عون ولعبة الفراغ القاتم “كرمال” الصهر

رواند بو ضرغم

أنا اعتذرت عن حكومة ميشال عون… قالها الرئيس سعد الحريري ليس عبثاً أو تبريراً أو هرباً من المسؤوليات، لا بل هو من ارتضى أن يحمل كرة نار الانهيار قبل تسعة أشهر لكي يحاول تكريس علاقاته الدولية وتحالفاته الداخلية لإنجاز الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة لاستقدام المساعدات، وانتشال لبنان من انهيار سببه سياسات القصر وإفراطه في استخدام قوة الفرض والابتزاز السياسي.

لقد اعتذر الرئيس الحريري عن تأليف حكومة ميشال عون، أي  حكومة التعطيل بثلثها المعطل، وحكومة المزايدات العونية بالحصول على حصة وازنة في مقابل عدم إعطاء ثقة التيار الوطني الحر لها للهروب من القرارات الصعبة التي ستأخذها الحكومة.

ولقد اعتذر الحريري عن حكومة عون للفرز الطائفي والتقسيم التي أراد رئيس جمهورية كل لبنان أن يحرم رئيس حكومة كل لبنان من تسمية الوزراء المسيحيين منهم، فقط لأنه مسلم سني… هذه هي الحكومة التي كان يريد النائب جبران باسيل فرضها على اللبنانيين، لضمان استمراريته سياسياً وتجييش القواعد الشعبية انتخابياً برشى الحفاظ على حقوق المسيحيين وإقصائهم في عهدهم.

في العشرين دقيقة التي التقى بها الحريري عون، استهل الرئيس المكلف الحديث بتوضيح اللغط بما يخص تحديد مهلة لرئيس الجمهورية لإعطاء جواب عن التشكيلة التي قدمها، وأوضح أنه “تمنى عليه” أن يأخذ جواباً ولم يحدد له مهلة، وأعاد على مسمعه ثلاث مرات أنه يمكنه تأجيل حلقته التلفزيونية وإعطاء عون يوماً إضافياً لدرس التشكيلة، إلا أن عون رفض طرح الحريري ودخل فوراً في إبداء ملاحظاته عليها، وكان واضحاً أنه يريد تغيير توزيع الحقائب والأسماء برمتها أي  نسف التشكيلة والتمسك بعدم تسمية الحريري للأسماء المسيحية، إلا أن الحريري وعلى الرغم من إبدائه انفتاحاً لتعديل بعض الأسماء، كان مصراً على حقه في تسمية المسيحيين كما المسلمين، سائلاً عون عن منح التيار الوطني الحر الثقة للحكومة، فأجابه عون أن لا ثقة للتكتل باستثناء نائبين أو ثلاثة، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به الحريري لأنها ستشكل سابقة بمنح رئيس الجمهورية ثمانية وزراء في ظل تمنع تياره من إعطاء الثقة، فأقصى حصة لرئيس الجمهورية كانت على مدى حكومات لا تتعدى ثلاثة وزراء… لذلك حسم قراره بالاعتذار لأن لا مكان للتوافق بينهما.

مرحلة ما بعد الاعتذار تنذر بالدخول في المجهول والسجالات السياسية والعبث الأمني والقضائي والاجتماعي، فاختيار بديل توافقي عن الحريري مستحيل، والمضي بحكومة من لون واحد مستبعد.

حاول الرئيسان نبيه بري والحريري اقناع الرئيس السابق نجيب ميقاتي لتكليفه تأليف الحكومة، الا أنه رفض الطرح متمسكاً بالحريري رئيساً، وأبلغ المعنيين رفضه، كما أن رؤساء الحكومات السابقين والمجلس الإسلامي الشرعي لن يمنحوا العهد هدية على أنقاض تكليف الحريري وليتحمل عون المسؤولية، لذلك كان حاسماً الرئيس الحريري بأنه وكتلة المستقبل لن يسموا أحداً في الاستشارات، ولكن لن يعطلوا ولن يوقفوا البلد، أي  أنهم لن يتلطوا وراء حقوق السنة والميثاقية كما فعل عون وباسيل. في المقابل يُنقل عن الرئيس بري اتجاهه لعدم المشاركة في حكومة لن تحظى بغطاء سني، أما وبعد هجوم الحريري على “حزب الله” فبات يقبل بأي شخصية سنية لتترأس حكومة العهد الأخيرة.

إقرأ أيضاً: فليحكم ميشال عون ما تبقى من عهده

شكر الحريري بري على وقوفه معه في مرحلة التكليف والتأليف، وهو سيبقى على تنسيق معه في المقبل من الأيام، فحتى لو كلف الرئيس بري بديلاً عن الحريري فسيبقى في منظار بيت الوسط أن في عين التينة حليفاً شرساً وثابتاً ولن يؤثر هذا الأمر على التفاهم والتنسيق الدائم معه.

مصادر مقربة من الرئيس عون تقول إن تحديد موعد الاستشارات تسبقه مشاورات واتصالات الكتل البرلمانية والأطراف السياسية بين بعضهم لتأمين الحد الأدنى من التوافق على مرشح، حتى لا تتبعثر الأصوات في الاستشارات ويصبح التكليف متعذراً، ويؤكد المصدر نفسه أن بعبدا ذاهبة بخطى ثابتة وسريعة نحو الاستشارات لأن الوقت المستقطع كان ثقيلاً ومكلفاً جداً. ففي نظر المحيطين برئيس الجمهورية أنه لا يجوز أن تتكرر مأساة انتظار التأليف لأشهر، كون الانتظارات قوية والآلام متحكمة في الشعب اللبناني “ولا نملك ترف الوقت، وإن صندوق النقد الدولي والدول المانحة بانتظار حكومة قادرة ذات مصداقية ومتمكنة من الإصلاح والإنقاذ.. لذلك أملت مصار بعبدا أن تكون المشاورات سريعة حتى تتمكن الرئاسة من تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة قريباً… ولكن هل بقي للعهد حلفاء سوى “حزب الله”؟ وهل سينكبّ خصوم باسيل على التشاور من أجل تأليف حكومة له ولطموحاته؟ بالطبع لا، لذلك أدخل العهد لبنان في مرحلة الفراغ القاتم والمجهول، وتبخر أي  أمل لإنقاذ ما تبقى من لبنان ومؤسساته ومواطنيه، كرمى لعيون الصهر من جديد.

شارك المقال