ماذا يحصل في التحقيق بجريمة اغتيال الحصروني؟

جورج حايك
جورج حايك

لا شيئ اسمه تحقيق لا يمكن أن يصل إلى نتيجة لدى الأجهزة الأمنية والقضائية، لكن هذا، للأسف، ما ينطبق على جريمة اغتيال القيادي في “القوات اللبنانية” الياس الحصروني الذي وُجدَ مقتولاً في بلدته الجنوبية عين ابل ليلة 2 آب المنصرم.

والمفارقة أن ملابسات غريبة رافقت القضية منذ بدايتها، إذ أصدر الطبيب الشرعي تقريراً غير دقيق يوحي بأن الحصروني توفي بحادث سير، لتقع المفاجأة المدوية على رؤوس المعنيين بعدما أظهرت إحدى كاميرات المراقبة الموجودة في مكان الحادث والتي سقطت من حسابات المجرمين، اعتراض سيارتين طريق الحصروني ودفعه الى التوقف، ليترجل منها أشخاص يصعدون في سيارته، ويقومون بتصفيته.

وتوالت المفاجآت مع تصريح لوزير الداخلية القاضي بسام مولوي يؤكّد فيه أن “المعلومات الأوّليّة تشير إلى عدم وجود خلفيّة حزبيّة لما حصل”، ما أثار استغراب “القوات” التي طالبته بتقديم ما يملكه من معلومات، طارحة علامات استفهام حول استباقه التحقيق واصداره حكماً اولياً به.

أما المفاجأة الكبرى فكانت خلال احياء ذكرى شهداء “القوات”، عندما اتهم رئيس الحزب سمير جعجع “حزب الله” بارتكاب الجريمة، معللاً أنها حصلت في عمق مناطق سيطرته، حيث لديه كامل السيطرة الأمنيّة والعسكريّة، مقدّماً معلومات جديدة مرتبطة بعملية القتل، لم يفصح عنها من قبل، إذ أعلن أن أربع قرى خرجت منها السيارات التي خطفت الحصروني وهي عيتا الجبل، برعشيت، بنت جبيل وحنين.

وعلى الرغم من أن الكاميرات أظهرت تفاصيل الجريمة والمعلومات التي وُضعت في يد القوى الأمنية، كانت المفاجأة الأخرى في 19 أيلول الجاري، بأن أبلغت من يعنيهم الأمر، ولا سيما “القوات اللبنانية” أنها غير قادرة على الاستمرار في التحقيق، لعدم تمكنها من الدخول إلى بعض القرى، والتي تخضع لنفوذ “حزب الله”. فما كان من جعجع إلا أن أصدر بياناً شديد اللهجة محمّلاً الدولة والوزراء المعنيين مسؤولية التقصير في التحقيق، ما دفع مولوي إلى الرد ببيان مقتضب يؤكّد فيه أن التحقيق لم يتوقف وشعبة المعلومات تتابع العمل تحت إشراف القضاء!

ومع هذا الارباك الرسمي، أثنى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص على موقف الوزير مولوي، معتبراً أن هذا الأمر هو أبسط حقوق عائلة الحصروني وأهالي عين ابل في كشف تفاصيل الجريمة وتوقيف الفاعلين مهما علا شأنهم.

ويبرر عقيص اتهامه السياسي لـ”حزب الله” بالظروف الموضوعية، لأنه يُطبق على الأرض هناك اطباقاً كاملاً، وهذا له معنيان: الأول أنهم ارتكبوا الجريمة بأنفسهم أو عبر مجرمين مقربين منهم بهدف تصفية الحصروني، والثاني لا يمكن ارتكاب عملية قتل لمسؤول حزبي مثل الحصروني مثيرة للحساسية من دون معرفة “الحزب” الذي يتباهى بضبطه للأرض في الجنوب!

لن تساوم “القوات” على استمرار التحقيق حتى النهاية، ويلفت عقيص إلى “أنها ستواصل ضغوطها بالسياسة كي تمنع التمييع في التحقيق، ونأمل أن يبقى وزير الداخلية على موقفه، لأنه ليس خافياً على أحد أن الأجواء في منطقة عين ابل والجوار بعد عملية الاغتيال تأثرت على نحو سلبي”.

وتشير المعلومات إلى أن مرور 60 يوماً على التحقيق في الجريمة من دون الوصول إلى نتيجة استدعى من “القوات” الشك بأن الأجهزة الأمنية تتعرض لضغوط.

