ملف اللاجئين ومخاطره… التغيير الديموغرافي وهاجس التوطين (٤)

زياد سامي عيتاني

ما حذر منه موقع “لبنان الكبير” في سياق سلسلة “ملف اللاجئين ومخاطره” من خشية لدى الأجهزة الأمنية من إنفجار إجتماعي وأمني، فإن ما حصل مساء أول من أمس من توتر في منطقة الدورة بين مجموعات لبنانية وأخرى سورية، ما هو إلا “إختبار” صغير لحدث أمني كبير، خصوصاً وأن الأرضية كانت مهيأة ومعبأة لانتشار التوتر وتوسعه إلى أكثر من منطقة، لولا تدخل الجيش اللبناني، (الذي وصفناه في السلسلة نفسها بأنه يواجه الأزمة وحيداً)! في ضوء تقدم هاجس النزوح السوري بقوة، في الساعات القليلة الماضية، على هاجس الفراغ الرئاسي، والاشكالات المتنقلة بين لبنانيين وسوريين، وتدفق أفواج النازحين عبر الحدود الشمالية والشرقية، وتعاظم المخاوف من انفلات هذا الواقع وعدم قدرة السلطات اللبنانية على ضبطه.

وحجم التوتر والمخاوف الذي بلغه هذا الملف الشائك القابل للتفجير في أي وقت دفع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي إلى رفع الصوت عالياً، بأن “النزوح السوري يهدد ديموغرافية لبنان”، منتقداً تعاطي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في هذا الموضوع وامتناعها عن تسليم قاعدة البيانات الخاصة باللاجئين السوريين إلى الأمن العام اللبناني، ومطالباً المجتمع الدولي بخطة واضحة لعودتهم.

وعلى الرغم من أن كل الأطراف تقر بالخطر الداهم الذي يهدد لبنان جراء إرتفاع منسوب العصبيات إلى درجاته القصوى من اللاجئين السوريين، فإن هذا الاجماع الوطني على خطر النزوح السوري لا يترجم إلى قرار موحد للاتفاق على خطة محددة بآليات تنفيذية خلال فترات زمنية محددة، نتيجة الانقسام السياسي الموجود حالياً، وخلو مقعد الرئاسة، إذ ان القانون اللبناني ينص على أن رئيس الجمهورية هو الذي يفاوض في الخارج ويبرم ويعقد اتفاقات. وما يزيد الأمور تعقيداً أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكن لها أن تتخذ قراراً بشأن مفاوضة الجانب السوري، نظراً الى محدودية صلاحيات تصريف الأعمال، حتى ولو اعتبر التفاوض مع الجانب السوري بشأن ملف اللاجئين من الضرورات الملحة، فلا بد من أن يتم بتكليف من رئيس الجمهورية وهو غير موجود.

لذلك، طفت في الآونة الأخيرة مواقف أطلقها مسؤولون تتحدث عن “مؤامرة” دولية تستهدف توطين اللاجئين في لبنان، ضمن مخطط دولي يهدف إلى تغيير وجه المنطقة، من إعادة رسم خريطة “جيو – ساسية” جديدة، يتطلب إستكمال التحضير لها إحداث عملية “ترانسفير” في دولها، ما يقلق القيادات المسيحية وفي مقدمها البطريركية المارونية من تغيير ديموغرافي في لبنان، يقضي على الوجود المسيحي، وتلاقي القادة المسيحيين في قلقهم من التغيير الديموغرافي القيادات الاسلامية الحريصة على الوجود المسيحي كشريك لا بد منه للحفاظ على لبنان الكيان والرسالة، الذي تشكل المناصفة ركيزته الأساسية، وفقاً لما نص عليه “الطائف”. فوفق إحصاءات أجراها الأمن العام حول توزيع المقيمين على الأراضي اللبنانية، تبين أن 66.6 في المئة من المقيمين لبنانيون، يليهم السوريون بنسبة 37 في المئة، والفلسطينيون 1.4 في المئة، وعدد السوريين في لبنان بلغ 2.089.000 نسمة، بينهم نحو مليون ونصف المليون لاجئ، بحيث استقر الرقم بعد قرار الحكومة اللبنانية وقف تسجيل النازحين السوريين في 23 تشرين الأول 2014، ويقسم الرقم التقديري إلى مجموعتين، الأولى هم المسجلون رسمياً ويبلغ عددهم 831 ألفاً، والثانية وهم غير مسجلين وعددهم نحو 450 ألفاً.

