ذكرى اعادة توحيد ألمانيا… هل أصبح لبنان الواحد عبئاً يجب تقسيمه؟

عبدالرحمن قنديل

تصادف اليوم الذكرى الـ33 لاعادة توحيد ألمانيا التي تمت عام 1990 فضمت جمهورية ألمانيا الديموقراطية، أو ما كان يعرف بألمانيا الشرقية، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، أو ما يعرف عادة بألمانيا الغربية. فبعد أول انتخابات حرة في ألمانيا الشرقية، والتي جرت في 18 آذار 1990، بدأت مفاوضات بين كلتي الدولتين تمخضت عنها معاهدة التوحيد، وفي الوقت نفسه عقدت معاهدة بين الألمانيتين من جهة وبين ما يسمى بالقوى الأربع المحتلة (وهي فرنسا والمملكة المتحدة وأميركا والاتحاد السوفياتي) سميت بمعاهدة “الاثنين والأربعة” وقعت في 12 أيلول من العام 1990 في موسكو ومنحت من خلالها الدولة الجديدة الاستقلال التام. استمرت ألمانيا بعد التوحيد كعضو في المجموعة الأوروبية، وهو ما أصبح يعرف فيما بعد بالاتحاد الأوروبي، وكذلك في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

يستخدم مصطلح “إعادة التوحيد” لتمييزه عن حدث توحيد ألمانيا في العام 1871، في حين يعتبر البعض أن مصطلح “لم الشمل” أكثر ملاءمة من “إعادة التوحيد” عندما يتعلق الأمر باعتبار ألمانيا الشرقية دولة مستقلة أو على أنها جزء من الرايخ الألماني. ومن الذين كانوا يدعون بحماسة إلى التوحد بدلاً من إنشاء ولايتين اتحاديتين، رئيس الحكومة الألمانية السابق فيلي برانت وصاحب العبارة المشهورة عن إعادة الاتحاد “الآن ينمو معاً ما ينتمي معاً”، والذي بيّن أن الدولة المتحدة يجب أن تستبدل ما كان عليه الوضع قبل الحرب.

كانت النقلة في تاريخ ألمانيا تتمحور حول اعادة توحيد ألمانيا بشقيها الشرقية والغربية بعد أن تم تقسيمها ابان الحرب الباردة، وعرفت بين المؤرخين بجمهورية برلين استناداً إلى قانون بون – برلين الذي اعتمده البرلمان في 10 آذار 1994، برلين أصبحت عاصمة لألمانيا في حين حصلت بون على منصب “مدينة فديرالية”.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا، كانت ألمانيا قد قسمت إلى أربع مناطق محتلة. وكذلك، قسمت العاصمة برلين، والتي كانت مقر مجلس تحكم الحلفاء، إلى أربعة أقسام. كانت الخطة في البداية أن تحكم ألمانيا من قوى الاحتلال من العام 1947، إلا أن التوتر الذي نتج عن الحرب الباردة جعل المناطق الخاضعة للسيطرة الفرنسية والبريطانية والأميركية تتحد لتكون الجمهورية الألمانية الفديرالية والتي احتوت أيضاً على غرب برلين، وذلك في العام 1949. وفي المقابل، تحولت في العام نفسه منطقة الاتحاد السوفياتي إلى جمهورية ألمانيا الديموقراطية بما في ذلك شرق برلين. وحسب الشروط المتفق عليها في مؤتمر يالطا في شباط 1945، ضمت مقاطعتا بوميرانيا وسيلسيا الشرقيتان وضم النصف الجنوبي من مقاطعة شرق بروسيا، ما يعرف اليوم باسم أوبلاست كاليننغراد، إلى الاتحاد السوفياتي. أخذت كل من الألمانيتين تزعم بأحقيتها في أن تكون الخليفة الشرعي لدولة ألمانيا السابقة في 1945. لكن ألمانيا الشرقية غيرت موقفها فيما بعد وأصبحت تقول بأن تلك الدولة لم يعد لها وجود بعد العام 1945، وأن كلاً من ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية هما دولتان حديثتا التأسيس.

منذ إعادة توحيد ألمانيا، اضطلعت بدور أكثر نشاطاً في الاتحاد الأوروبي والناتو، وأرسلت قوة لحفظ السلام لضمان الاستقرار في منطقة البلقان، وقوة إلى أفغانستان المضطربة كجزء من عمل حلف شمال الأطلسي لتوفير الأمن بعد الإطاحة بـ “طالبان”. نشر القوات الألمانية كان مثار جدل، بحيث أن ألمانيا منذ انتهاء الحرب، كانت مقيدة بموجب القانون المحلي أن نشر القوات يكون للدفاع فقط. ويفهم أن الانتشار في الأراضي الأجنبية لا يمكن تغطيته من خلال غطاء الدفاع، لكن تصويت البرلمان حول هذه القضية وتصديقه على إرسال القوات للمشاركة في سياق حفظ السلام أنهى الجدل القانوني.

