حكومة تصريف الأرواح!

رامي الريّس

ليست المشكلة في لبنان مشكلة دساتير أو قوانين، إنها مشكلة أخلاق وسلوكيّات قبل أي شيء آخر. أن تشهد البلاد يوميّاً انحداراً جديداً وخطيراً فيما يتابع القيمون على شؤون الحكم عملهم كالمعتاد، فهذه أزمة سلوكيّات وأخلاق. وأن يتوالى انقطاع المواد الغذائيّة والطبيّة والأدوية والمحروقات دون أن يتحرّك المعنيون فهذه أزمة أخلاق.

أين حكومة تصريف الأرواح التي حققت 98 بالمئة من بيانها الوزاري؟ في أي كوكب تعيش؟ وأين الوزراء الذين لا يقومون بالحد الأدنى من واجباتهم؟ هل تكفي ربطات العنق أو الفساتين الأنيقة ومواكب الأمن والمرافقين لكي يعتبر هؤلاء أنفسهم وزراء بالفعل؟ هل يملك أي منهم الجرأة للتنقل بين الناس في الشارع للاستماع إلى همومهم ومشاكلهم ومحاولة إيجاد الضمادات لجراحهم بانتظار تشكيل حكومة جديدة تملك القدرة على إطلاق الحلول النهائيّة؟

كيف يمكن لرئيس حكومة تصريف الأرواح أن يكتفي بالمشاركة في الاجتماعات شبه الدوريّة للمجلس الأعلى للدفاع الذي تحوّل انعقاده إلى عرف دون الاستناد إلى أي مسوّغ دستوري أو قانوني بما يشبه الحكومة المصغرّة التي تتخذ قرارات غالباً ما لا تنفذ خصوصاً تلك المتعلقة بوقف التهريب على المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة؟

كيف يمكن لرئيس الحكومة المستقيلة أن يستقيل من تصريف الأعمال ويجيّرها لسواه ويكتفي بعقد اجتماعات خجولة لا تقدّم ولا تؤخر على الصعيد العام. صحيحٌ أن حجم المأزق وعمقه أكبر من أن تعالجه حكومة مستقيلة، ويتطلب قرارات إصلاحيّة جذريّة تتخذها حكومة فاعلة تحظى بثقة الداخل والخارج؛ ولكن الصحيح أيضاً أن ثمة متابعة يوميّة يمكن للحكومة المستقيلة القيام بها كمداهمة المستودعات التي تخزّن الأدوية والمحطات وشركات توزيع المحروقات التي تخزّن المازوت والبنزين، وشركات استيراد المواد الغذائيّة التي تخفي عن المستهلك كل أنواع البضائع بانتظار ارتفاع الأسعار بشكل إضافي وتحقيق الأرباح الطائلة.

تستطيع الحكومة المستقيلة أن تحافظ على ما تبقى من هيبة الدولة من خلال كسر الاحتكارات والحد من جشع التجار الذين لا يشبعون مهما ابتلعوا من أموال الناس الذين يحتارون ماذا يفعلون في ظل تفاقم الأزمة بشكل غير مسبوق.

إقرأ أيضاً: “هرطقة” المجلس الأعلى للدفاع بديلاً من الحكومة

لا تنظروا إلى الناس في المطاعم والمسابح والحانات الليليّة الذين يرقصون فرحاً حتى إنبلاج الفجر. ولا تنظروا إلى بعض المغتربين الذين  لربما استفادوا من تدهور قيمة العملة الوطنية ليتمكنوا من المجيء إلى لبنان. انظروا إلى أولئك الذين ينزوون في منازلهم لعدم قدرتهم على شراء البنزين (إذا توفر ولم يتطلب الوقوف لساعات في خط الانتظار الطويل)، أو هؤلاء الذين يدورون على صيدليّات لبنان (التي صارت تفتح أيّاماً وتقفل أخرى) للحصول على علبة حليب لأطفالهم أو حبة دواء لأهلهم. إنظروا إلى الموظفين في القطاعين العام والخاص الذين تدهورت قيمة مداخيلهم ولم تعد تكفي قوتهم اليومي. إنظروا إلى المدارس والمؤسسات التربويّة والجامعات التي تنازع في سبيل البقاء وبعضها تفوق بعمرها عمر لبنان الكبير.

أنظروا إلى شقاء الأمهات وعذاباتهن، وأسى الأباء وإنكسارهم. إنظروا إلى خيبة أمل الشباب في وطن لم يقدّم لهم سوى التعاسة والمنافذ المغلقة. أنظروا إلى نشرات الأخبار (بمعزل عن المقدمات السفسطائيّة) التي تقدّم كل ليلة على شاشات التلفزة لتدركوا حجم المعاناة.

ألم نقل إنها أزمة أخلاق وسلوكيّات!

شارك المقال