لبنان… وطن “يملؤه” الفراغ!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

عام كامل إنقضى منذ نهاية “عهد جهنم” وإن كانت آثاره باقية وتتمدد. حتى الطوفان الذي ضرب المنطقة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، لم يحرك شعرة في رأس المسؤولين في البلد المأزوم والمحشور بين ثنائيتين، واحدة شيعية فتحت لبنان على المجهول بإدخالها إياه في مشكلات الاقليم بإسم الممانعة والمقاومة ووحدة الساحات، وأخرى مارونية تنحو يوماً بعد يوم نحو الانعزال وتتسابق في ما بينها على الظهور بمظهر “القوي” عبر شعاراتها وأسماء كتلها النيابية فقط ولو على حساب ضعف الوطن. فالتيار الذي يعتبر نفسه قوياً ويريد أن يكون واحداً لا شريك له في الحكم، يختزل لبنان بنفسه ويتلطى خلف شعار “لبنان القوي” وينسى أو يتناسى أنه هو صاحب الدور الأساس مع شريكه في تفاهم “مار مخايل” في إيصال البلد إلى جهنم. وكذلك “القوات” التي تتباهى بأنها صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان، ويتراءى لها أنها باتت بحجم الجمهورية، وهي التي أوصلت متعهد جهنم إلى موقعه بسبب نكايات سياسية لا زالت تمارسها حتى اليوم وآخرها ما حصل بالأمس حول التمديد لقائد الجيش، تتلطى هي الأخرى خلف شعار “الجمهورية القوية”، الجمهورية القائمة فقط على “مناطقنا” بحسب مسؤول “التواصل” فيها، وليست جمهورية الـ 10452 كلم مربع التي نادى بها مؤسسها بشير التي تدَّعي العمل بهدي تعاليمه، في الوقت الذي أطلقت فيه جيشها الالكتروني للنيل من كريمته لأنها قالت كلاماً وطنياً يتلاقى مع هذا الشعار، إلا إذا كانت “القوات” تريد الـ 10452 كلم خالية من الناس “البشعين اللي ما بيشبهونا ولا منشبههم” كما قال مسيو جبور.

ففي الوقت الذي تعامل فيه العدو الصهيوني مع الطوفان بتأليف حكومة طوارئ وحرب مع المعارضة على الرغم من الخلافات السياسية الداخلية العميقة، لا زالت حكومة لبنان كسيحة بفضل “زعماء” وساسة صغار يعتقدون أن مجد لبنان أعطي لهم وحدهم وأنهم باتوا أكبر منه، ولذلك يعطِّلون البلد كما عطلوه لسنوات وسنوات بإسم صلاحيات رئيس الجمهورية في حين أن الجمهورية نفسها في خطر.

بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت رأى رئيس الجمهورية السابق في هذه الجريمة “فرصة” لعودة المساعدات والعالم إلى لبنان بحسب تفكيره القاصر الذي يسقطه على تفكير زعماء العالم وساسته في نوبة غرور مرَضي. اليوم وريثه السياسي كذلك يرى في الطوفان الذي يغرق المنطقة بالدم “فرصة” لتعويم نفسه محاولاً إقتناصها لشطب قائد الجيش من قائمة المرشحين للرئاسة ولو إقتضى الأمر زيارة غريمه الآخر سليمان فرنجية الذي يعيش الهاجس نفسه، وذلك عبر رفض التمديد له في قيادة الجيش في الوقت الذي يقف البلد على عتبة الحرب، لتتناول “القوات اللبنانية” هذا الأمر وكعادتها منذ أن باتت مهمتها التعامل بسياسة رد الفعل على جبران باسيل وغيره من الخصوم، وتطرح التمديد للقائد نكاية بالآخرين للأسف وإلا لماذا لم تطرحه من قبل؟ وليس تفادياً للفراغ الذي بات يملأ الجو في البلد منذ عام وحتى اليوم، بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية وبعدها ولاية المدير العام للأمن العام وبعدها حاكم البنك المركزي وقريباً قائد الجيش بعد شغور مركز رئيس الأركان، حتى باتت الدولة تدار بالوكالة، بينما المسؤولون عنها – خصوصاً أولئك الذين يعتبرون أنفسهم أصحابها الحصريين ويحاولون إستعادتها بحسب أدبياتهم – يعيشون في عالم آخر يتنقلون بين الزواريب السياسية الضيقة، ما بين قنَّاص فرص يبحث عن الصفقات، وإنتهازي ينتظر تطورات المنطقة بعد الطوفان، علها تأتي له بحل يشطب “غريمه” الداخلي الذي يرى فيه عدواً من المعادلة، وتعيد إليه بعضاً من “مجدٍ” زائل، فلا يسعى الى مواجهة الطوفان الذي يهدد الوطن بأكمله خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها، لا سياسياً ولا ديبلوماسياً ولا حتى شعبياً، بل همه أن ينصِّب نفسه زعيماً بالتزكية كما فعل أترابه في الأحزاب اللبنانية قبله – وما فيش حد أحسن من حد.

في المقابل، يفتح أحد طرفي “الثنائي” الآخر الباب أمام الطوفان القادم، ويسمح لحركات غير وطنية بإستخدام الأراضي اللبنانية في إستعادة لسيناريوهات مضى عليها الزمن وكلفت لبنان أثماناً باهظة، وفي تجاوز حتى للثلاثية التي يعتبر أنها تشرِّع له العمل والمواجهة، من دون أي إعتبار لا للحكومة التي من المفروض أنها تمثِّل على الأقل شريكي الثلاثية ولا للأطياف السياسية الأخرى، الأمر الذي وضع البلد على صفيح ساخن ووضع الناس – وبيئته بالذات – في موضع لا تتمناه ولا تُحسد عليه.

ولا يسعنا هنا المرور مرور الكرام على المعارضات الأخرى مدَّعي الحرية والسيادة والاستقلال الذين لا يملكون إلا بيانات لا يُفهم منها شيئ، وكذلك نواب التغيير الذين على ما يبدو لا يزالون في طور البحث عن الذات. وهكذا نرى الفشل وقد تفشى في كل مكونات هذا الوطن الذي بات فارغاً بمؤسساته الرسمية والحزبية وكذلك شخصياته بإستثناء قلة قليلة كي نكون منصفين، لكنها بعيدة ومبعدة عن الواقع السياسي الذي يملأه أصحاب الأجندات الطائفية والمذهبية والاقليمية البعيدة عن هموم وآمال اللبنانيين العاديين الذين لا يسعون إلا إلى العيش بكرامة في دولة طبيعية يقودها أناس طبيعيون، وليس أنصاف آلهة من حجر وتمر كما هو حاصل اليوم، الأمر الذي يهدد لبنان وشعبه بالغرق في طوفان المنطقة إلا في حال حصول معجزة على أيدي الآخرين في المنطقة، ولو أن زمن المعجزات قد ولَّى، ولكن لعل وعسى.

شارك المقال