هل ينخرط “الحزب” في حرب غزة أم يكتفي برد محدود؟

جورج حايك
جورج حايك

يُجمع الخبراء العسكريون على أن اسرائيل تلقت صفعة قوية من مقاتلي حركة “حماس” يوم السبت الفائت، بعدما نجحوا في نسف استراتيجية الردع والأمن الاستباقي والعمل المخابراتي والتفوّق العسكري التكنولوجي، وتمكنوا من السيطرة برياً وبحرياً وجوياً، معتمدين على عنصر المفاجأة، فاخترقوا المستوطنات الاسرائيلية وقتلوا بعض العسكريين وأسروا البعض الآخر وأخضعوا المدنيين. وعملية “طوفان الأقصى” ذكرّت بحرب أكتوبر عام 1973 عندما فوجئت اسرائيل بهجوم الجيشين السوري والمصري، لكنها ما لبثت أن استعادت توازنها وتماسكها، وهاجمت القوات المصرية واخترقتها عبر ثغرة الدفرسوار، محوّلة هزيمتها إلى نصر!

لكن في ظل معادلة “وحدة الساحات” تتجه الأنظار اليوم إلى “حزب الله” الذي اكتفى بقصف ثلاثة مواقع اسرائيلية في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة هي: موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم. أما رد اسرائيل فكان بالحجم نفسه، أي قصف مدفعي رداً على مصادر إطلاق قذائف في الأراضي اللبنانية. وهذا سيناريو يقوم به “الحزب” عند كل مواجهة بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية.

طبعاً هناك مخاوف كبيرة من تطور الأمور نحو الأسوأ، وخصوصاً أن اسرائيل “مجروحة” ولن تتردد في استخدام كامل قوّتها العسكرية للدفاع عن نفسها وتلقين “حماس” درساً لا تنساه، وحشدت آلافاً من جنودها على الحدود الشمالية المتاخمة للبنان تحسباً لأي عملية قد يقوم بها “الحزب”، علماً أن البيت الأبيض حذّره من فتح جبهة شمال اسرائيل!

 فما هي السيناريوات المتوقعة من خبراء عسكريين؟

يعتبر خبير عسكري مقرّب من “حزب الله” أنه جاهز للتدخّل إذ يملك القدرات والامكانات لوجيستياً وبرياً وصاروخياً وحتى جوياً عبر المسيّرات للقيام بذلك، لكن جهوزية “الحزب” لا تعني أن قرار المشاركة قد إتخذ وبات محسوماً، فهناك حسابات عديدة، وهذا يتعلّق بالتطوّرات على الأرض، ومدى حاجة الحلفاء في “حماس” الى الدعم. فالكفّة اليوم تميل إليهم، وهم لا يزالون حتى الآن يفرضون ايقاعهم في المعركة ويديرونها بنجاح. و”الحزب” مستعد لكل أنواع الدعم، والاتصالات مفتوحة بينه وبين قادة “حماس”، والمتابعة دقيقة جداً.

ويلفت الخبير الى أن العدو الاسرائيلي إذا اخطأ ووسّع هجومه بإتجاه لبنان، فسيكون الرد مزلزلاً وكل الخيارات موضوعة على الطاولة ويشمل ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على المدن الصهيونية، يمكن أن ينتج عنها دمار هائل في البنى التحتية والمنشآت الحيوية، وتؤدي إلى إلحاق ضرر بالغ بـ “الاستمرارية الوظيفية” للدولة، وتشمل تضرّر أو توقّف نظام الكهرباء، والاتصالات، وسلسلة الإمداد الغذائي، وصولاً إلى عدم القدرة على تقديم الخدمات الأساسية للمستوطنين الصهاينة.

وإذا تطوّرت العملية فقد تصل إلى توغّل بريّ داخل الأراضي الاسرائيلية، عبر قوات النخبة في “الحزب”، وفق تقديرات الخبير العسكري، فيسيطر على مناطق الجليل كما هدّد أمينه العام السيد حسن نصر الله أكثر من مرّة. وسيستخدم في هجومه إلى جانب العربات القتالية الصغيرة والسريعة، والدراجات النارية، عشرات الدبابات من نوع “T – 72″، وهي دبابة قتالية مع مدفع من عيار 125 ميلمتراً، وفيها جهاز تذخير تلقائي، إضافة إلى دبابات أخرى من نوع “62T-” مع مدفع من عيار 115 ميلمتراً، وعدة دبابات من نوع T – 55″” اضافة إلى المئات من العربات المدرعة.