أما في لبنان ذلك البلد الصغير المعجون بالأزمات والتحديات وصولاً إلى إنهيار 2019 وما تلاه، فبرزت دعوات كثيرة الى التقسيم من قوى سياسية باتت معروفة للجميع، مطالبة بإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل إتفاق الطائف الذي أعاد شمل اللبنانيين وأوقف عنهم نزيف حرب أكلت من أعمارهم وأرزاقهم ما أكلت، وما أكثر المسميات الذي يندرج حولها هذا الطرح، منهم من يضعها تحت خانة “إتحاد لبنان الفديرالي” ويسوّق على أنه حل وليس تقسيماً، ومنهم من يتمترس خلف بند “اللامركزية الموسعة”، ومنهم من يعود إلى ذكريات “المنطقة الحرة” ويترحم على أيامها، ومنهم من يدرجون موضة “الطلاق” بين اللبنانيين متناسين سنوات الحرب وآثار تقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية ومذهبية وتحديداً تقسيم بيروت إلى “شرقية” و”غربية” وما آلت إليه نتائجه، في ضوء الهجوم على أصوات الاعتدال التي تدعو إلى لبنان واحد موحد كما كان شعار إنتفاضة الإستقلال الثاني عام 2005 التي جمعت اللبنانيين مسلمين ومسيحيين.

ولكن هل موضوع التقسيم والفديرالية تحت أي ذريعة من تلك الذرائع يشكل حلاً للبنان؟

عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله أشار في حديث لـ “لبنان الكبير” إلى أن “هناك دستوراً في البلد لم يتغير حتى الآن وهو دستور الطائف، وكل ما هو وارد في هذا الدستور يجب أن يطبق، وأي تعديل للدستور في أي موضوع يجب أن يخضع لتوافق وطني والابتعاد عن التعقيدات السياسية الداخلية، ولكن في الوقت الحاضر الدخول في التعديلات الدستورية هي مخاطرة مستقبلها مجهول”.

ولفت إلى أن “هناك من يجتهد ويطرح اللامركزية المالية الموسعة وهذه يجب أن تتضمن تعديلاً دستورياً لأن الطائف لا ينص عليها، ولكن اللامركزية الادارية تحمل في طياتها جزءاً من المالية ولكنها لم تكن موسعة”.

وأعرب عبد الله عن قلقه من هذا الكلام وما يترافق معه من ترويج إعلامي وأحياناً سياسي لمسألة التقسيم أو الانفصال أو الفدرلة، في الوقت الذي يجب أن تصب الجهود الأساسية على إنتخاب رئيس للجمهورية والتعافي الإقتصادي الأساسي وإخراج اللبنانيين من محنتهم الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والصحية.

واعتبر أن “أي نقاش له علاقة بهوية الكيان وصيغة النظام يجب أن يحصل على نار هادئة وليس على حساب وجع الناس والأزمة الاقتصادية الخانقة، وبعد أن نكون قد ثبتنا دولة قوية ذات هيبة وسيادة وذات إمكانات، وكل هذه العناصر غير موجودة فعلى أي أساس سيكون مبنياً هذا النقاش؟”.

وأسف لأن “هذا الطرح في بعض الأحيان منحى إنفصالي وتقسيمي يحاكي الغرائز وهي مطروحة للإستهلاك والإستثمار السياسي”، مشيراً إلى أنه “حل غير منطقي لأن أي تفكير في تحديث صيغة النظام بحاجة إلى دولة قوية ذات هيبة وسيادة ووضع إقتصادي معافى”.

أما النائب التغييري ياسين ياسين فلفت الى أن “التقسيم الفديرالي عادة يأخذ مصالح الناس في الاعتبار وعلى هذا الأساس تقسم من مبدأ القدرة على سيطرة الموارد الأساسية والتحكم فيها وتوزيعها بطريقة عادلة، إلا أن لبنان بلد صغير من حيث المساحة والموارد”.

وأشار إلى أن “التقسيم الذي ليس مبنياً على أي أساس من الأسس التي تعتمدها أي دولة فديرالية يتحول إلى تقسيم على أساس طائفي وتمييز منطقة عن منطقة أخرى وهذا لن يحل المشكلة، ولبنان لا يقسم بسبب موقعه الجغرافي الصغير ولكن مفهوم اللامركزية يختلف ويجب أن تحصل اللامركزية الإدارية حسب الدستور، ولكن الدستور لم يوضح بصورة دقيقة ما إذا كانت موسعة أو وفق أي آلية”.

وأعرب ياسين عن إعتقاده أن “تطبيق اللامركزية يساعد على إيجاد حلول أفضل وتصبح الحكومة قريبة من المواطن من خلال توفير الخدمات التي يحتاج اليها، لذلك يجب أن تحصل أما الفديرالية والتقسيم فطرحهما لا ينفع وهذا الطرح لا يمكن له أن يمر”.

وأوضح أن “هذه العقلية الإقطاعية المتحكمة في البلد هي التي يجب أن يتم تغييرها من خلال إنشاء قانون أحزاب جديد وقانون إنتخابي جديد، بهذه الطريقة نستطيع تطبيق الدستور في البلد لأن الدستور هو من أفضل الدساتير في العالم، ولكنه لم يطبق لأن دستورنا ينص على إنتخاب رئيس ويشرح عن كيفية إقرار موازنة ونذهب إلى تطبيق اللامركزية الإدارية وفق آلية يختارها الشعب اللبناني وممثلوه ولكن القوى السياسية لم تطبق هذه الخطوات”.

شارك المقال