هل عاد الوجود السوري المسلّح إلى لبنان؟

جورج حايك
جورج حايك

منذ ثلاثة أسابيع وحتى اليوم، اتخذ عبور المجموعات السورية الوافدة من سوريا إلى لبنان بعداً دراماتيكياً خطيراً، ما دفع قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى رفع الصوت محذراً من أن التهريب البشري عبر الحدود بات “خطراً وجودياً”.

طبعاً حالة من الفوضى ليست بريئة يشهدها 147 معبراً غير شرعي على طول الحدود اللبنانية – السورية التي تمتد 387 كيلومتراً، تشهد دخول ما لا يقل عن مئات النازحين يومياً، عبر عصابات مشتركة ومنسّقة بين لبنان وسوريا، مقابل مبالغ بالدولار الأميركي.

لا شك في أن الجيش يقوم بالواجب قدر ما تسمح له امكاناته، ويتمكّن أحياناً من توقيف هؤلاء واعادتهم إلى بلدهم، أو الاشتباك مع المهربين، إلا أن المسألة خطيرة لأن بعض العابرين الذي وصل إلى المخيمات أو خارجها بحوزته سلاح، وقد عثر الجيش على البعض منه، وهنا يتساءل العميد الركن المتقاعد خالدة حمادة:”من أين أتوا بالسلاح؟ من لبنان أو سوريا؟”. ويتابع: “هؤلاء يتعاملون مع ميليشيات من الداخل السوري وأحياناً يحضرون بضعة قطع من السلاح للمتاجرة بها وكسب الدولارات، وعندما نقول الميليشيات لا يكون حزب الله بعيداً عن الأمر، وتكتمل الصورة مع تسهيلات من الأجهزة الأمنية السورية التابعة لنظام بشار الأسد التي تسهّل لهم العبور من سوريا إلى لبنان، وأنا أعتقد أن الفلتان في سوريا يؤدي إلى الفلتان في لبنان. لكن توخياً للدقة ليس كل السوريين يدخلون من أراضي النظام انما أيضاً من شمال سوريا، مع التسهيلات ذاتها من النظام”.

إذاً الأمور متداخلة، وفق العميد حمادة، والمفارقة أن منطقة بعلبك في البقاع الشمالي شهدت منذ بضعة أيام اشتباكاً مسلحاً بين لاجئين سوريين داخل مخيمين، استعملت فيه أسلحة حربية من رشاشات ومسدّسات!

واللافت أن بصمات “حزب الله” ليست بعيدة عما يحصل، ويؤكد العميد حمادة أن “الحزب” ممسك بالحدود، “وهو مسؤول بدرجة كبيرة، وهذا يعني أن هذه الحدود خارجة عن سيطرة الدولة، بحجة أن مشاركته في الحرب السورية تقتضي منه أن يتواجد على الحدود ويكون عبوره منها سهلاً، فكيف يكون مسيطراً على الحدود مع خلق مسوغات قانونية لوجوده ويقبل بعبور هذا الكمّ من السوريين والسلاح؟ الجواب هو شريك فعلي”.

لا يغيب عن بال أي متابع أن “حزب الله” والنظام السوري هجّرا هؤلاء النازحين والآن يخططان للمتاجرة بهم وخلق أسباب ومبررات لسلاحه كالعادة، ويرى حمادة أن “الحزب والنظام هما وجهان لعملة واحدة، والأسد يريد استخدام هذه الورقة لتعويم وضعه دولياً، ولن تنجح أي محاولات لبنانية رسمية لحل الموضوع معه، لأنه يريدها ورقة تفاوض لن يبيعها إلى اللبنانيين، وستظل الموجات البشرية تتدفق إلى لبنان على هذا النحو، وخصوصاً أن دوافع هروب اللاجئين، بحسب القانون الدولي، وليس النازحين كما يسمونهم، اقتصادية أكثر منها أمنية. أما ما يفعله الجيش فغير كاف لأن القرار السياسي غير متوافر ولا أحد يساعده”.

نسأله: كيف؟ يجيب: “أولاً ليست لدينا في لبنان دولة تقوم بتقدير الموقف، ثانياً الحكومة لم تستطع أن تجتمع لمعالجة الأزمة نظراً إلى خلافات الوزراء مع بعضهم البعض وهم ليسوا بارعين سوى بالكلام وبالتالي لا رؤية موحّدة لأن جزءاً من السلطة لا يريد اغضاب الأسد، وجزءاً آخر يخاف منه، ولو اتخذنا اجراءات كما فعل الأردن وتركيا لكنا جنبنا بلدنا هذا الغزو السوري الخطير. ثالثاً، لا تبدو الأمور مضبوطة تماماً وتحتاج إلى رؤية أمنية أخرى لمساعدة الجيش اللبناني، وهذا ما يتطلب تعاوناً من القوى الأمنية كافة والمخابرات والبلديات وحتى المواطنين، وعندما يتغلغل هؤلاء اللاجئون في الداخل اللبناني بطريقة غير شرعية، تصبح مهمة السلطات المحلية الاستقصاء عنهم وتبليغ الجيش لاتخاذ التدابير اللازمة بحقهم، لكن للأسف اللبناني يتاجر أيضاً، وهو يستفيد من هؤلاء مادياً عبر تأجير البيوت أو تشغيلهم في الزراعة والباطون أو أعمال أخرى”.

ويعتبر حمادة أن هناك تقصيراً أمنياً واضحاً، وربما هناك تورط لبعض العناصر الأمنية السورية واللبنانية في عمليات التهريب وغضّ النظر عنها.

ولا يستغرب اقتناء بعض اللاجئين السلاح لأنهم يحضرون معهم كل ما يمكن حمله. انها بإختصار حالة فوضى هستيرية، وطالما القوى الأمنية اللبنانية خاضعة لقوى الأمر الواقع أي “حزب الله”، فلن تستطيع أن تضبط الأمن في أماكن أخرى، فالأمن لا يُجزّأ!

أكثر ما يخيف أن يؤلّف هؤلاء مجموعات مسلحة تربك المشهد الأمني أكثر وأكثر، وبرأي العميد حمادة ان الأمر اذا تطور إلى الأسوأ فلن ينعكس على التوازن الديموغرافي وحسب لأن خطره لن يكون على المسلم أكثر أو المسيحي أكثر، انما على وجود لبنان بكامله.

قد يكون أداء المجتمع الدولي في هذه القضية وخصوصاً المفوضية العليا للاجئين أمراً سلبياً، إلا أن حمادة يرى أن “المجتمع الدولي لا يشتغل عندنا، ومسؤوليتنا تقضي بوضع قواعد للعبة، لو كانت قراراتنا حاسمة في هذا الشأن كما الأردن وتركيا، لتصرف المجتمع الدولي بغير هذه الطريقة، لكن علينا أن نعترف بأن المسؤولين اللبنانيين منتفعون من حالة النزوح ومن كل ما يحصل”.

خطر الزحف السوري بوجهيه الاقتصادي والأمني مقلق جداً، بل يُشكّل قنبلة موقوتة، وهذا ما يوافق عليه حمادة، مضيفاً أن الدولة غير مسيطرة على الأمن، ويتساءل ساخراً: “أليس لجوء اللبنانيين إلى السلاح عند أي اشكال وتوتر سياسي قنبلة موقوتة؟ أكثر من ذلك أقول ان الخطر اذا حمل اللبنانيون السلاح فقد يستعينون بالسوريين لشحنه! ربما تكون القنبلة الموقوتة لبنانية والسوريون جزء منها”.

شارك المقال