تشجيع مستمرّ على حملة “المقاطعة الشعبية” في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

سارع المئات من الطرابلسيين إلى تلقّف الدعوة “الشعبية” لمقاطعة البضائع الداعمة لاسرائيل أو للتطبيع بصورة مباشرة أم غير مباشرة، بحيث حرّكت عملية “طوفان الأقصى” والردّ الاسرائيلي العنيف عليها، ما جمّدته السياسات والاستراتيجيات المحلّية، الاقليمية والدّولية لأعوام، ما دفع بعض الشعوب العربية إلى إطلاق حملة مقاطعة شعبية قد تُكبّد الشركات العالمية والأجنبية (الأوروبية أو الأميركية) خسائر فادحة ستزداد وتتضّح فعلياً عند استمرار هذه الحملة على الوتيرة نفسها وأكثر، وذلك وفق ما يُؤكّد خبراء اقتصاديون.

ولم يتوانى الكثير من أهالي المدينة عن التمسّك بهذه المبادرة التي لم تُطلقها وزارة معنية، ولم يُعلنها حزب أو تيّار سياسي محدّد، على الرّغم من نسب الكثير من التيّارات المحلّية سياسة “المقاومة” إلى عقيدتها ومضمون عملها، ولكن يُمكن التأكيد أنّ الأحداث الغزاوية كانت كشفت معطيات والكثير من الأسرار التي توضح أنّ المقاومة الحقيقية باتت تكمن (في جزءٍ منها) في مناصرة الشعوب العربية للشعب الفلسطينيّ بالشكل الذي يتوافق مع ظروفها التي تواجهها، لتكون المقاطعة هي الحلّ الأنسب الذي يُهدّد اقتصاد كلّ داعم ومناصر لسياسة العدو في فلسطين، إضافة إلى اعتماد دول أخرى أسلوب التظاهر كطريقة للتعبير عن رفضها لكلّ ما يحدث من مجازر وجرائم حرب علنية تُرتكب وسط صمت دوليّ.

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، لم تُطلق دعوات واضحة المعالم والتوجهات شمالاً لتنفيذ مقاطعة واسعة، لكنّها كانت مبادرة استجابت لها عائلات وأفراد عبر اتخاذهم قراراً شخصيّاً حثّهم على رفض كلّ ما يدعم الاحتلال، بالتزامن مع حملة عربية كانت مصر هي الأكثر التزاماً بها، وهي ناتجة عن تعاطف عربيّ وإنسانيّ مع أهالي قطاع غزة.

وفي جولة لموقع “لبنان الكبير” على بعض البقالات والسوبر ماركات في المدينة، أكّد صاحب سوبر ماركت معروف أنّ عدداً لا يُستهان به من المواطنين بات متأثراً بالأوضاع العسكرية القائمة في فلسطين، “فرفوف محلّاتنا تُشير إلى تراجع نسبة مبيعات شركات معيّنة، ولا ندرك ما إذا كانت ستنعكس هذه الحركة عليها بعد تراجع المئات عن شرائها مثلاً، لكن بالتأكيد إنّ الوضع ما قبل 7 تشرين الأوّل ليس كما بعده، وهذا لا يعني أبداً أنّ البعض لا يشتري منتجات يجب مقاطعتها، لكن تراجع لدينا نسبياً بيع النسكافيه والحليب التابعين لبعض الشركات، في وقتٍ لم تتراجع فيه كثيراً نسبة بيع المشروبات الغازية لأنّ الناس وكذلك المطاعم تحتاج إلى هذا النوع باستمرار، كما أنّ هذا النوع من المصانع التي حفظها الناس واعتادوها تُسيطر على السوق نوعاً ما، وقد يُؤدّي إيمان الناس بنتيجة المقاطعة إلى كسر هذه الهيبة”.