وسيواكب هذا التوغّل البري إطلاق “الحزب” عشرات الطائرات المسيّرة من أنواع مختلفة، يمكن لبعضها أن يقطع مسافات طويلة وصولاً إلى عمق الدولة العبرية، وبناء على ما تملكه تلك الطائرات من قدرات هجومية متقدّمة على غرار الطائرة الايرانية الانتحارية “شاهد 136″، والتي تجزم كلّ الدوائر الاستخبارية الأميركية والاسرائيلية بوجودها لدى “الحزب”، إضافة إلى أنواع أخرى لا تقلّ أهمية وخطورة عنها، فإن من المتوقّع أن يقوم “الحزب” باستهداف المنشآت الحيوية والحسّاسة داخل اسرائيل، ولا سيما تلك التي تحظى بنظام حماية عالي المستوى ضد الصواريخ الباليستية.

ويؤكد الخبير العسكري المقرّب من “الحزب” أنه يستند بالدرجة الأولى إلى معادلة الردع، وربما يناسبه ذلك في الوقت الحاضر أفضل بكثير من الذهاب إلى معركة لا يعلم أحد كيف ستنتهي، وما هي التداعيات التي يمكن أن تترتّب عليها، والسؤال الأكثر دقة: هل إتخذ محور الممانعة قراراً بتوسيع الحرب لتشمل كل الدول المعنية بالمقاومة مثل ايران وسوريا وكل الفصائل التي تدور في فلكهما؟ ما يجب الاعتراف به في الوقت الحاضر أن تغيّراً استراتيجياً عسكرياً كبيراً حصل بعد ضربة “حماس”، السبت الفائت، ولا نزال نشهد تداعياتها وهذا ما لا يسرّ خاطر اسرائيل التي ظهرت أنها أوهن من بيت العنكبوت.

في المقابل، يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني مارون خريش أن “حزب الله” منخرط في الحرب الدائرة في غزة، ربما ليس على الجبهات بالمعنى الواسع للكلمة، إنما بالتسليح والتدريب والمال والمساهمة العسكرية المحدودة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، لكن لا أرى أنه سيدخل الحرب من بابها الواسع، اذ لا مصلحة لديه لمهاجمة اسرائيل، ولا الأخيرة مصممة على مهاجمته، فهو يقف منذ العام 2006 حرساً حدودياً لها.

ويشير خريش إلى أن هناك قواعد للعبة بين “الحزب” واسرائيل متفقان عليها ضمنياً، ولم يتردد نصر الله في ذكرها في كلماته، وليس هناك أي سبب لتغيير هذه القواعد الآن. علماً أن “الحزب” يحسب ألف حساب قبل الدخول في هذه الحرب لأن أكثرية الشعب اللبناني تحمّله مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في لبنان.

لا شك في أن اسرائيل قادرة على أن تفعل ما تشاء في لبنان نظراً إلى تفوقها الجوي، ومن المستحيل أن ينتصر عليها “الحزب”، وفق رأي العميد خريش، إلا أن معايير الربح والخسارة لدى “الحزب” لا علاقة لها بالمنطق العسكري، وهو يعتبر أنه حقق انتصاراً الهياً بمجرد صموده واستمرار قدرته على إطلاق الصواريخ حتى ولو تراجع زخمها في نهاية أي معركة، وهذا ما حصل خلال حرب تموز 2006، لأن اسرائيل دمّرت البنية التحتية لـ”الحزب” إضافة إلى تدمير لبنان ومرافقه، إلا أن ما سمعناه لاحقاً من نصر الله أنه حقق نصراً الهياً. لكن هذه المرة سيكون الوجع اللبناني أكبر بكثير إذا ورّط “الحزب” لبنان في أي حرب، لأن لدينا من المشكلات ما يكفي: سلاح المخيمات الفلسطينية، اللاجئون السوريون، سرقة أموال الناس في المصارف، انهيار اقتصادي ومعيشي… وبإختصار أصبحنا وفق القول المأثور “إذا أصابتني سهامٌ تكسّرت النصال على النصال”!

