للمرة الأولى منذ العام ١٩٧٣ تعلن اسرائيل حالة الطوارئ بعد تعرضها لهجوم غير مسبوق استهدف ما تعتبرها أراضيها، من “حماس” وفصائل المقاومة الفلسطينية، ما أدى إلى سقوط قتلى يقدر عددهم بنحو ربع ما سقط في حرب أكتوبر/تشرين الأول التي استمرت لنحو ١٨ يوماً. الثأر يجتاح إسرائيل، فخلال السنوات الماضية، شنت حروباً وحشية متعددة على غزة، ولكن اللافت أنها في مقابل ضراوة القصف الجوي، والذي يسقط أعداداً هائلة من الضحايا في غزة غالبيتهم من المدنيين، تتراجع توجهاتها لتنفيذ عملية توغل برية داخل القطاع، َوالنقطة المفصلية التي جعلتها إسرائيل تتوجس من هذا التوغل، هي حرب ٢٠١٤، التي عرّفتها إسرائيل باسم “الجرف الصامت” وسمّاها الفلسطينيون “العصف المأكول”. وكان هناك تخبط كبير لدى اسرائيل نتيجة الخسائر التي تلقاها جيشها بفعل ضربات المقاومة، الأمر الذي جعلها ترتكب العديد من المذابح ومنها مجزرة الشجاعية التي راح ضحيتها نحو مئة شهيد فلسطيني، وأكدت جميع التحليلات أثناء الحرب أن المقاومة الفلسطينية نجحت في تحقيق عنصر المفاجأة وخلق قوة ردع لمواجهة ترسانة الاحتلال الحربية.
ويبدو أن هذه الحرب، جعلت إسرائيل أكثر حذراً مع غزة، ومن الواضح أن حكومة بنيامين نتنياهو تتخبط، وتريد صورة الانتقام، وموضوع إعلان الحرب جاء بصورة مباشرة بعد البدء بعملية “طوفان الأقصى” ما يعني أن اسرائيل ذاهبة إلى أقصى مدى، ولكن في الطرف الآخر غزة تختلف عما كانت عليه من قبل، وهنا نتحدث عن عشرات الألوف من المسلحين، وعن قدرات عسكرية وصاروخية، فما هي السيناريوهات المتوقعة للمعركة في غزة بعد إعلان عملية “طوفان الأقصى”؟
أكد عضو القيادة السياسية لحركة “حماس” في لبنان بسام خلف في حديث عبر “لبنان الكبير” أن “هذا العمل تاريخي يسجل في سجل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التى تقود مشروع مقاومة في غزة. هناك عدة أهداف لهذه العملية، الأول هو رد على ما يقوم به الاحتلال من تدنيس للمسجد الأقصى، والاعتداء على حرائرنا والمرابطات وهذا العمل لن يمر، ويجب على العدو الصهيوني أن يدفع الثمن. الهدف الثاني أن لدينا حوالي ٥ آلاف أسير لا يزالون يقبعون في سجون الاحتلال، فكان الهدف أن نأسر عدداً من الأسرى لأن العدد الذي نملكه لم يحرك عند العدو صفقة تبادل، ولكن الآن بعد هذا العدد الكبير الذي نملكه من الأسرى فاننا قادرون من خلاله أن نحرر جميع أسرانا، وهناك حديث عن صفقة عاجلة برعاية قطرية، لتبادل بعض الأسرى مقابل الأسيرات الفلسطينيات”.
وقال: “أظهر هذا العدو كم هو هش وضعيف، وكان يُعتبر أنه الجيش الذي لا يقهر، تم اذلاله على يد أبطال المقاومة الفلسطينية في غزة. هذا العمل احترافي بجميع المقاييس، فلم تستطع إسرائيل التنبؤ به أمنياً، وهذا يعتبر انهياراً أمنياً عندهم، بالاضافة إلى أنه عند دخول شباب القسام لم يكتشف العدو ذلك، وهذا سجل صدمة كبيرة ما جعله غير قادر لعدة ساعات من العملية على الرد”.
وبالنسبة الى السيناريوهات المتوقعة، أشار خلف الى أن “العملية نوعية بكل المقاييس من ناحية عدد القتلى والأسرى، واستطاعت المقاومة الصمود من قبل ٥٥ يوماً، وهذه المره نراهن أننا نستطيع الاستمرار لفترة طويلة، والعدو الاسرائيلي يمكن القول انه بدأ عملية الانتقام بين المدنيين من خلال قصف منازل ومساجد ومصارف وهذا دليل إفلاس”، متوقعاً “استمرار عمليات العدو لعدة أيام ونحن لدينا الكثير من الأوراق التي لم تكشف ولم نستخدمها بعد، وقريباً ستظهر المفاجآت التي لا تزال في جعبة القسام”. وأوضح أن “لدينا تُخمة بالنسبة الى الأسرى قادرون من خلالها على أن نحرر كل أسرانا، وبالنسبة الى إسرائيل، هناك مؤشرات على عمل بري قد تقوم به، وهذا ما ننتظره وستكون مقبرة العدو”.