وسائل اعلام الممانعة وخصوصاً “الحزب” تتهم “القوات” بالتحريض، والمريب أنها لفّقت أخباراً منذ البداية عن قتل الحصروني لخلافات مالية، محاولة تضليل التحقيق. ويرى عقيص “أن ما نتّهم به من تحريض، تدحضه واقعة الكحالة التي استشهد فيها فادي البجاني، ونحن لم نتدخل بتاتاً احتراماً لأهالي الكحالة الذين سلّموا بالتحقيق الذي حصل، أما في جريمة اغتيال الحصروني فيختلف الأمر، لأن عائلة الشهيد وأهالي البلدة لم يقبلوا بتمييع التحقيق، علماً أن الحصروني لم يكن مسؤولاً هامشياً في القوات، وهي لا تتنازل عن دماء شهدائها، وربما يطالبنا الحزب بأن نكون الضحية ونبقى ساكتين عن حقنا في معرفة الحقيقة، أو المطلوب قتل الناس تبعاً لآرائها السياسية من دون أن يطالب أحد بمعرفة الحقيقة!”.

وفي اتصال لموقع “لبنان الكبير” مع مرجعية قضائية سابقة، اعتبرت “أن القوات لديها مصداقية أكبر في مقاربتها للجريمة، فما حصل من اغتيالات سابقة يحوّل الشبهات إلى الحزب وغالباً ما لا يصل التحقيق فيها الى نتيجة، وهذه ليست صدفة، ونحن كأجهزة قضائية نعرف أن الجريمة التي استهدفت الحصروني ليست معقدة، ولو يُسمح للأجهزة الأمنية والقضائية بأن تستكمل التحقيق لكانت تمكنت من اكتشاف فاعليها، إلا أن النتيجة معروفة من جرائم سابقة كقتل جو بجاني ولقمان سليم وهاشم السلمان…”.

وتوضح “نحن نعتبر هذه الجريمة سياسية، وانكشاف مرتكبيها يعني الاعتراف بأن الحزب غطى اغتيال (رفيق) الحريري وكل الشهداء الذي سقطوا بعده”.

نسأل هل هذا يعني أننا في حالة احتلال أمني وعسكري وقضائي؟ تجيب: “نعم، وعندما تكون الضابطة العدلية قاصرة عن اجراء التحقيق من ضمن الظروف التي نعيشها، يعني أن البلد تحت الاحتلال، وبالتالي لا يمكن لأي شيئ فيه أن يسير إلا بإرادة قوى الأمر الواقع التي تتحكّم بالأمور السياسية والأمنية والقضائية، لذلك نفهم لماذا لا يمكن لجريمة الحصروني أن تنكشف”.

وعلى الرغم من المعطيات المتوافرة عن جريمة اغتيال الحصروني يقول المحققون انه من غير المسموح لهم أن يستمروا في التحقيق، وفق المرجعية القضائية السابقة، مؤكدة “أنها ليست الجريمة الأولى التي يتم التعاطي معها على هذا النحو، فثمة جرائم أوضح منها كجريمة اغتيال الضابط سامر حنا ومحاولة اغتيال بطرس حرب، وكان واضحاً تورط الحزب فيها، مع ذلك أخلي سبيل الفاعلين ومنعت الأجهزة القضائية من متابعة عملها حتى النهاية. علماً أن اعلام حزب الله خال من المصداقية، وهو اعلام حربي بعيد عن الحرية والموضوعية”.

ولا تعوّل المرجعية القضائية على اتخاذ “القوات” صفة الادعاء الشخصي، وتلفت إلى أنها فعلت الأمر نفسه في عين الرمانة والطيونة وفي حوادث أخرى، ولم يكن ذلك مؤثراً. طالما أن “الحزب” مسيطر على البلد لن يتقدّم التحقيق قيد انملة.

وتكشف المرجعية القضائية “أن موقف الوزير مولوي بالاستمرار في التحقيق يبدو استعراضياً، فلا شيئ قضائياً يبرر اغلاق التحقيق، فإن لم يصل إلى نتيجة يبقى مفتوحاً إلى أبد الآبدين”. وتضيف: “وزير الداخلية يشتغل في السياسة وهو يبيع أوراقه لحزب الله، طمعاً في الفوز بمنصب سياسي معيّن في المستقبل”.

ويبقى الخوف أن تتخذ الأمور منحى تصعيدياً على الأرض بعد تسجيل حواجز لملثمين على طريق عين ابل، واستمرار “القوات” وأهالي البلدة في إثارة القضية في الاعلام ما يثير التوتر والاستفزاز، وقد تصل الأمور إلى مرحلة تهديد السلم الأهلي، لكن النائب عقيص يقول: “نحن بلا شك الأحرص على السلم الأهلي، كماأاننا نعرف موازين القوى في قضاء بنت جبيل، حيث تبدو الأمور لمصلحة الحزب، لكن هذا لا يعني أن نتنازل وأهالي البلدة عن معرفة الحقيقة، وطالما الأهالي متمسكون بالقضية سنبقى إلى جانبهم، ونحن نحمّل الحزب مسؤولية التعرّض للسلم الأهلي إذا استمر في الضغط لتمييع التحقيق”.

شارك المقال