لا يستبعد العميد خريش أن يتساهل “الحزب” مع “حماس” في لبنان عبر إفساح المجال لها بتوجيه بعض الصواريخ الصغيرة إلى شمال اسرائيل، مثل “قبّة باط”، أو تكرار القصف الصاروخي المحدود الذي قام به “الحزب” بنفسه أمس، لكن العدو يعرف حدود هذه اللعبة، فيردّ عليها بالحجم نفسه، من دون أن تتطوّر الأمور.

ونسأل العميد خريش: هل تقتحم اسرائيل قطاع غزة؟ يجيب: “لا تستطيع أن تفعل ذلك، لأن الأمم المتحدة تعتبرها نواة الدولة الفلسطينية، ولن يقبل المجتمع الدولي بارتكاب مجازر من منطلقات إنسانية، وما أتوقعه أن يتكرر سيناريو الضفة الغربية الذي حصل مع الجهاد الاسلامي، فتقوم اسرائيل باغتيال قادة حماس وشلّ قدراتها العسكرية”.

ويؤكد أن العملية حصلت بإيعاز من ايران وخدمة لمصالحها، وخصوصاً أنها منزعجة من مفاوضات التطبيع بين السعودية واسرائيل، وستعمد إيران، من دون أي اعتبار للضحايا التي ستسقط، الى إطالة أمد العملية، لأنها كلّما طالت ستثير الوجدان العربي ضد اسرائيل، ما سينسف التطبيع بين السعودية واسرائيل أو يُرجئه.

ولا تختلف مقاربة صحافي متخصص بالشؤون العسكرية عن مقاربة العميد خريش، لكنه يرى أن ما حصل في اسرائيل السبت يشبه عملية 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية وتداعياتها الكبيرة والخطرة، والحكم على رد الفعل الاسرائيلي لا يزال سابقاً لأوانه، و”حماس” استفادت من عنصر المفاجأة الذي أدى إلى وقوع اسرائيل عن حلبة الصراع، لكن عندما تقف على قدميها سيكون الرد مزلزلاً وغير مسبوق، وربما يؤدي إلى نهاية “حماس” في غزة، لذلك ستطول العملية.

يعترف الصحافي بأنه لا يمكن توقّع رد فعل “حزب الله”، لكن انطلاقاً من متابعته يؤكد أنه لن يجرؤ على الدخول في الحرب، وهو يعلم أن لبنان لا يحتمل أي حرب جديدة، وقد تؤدي إلى تقسيم البلد أو تغيير تركيبته نهائياً، وهذا ما لا يصبّ في مصلحة “الحزب” المهيمن على الدولة اللبنانية. لذلك، سيكتفي بشعارات التصدي والصمود.

ويستبعد أن تتطور الأمور إلى حرب واسعة وشاملة في المنطقة، لأن مصلحة ايران المحافظة على أذرعها العسكرية لتنفيذ عمليات صغيرة ونوعية في الشرق الأوسط تعزز سيطرتها وليس الدخول في الحروب الكبيرة التي تعتبر مغامرات غير محسومة النتائج.

ويرى أن المفاوضات الأميركية – الايرانية لا تزال مستمرة وتمر بمطبات لكنها لم تتوقف، لذلك الولايات المتحدة لن تسمح بحروب واسعة تؤدي إلى تورطها بضرب النووي الايراني الذي لم يبلغ مستويات خطيرة، فهناك 3 محطات نووية: الأولى مدنية لتوليد الكهرباء، الثانية مدنية للتكنولوجيا الطبية، والثالثة عسكرية لا تزال في معدلات منخفضة، وأميركا تعرف ذلك. وبالتالي لا شيئ ينذر بحرب كبيرة، و”حزب الله” سيلتزم بقواعد اللعبة، ويكتفي بالتضامن الاعلامي مع “حماس”، وهذا ما ستبرهنه الأيام المقبلة!

شارك المقال