجّة محاربة المثلية ومنابعها في المدينة، وذلك رفضاً وكشفاً عن المركز الطبّي العائد لجمعية “مرسى” التي تدعمها وزارة الصحة مع جمعيات مختلفة حسب بيان البرامج الوطني لمكافحة السيدا في وزارة الصحة الذي يُؤكّد الرغبة “الرسمية” في “رفع مستوى الوعي عند الأشخاص”، موضحاً أنّه “يُشكّل المرجعية الأولى لهذه الجمعيات لتنفيذ الأعمال المرسومة ضمن الخطّة الاستراتيجية لمكافحة السيدا والأمراض المنقولة جنسياً للحدّ من انتشارها”.

أمّا المجمّع الذي تأسس عام 1981 والتابع لجمعية “الشباب الاسلامي”، فيُقدّم خدمات طبّية من ضمنها خدمات الصحة الانجابية بالشراكة مع وزارة الصحة العامّة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ودائرة الرعاية الصحية الأولى في وزارة الصحّة، وكان نشر بياناً أوضح فيه رفضه القاطع تقديم أيّ خدمات تدعم المثلية أو التشجيع عليها، مؤكّداً أنّ “الأخبار ملفقة ولا تمتّ الى الواقع بصلة”.

يُمكن القول إنّ “مرسى” التي أصدرت بياناً توضيحياً عن طبيعة عملها بعد الحادثة، رفضت أيّ تواصل إعلاميّ مع أبرز مسؤوليها أو القائمين عليها، بحيث حاول “لبنان الكبير” التواصل معهم من دون جدوى، خصوصاً بعد تشديد العاملين فيها على أنّ الجمعية تكتفي ببيانها من دون تفاصيل إلّا بعد إرسالها عبر البريد الالكتروني (بغضّ النّظر عن المهلة الزمنية التي يُمكنهم الرّد فيها على رسالة الصحافيين وغيرهم)، لكن أحد المطّلعين على دور الجمعية التي تأسست عام 2011، يؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّها “معنية بالصحة الانجابية، فتدعم وتُساعد طبّياً كلّ الناس من دون استثناء ومن دون البحث عن توجهات الانسان الجنسية، الدينية والعقائدية، وأنّ ما تمّ البحث عنه في المركز لم يرقَ ليكون تهديداً للنسيج الاجتماعي الذي قد لا تتوافق معه الجمعية، لأنّها لا تكترث لهذه التفاصيل التي لا تُمثل أهدافها الانسانية”.

ويلفت مصدر طبّي لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ الاقتحام بهذه الطريقة، لا يمتّ الى القانون والأخلاقيات بصلة، “إذْ كان يُمكنهم المواجهة أو التساؤل لكن من دون حركات المفتشين الذين يبحثون عن الحقيقة، فهم يُمثلون أنّهم صحافيون استقصائيون في وقتٍ لا يحقّ لهم القيام بهذه المداهمة الذكية، حتّى أنّ من المستغرب أنّهم أجبروا الطبيبة المسؤولة على الردّ والتبرير، فالجمعية تتعامل مع مريض أو مريضة ولا تحكم على أحد أو تُعاين مريضاً وتترك الآخر”.

إنّ عملية الاقتحام هذه، لم تكن مرفوضة من معظم الطرابلسيين الذين يخشون الشبهات التي يُؤكّد الناشطون أنّها ترغب في تحويل مفهوم “الرفض” الاجتماعي للشذوذ إلى مفهوم “التقبّل” عبر ربطه بالانسانية وأهمّية احترام توجهات الآخر المختلفة.

وفي تفاصيل هذه العملية، شكّ ناشطون بمنشور لهذه الجمعية أو “بروشور” في العيادة يتضمّن رسوماً ملوّنة بألوان قوس قزح التي باتت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدعم هذه النشاطات، الأمر الذي أغضبهم ودفعهم إلى التوجه مع وسيلة بث مباشر “فيسبوكية” إلى المستشفى، وذلك رغبة في البحث عن تفاصيل تفضح المجمّع وما يدعمه في عياداته، فعثر على المنشور، كما وجدت عوازل ذكرية، وصورة كتب عليها “العادة عادي” المكتوبة باللون الزهري بحيث اعتقد الناشطون أنّها مرتبطة بالعادة السرية وترويجها، لكن تمّ توضيح الأمر فيما بعد وردّه إلى العادة الشهرية للنساء، وذلك كما أشارت المديرة الطبية في المستشفى سمّية حرّوق، التي أكّدت أنّها غرفة (عيادية) في المستشفى يتمّ فيها تقديم خدمات صحية، ككلّ غرفة تجهز حسب الحاجة، مع العلم أنّ حجّتها ووفق الناشطين لم تكن “مقنعة”، معلّلين ذلك بأنّها “تدرك دعم الجمعية للمثلية لكنّها لم تعترف”.

ويصف أحد الناشطين عدم تحرّك أيّ رجل دين أو سياسيّ ضدّ هذه المشاريع بـ “الكارثي”، قائلاً لـ”لبنان الكبير”: “بالاطّلاع على كتيّب أصدر بعنوان تجسيد النّوع الاجتماعي، القوانين والأنظمة والوصول إلى الخدمات في لبنان، والذي قدّم من مرسى، أوكسفام بتمويل من الاتحاد الأوروبي، نجد أنّه يُعبّر عن أهداف هذه الجمعية، فالنوع الاجتماعي يعني الجندرية لدارسة الهوية أو التمثيل الجندري، كما أنّهم يتحدّثون عن مصطلح العبور الطبّي وتحديداً النساء العابرات فلا يُعرفّونها بالعبور الجنسي بل بالعبور الطبّي، وهي مفاهيم جديدة لا تتماشى مع المبادئ العامّة”.

في الواقع، إنّ الاقتحام الذي أثار حفيظة البعض ودفع بعض صفحات مواقع التواصل المعروفة بدعمها “الشذوذ” إلى نشر مقاطع مصّورة اجتزأت فيها البث المباشر الرئيس للتأكيد أنّ أهالي المدينة يجهلون الحقيقة، الثقافة والانفتاح على الآخر، لم يدفع أهالي المدينة إلى التركيز أو الاقتناع بالكثير من الأقاويل التي أكّدت أنّ المنشورات “عادية” وروتينية لـ “مرسى” التي تُوفر خدمات طبّية ومعلوماتية لكلّ إنسان، وهذا ما تُشدّد عليه في بيانها الذي ذكرت فيه أنّ “من واجب العاملين تقديم الرعاية بحياد ومن دون تمييز، وذلك للحدّ من الأمراض المنقولة وتثقيف الأفراد، بهدف بناء مجتمع صحي وسليم”.

شارك المقال