أمّا صاحب أحد البقالات الكبيرة في المدينة، فأشار الى أنّ الكثير من الطرابلسيين لجأوا إلى مشروب “جلول” الغازي الذي يُنتج ما يُشبه “بيبسي”، والتمر هندي وغيرها من المشروبات، حتّى في الفترة التي سبقت الحرب مع غلاء الأسعار”، معتبراً أنّ الحرب ربطتهم أكثر بهذه الشركة اللبنانية وغيرها، “فإذا رصدنا البرادات في محلّاتنا، سنجد أنّ زجاجات البيبسي، السفن آب وغيرها أو الكوكاكولا، مع مشروبات الشوكولا أو الستاربكس، وفي المقابل بعض أنواع التشيبس، النسكافيه، منتجات الشوكولا… كلّها لا تُباع بالشكل الذي سبق هذه المرحلة الدقيقة”.

ولفتت موظفة في أحد السوبر ماركات الى شعورها برغبة كبيرة لدى المواطنين في الالتزام بالمقاطعة، “لكن تحول محدودية المنتجات المحلّية وعدم ثقتهم بفاعليتها وجودتها دون ذلك أحياناً، لكنّ الكثير منهم يُحاول البدء بمرحلة جديدة في حياته إخلاصاً لدماء أطفال غزة ونسائها كما أخبرني بعض الزبائن، وخوفاً من عقاب الله لهم عند سؤالهم عن كلّ ليرة أين صرفت وكيف؟”.

المقاطعة التي تشمل مطاعم الوجبات السريعة أيضاً، كان قد استجاب لها الطرابلسيّون بصورة غير مسبوقة وغير متوقّعة، وفق ما أكّد أحد الموظفين في مطعمٍ عالميّ لـ “لبنان الكبير”، وقال: “منذ بداية الحرب، لم يدخل شخص إلى المطعم بسبب هذه المقاطعة التي كنّا معها ضمنياً، لذلك التزمت الشركة بتقديم نصف معاش لموظفيها كنتيجة هذه الصدمة المفاجئة، ولكن منذ بعض الوقت عاد الزبائن ولو بنسبة ضئيلة إلى مطاعمنا وفوجئنا بهذا الأمر الذي ردّه مدراؤنا إلى شعور الناس ربما بالملل، ما يشير إلى أنّ نيّة المقاطعة موجودة لكنّها تحتاج إلى تشجيع مع دفشة”.

وتلعب مواقع التواصل دوراً رئيساً في توعية الشماليين عن أهمّية المقاطعة وكيفيتها، بحيث يقوم متابعون بنشر صور تُشير إلى البضائع التي لا بدّ من مقاطعتها مع بديلها المحلّي، “وهو الأمر نفسه الذي نفذ في بلدان عربية مختلفة شجّعت صناعتها المحلّية، ما يؤدّي إلى تحقيقها مبالغ مهمّة نتيجة التهافت عليها من المؤمنين بالقضية والمقاطعة”، حسب ما يشير مصدر اقتصاديّ لـ “لبنان الكبير”، موضحاً أنّ حملة المقاطعة في لبنان تأتي بصورة جزئية “أيّ أنّها موجودة في بعض المحافظات وتغيب عن أخرى تعتبر أنّ هذه القضية لا تعنيها بشكلٍ أو بآخر، أمّا في المحافظات التي تؤمن بمعركة طوفان الأقصى، فتُحاول قدر المستطاع الالتزام بالمقاطعة، لكن لا يُمكن أن نعتبرها مؤثرة حتّى اللحظة، ففي وقتٍ يتمكّن فيه البعض من معرفة تفاصيلها، قد يغفل عنها آخرون مثل كبار السن والأطفال الذين لا يزالون يتعرّفون على القضية الفلسطينية وهم مرتبطون أساساً ببضائع ومنتجات عالمية كانوا اعتادوها، وبالتالي فإنّ المقاطعة التي تشمل بالتأكيد عدم التحدّث بمصطلحاتهم، عدم مشاهدة أفلامهم أو منصّاتهم ومشاريعهم الفنية والغذائية، لا يجب تعريفها ضمن مفهوم ضيّق أبداً بل واسع، عميق ومؤثّر حتّى حين لا يشعر الناس بذلك، وهذا لا يعني فشل المقاطعة شمالاً أو في أيّ مكان آخر، بل يعني أنّها تحتاج إلى مزيدٍ من الوقت كيّ يعتادها الناس أولاً، وليتمّ تقديرها بدقّة وحكمة ثانياً”.

شارك المقال