أضاف خلف: “معادلة الردع تغيرت الآن، إسرائيل عبر التاريخ كان تخوض الحروب خارج أرضها، لكن اليوم المعركة هي معركة تحرير وقلب للموازين الاستراتيجية، فتم اخلاء ٢٦ مستوطنة في جدار غزة، وأعتقد جازماً أنهم لن يعودوا إليها بعد الرعب الذي حلّ بهم، وستبقى محررة. الاشتباكات قائمة في عسقلان وعدة مستوطنات، وعناصر القسام منتشرون داخل المستوطنات، وسيفاجئون العدو، وهذا عامل ترقب عند الاسرائيلي الذي ينتظر أي عملية في أي مكان، ومن هنا يمكننا القول ان هذه العملية بداية التحرير وعملية تحول في الصراع مع العدو”.
وفي ما يخص الدعم الأميركي، لفت الى “أننا لا نعتقد أنه سيكون هناك أي تدخل أميركي فعلياً، لأن إسرائيل تحاول دائماً أن تبرهن أنها قوة أميركا في المنطقة، فإذا أصبحت بحاجة الى الدعم، هذا سيشكل خطراً استراتيجياً على الدعم الأميركي لإسرائيل، ويمكن أن يكون الدعم معنوياً ليس أكثر لا شيئ له علاقة بالتدخل العسكري المباشر”.
ورأى الصحافي والباحث في الشأن الاسرائيلي خلدون البرغوثي أن “العملية التي نفذتها المقاومة في قطاع غزة تشكل ضربة كبيرة على المستويات كافة، على المستوى السياسي إخفاق كبير، على المستوى الاستخباري ويتحمل المسؤولية حتى الآن في نظر دولة الاحتلال، وعلى المستوى الأمني التي استثمرت فيها اسرائيل مليارات الدولارات وثبت فشلها خلال ثوانٍ، وحتى على المستوى العسكري الذي كان نائماً حول قطاع غزة، وأيضاً النتائج الفعلية وأسر ما يتم تقديره بمئات الجنود، كل هذا شكّل صدمة ضخمة للوعي الاسرائيلي، وكما قال أحد المحللين السياسيين الصحافيين الاسرائيليين بأنه في العام ١٩٧٣ تعرضنا لمباغتة لكن كانت من دولة، ولكن الآن تعرضنا لمباغتة من فصيل صغير ولكنها أكثر اذلالاً لإسرائيل، لذلك رد الفعل الإسرائيليي سيكون عنيفاً، وكما شاهدنا المجازر، لرد الاعتبار أولاً وربما لرفع سقف المطالب الاسرائيلية لاحقاً، ولكن ما سيُحدد نتيجة كل هذه الأمور هو مجريات المعركة على الأرض، والهدف الذي ستسعى إليه اسرائيل بعدها، هل تقوم برد الاعتبار من دون احتلال قطاع غزة، أَم ستذهب باتجاه الحل النهائي وهو السيطرة الكاملة على القطاع؟ وهذا سيكون له ثمن كبير جداً على المستوى البشري، السياسي والاقتصادي لاسرائيل”.
وأعرب البرغوثي عن اعتقاده أن “من المبكر تحديد السيناريوهات، قبل أن يُحدد هدف العدوان الاسرائيلي، وحتى صفقات الأسرى أحياناً تحتاج إلى سنوات طويلة ولكن حجمهم وعددهم الكبير الذي وقع بيد المقاومة قد يُسرّع هذا الملف، ولاحظنا سلوك نتنياهو الذي قام بصورة فوري وبعد تأخير لعدة شهور بتعيين مسؤول عن ملف الأسرى في اليوم نفسه الذي وقع فيه العشرات بيد المقاومة الفلسطينية، لذلك بعد أن تهدأ أمور المعركة من المؤكد أن هذا الملف سيُفتح، والأسرى بيد المقاومة سيكون ثمنهم كبيراً بالنسبة الى اسرائيل”.
وعن فترة الحرب وإمكان الصمود، أكد البرغوثي أن “السياسة التي اتبعها بعض رؤساء أركان جيش الاحتلال في السنوات الأخيرة هي إنشاء جيش يخوض معارك قصيرة، ولكن صاعقة، مشكلة جيش الاحتلال في قطاع غزة أنه يبدأ بالمعركة، وبعدها المستوى السياسي يطالب بإنهائها، نتنياهو عام ٢٠١٤ استجدى الادارة الأميركية من أجل التدخل وإنهاء الحرب، فكلما طال أمد الحرب سيجد الاسرائيلي العادي نفسه في حالة منع تجول، الأعمال متوقفة، التدريس متوقف لفترات طويلة، والجميع تحت تهديد الصواريخ والعمليات، ولا صبر للاسرائيليين على هذه الأمور لفترات طويلة، ونحن على بُعد ١٠ سنوات من معركة ٢٠١٤ لذلك قد تكون لدى المقاومة المقومات التي طورتها هذه الفترة، والمفاجأة التي فجرتها يوم السبت قد تكون هناك مفاجآت شبيهة بها تنتظر جيش الاحتلال في حال حاول دخول قطاع غزة والسيطرة عليه، ونكرر بحسب الهدف الذي ستحدده إسرائيل، ونتنياهو في وضع لا يُحسد عليه حقاً”.
https://twitter.com/grandlb/status/1711723403118248152