أُعجوبة أم عجيبة

الراجح
الراجح

نظرية المحاصصة تشبه إلى حدٍّ بعيد نظرية الحزب الواحد، وهي ليست نظرية في الاقتصاد، بل في السياسة، كونها تقوم على ثلاث قواعد أساسية، وكل قاعدة منها موجهة عمداً ضد التنمية الاقتصادية بالذات.

القاعدة الأولى: يعتبر أصحاب نظرية المحاصصة أنهم أصحاب الحق الشرعي في توجيه الاقتصاد، ما يعني عملياً تسخير المال العام لخدمة السياسة قبل خدمة التنمية.

القاعدة الثانية: يعتبر جماعة المحاصصة أنهم ورثة الشعب وأصحاب الحق الشرعي في إدارة أملاكهن ما يعني بالتالي تخصيص الوظائف العامة لجماعتهم وليس لأصحاب الخبرة والكفاءة.

القاعدة الثالثة: إن رأس المال طبقاً لنظريتهم هو حق لهم وليس حقاً لفئات المجتمع وقواه العاملة، لذا ترى حريتهم في تهريب رؤوس الأموال غلى بلدان أخرى أخصها الغرب، ولا تجد أي رأسمالي من الغرب يهرب ويأتي إلينا لعدم الثقة بالنظام السياسي ولمعرفته الاكيدة بكيفية سير الأمور المالية والاقتصادية القائمة على القواعد الثلاث التي تناولناها.

إذا انطلقنا من هذا الواقع لا بد أننا نصل إلى حاجة هذه المنظومة ودائماً إلى وصاية دولة أجنبية أو خارجية، لا هَمّ، أو إلى قوة ترعى هذه المعادلة وترسم حدوداً لكل طرف من الأطراف. وفي حال الاختلال في التوازن ندخل في دوامة الفراغ والأزمات. وللتغطية على هذا الواقع، ينصرف أرباب المنظومة إلى إيجاد مَن يبرر مواقفهم، فترى العلم يبيع نفسه لصالح الحرب، والأدب يبيع نفسه لحساب السياسة، والفكر يبيع نفسه لقيود الوطنية الضيقة، ما يؤدي إلى سقوط منظومة الأخلاق السياسية بحكم الكذب والتضليل، وليس المقصود بهذا سوى المرتزقة من أصحاب هذه الكفاءات، سواء في العلم العسكري، السياسي، الاقتصادي وغيره من العلوم.. ويمكننا كتابة مجلدات في هذا الخصوص، والأفضل للاختصار الشديد التذكير بما قاله الخبير القانوني والدستوري الكبير إدمون رباط “انهم ارادوا للبنان أن يكون أُعجوبة هذا الشرق، وبفضل نسف النظام الديمقراطي البرلماني من خلال حصر الصلاحيات برئيس البلاد الماروني حولوه الى عجيبة”. وكي لا نقف عند حدود اليأس أعود الى الكاتب الألماني الذي ربح جائزة نوبل عام 1999 غونتر غراس والذي وضع مذكراته بعنوان “مقشّر البصل” قشرة بعد قشرة مع ما يسببه ذلك من دموع، إلا أنه الطريق الوحيد نحو الحل…

شارك المقال