وفي السياق نفسه، تكشف الأوساط الأمنيّة الرسميّة اللبنانية أنّ عدد النازحين يكاد يتجاوز المليونين و200 ألف نازح، من بينهم شريحة تصل إلى مليون نازح وصلوا في العامين الأخيرين، أي بعد تراجع الأحداث الأمنية في سوريا واستقرار مساحة واسعة من المناطق التي يتحكم بها النظام. ووصلت الموجة الأخيرة، التي تبلغ نحو ربع مليون نازح، في الأشهر القليلة الماضية بصورة أكثر تنظيماً من أي وقت مضى، إذ إنّ الضرورات الأمنيّة معدومة كون سوريا لم تشهد تطوّرات حربية دراماتيكية في العامين الماضيين.

واللافت والمقلق في آن، أن موجة النزوح الواسعة والمنظمة التي شهدتها الأشهر الأخيرة، تزامنت مع إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية والانفتاح العربي تجاهها، بحيث كان بين شروطها حلّ أزمة اللجوء السوري إلى دول الجوار، لاسيما لبنان والأردن، أساسياً. إلا أنّ ما حصل كان العكس تماماً، مع انطلاق موجة نزوح سوريّة نحو لبنان كون حدوده مُشرّعة أمام سوريا. وهذا ما فاقم المخاوف والقلق في الداخل اللبناني، لأن التدفقات المتزايدة بصورة منظمة تنذر بخطر داهم في لبنان الذي لا يتحكم بحدوده مع سوريا في ظل سيطرة “حزب الله” ومعه قوى عشائرية محلية في البقاع، وتواطؤ قيادات سياسية محلية في الشمال!

كل هذه التطورات والتحولات الميدانية والسكانية، تدفع القيادات اللبنانية الى التحذير من أن يكون لبنان ضحية تغييرات ديموغرافية واسعة النطاق، إذ ان الحرب السورية أفرزت تهجيراً قسرياً إلى خارج البلاد لما يقارب ثمانية ملايين شخص، تزامناً مع نزوح داخلي باتجاه منطقة الادارة الذاتية في الشمال، ومنطقة شرق الفرات حيث تسيطر قوات سوريا الديموقراطية، الأمر الذي نتجت عنه عملية فرز سكاني في الداخل السوري، أخرجت ما يقارب عشرة آلاف مواطن سوري من الطائفة السنية من الأراضي التي يبسط سيطرته عليها الرئيس بشار الأسد، ما يوفر لحكمه بعضاً من الاستقرار. وهذا ما يجعله يضع العراقيل “المستحيلة” لاعادة اللاجئين، بحسب محللين سياسيين. أما لبنانياً، فان الأمر ينسحب أيضاً على “حزب الله” الموجود عسكرياً في الأراضي السورية المتاخمة للحدود اللبنانية، التي تم تهجير أبنائها من الطائفة السنية، تحديداً في حمص والقصير والقلمون وريف دمشق الشرقي إضافة إلى الزبداني ومضايا ويبرود، ما يجعل من تلك المساحة الجغرافية الواسعة عمقاً إستراتيجياً للحزب لجهة البقاع الشمالي، الأمر الذي يسهل من خطوط إمداداته مع المدن التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني.

أمام غياب أية حلول جدية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، والسعي الى دمجهم بالمجتمع اللبناني، مع غياب وعدم وجود أرقام موحدة لعدد اللاجئين والمقيمين السوريين في لبنان، هل ثمة قرار دولي بغطاء وتواطؤ لبناني، بتحويل ملف النزوح إلى ورقة تفاوض لاعادة رسم خرائط المنطقة، فيقع لبنان ضحية التوطين والتغيير الديموغرافي والتوازنات اللبنانية؟

شارك المقال