الغزو البري لغزة (١) محدود وبطيء ومعقد

زياد سامي عيتاني

منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الماضي، نفذت إسرائيل أكبر عملية تعبئة في تاريخ الكيان، باستدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط، بحيث كانت تذهب التصريحات والتوقعات الرسمية والتحليلية إلى تنفيذ الجيش الاسرائيلي “عملية اجتياح بري شاملة” للقطاع. وقد مهدت قوات الاحتلال منذ ذلك التاريخ بالقصف التدميري المتواصل على مدار الساعة على القطاع، متذرعة بالقضاء على البنية التحتية لحركة “حماس”، بهدف القضاء عليها نهائياً، عندما تبدأ بالاجتياح البري لغزة. وكان قادة اسرائيل من سياسيين وعسكريين وفي مقدمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يزعمون أن القصف الجوي هدفه تدمير الأنفاق المحصنة لحركة “حماس”، تسهيلاً للعملية البرية، وتخفيفاً من الخسائر في صفوف الجنود الاسرائيليين.

نوضح في هذا السياق أن الجيش الاسرائيلي إعتمد لذلك على قنبلة “GBU-28″، والتي يصل وزنها إلى 2291 كيلوغراماً وهي مكونة من مادة تريتال (خليط من تي إن تي 80%، وبودرة الألمنيوم 20%)، بحيث يمكن لهذه القنبلة اختراق الخرسانة حتى مسافة 6 أمتار والوصول حتى عمق 30 متراً في الأراضي العادية. لكن هذه القنابل على الرغم من قدراتها التدميرية في الأعماق، لم تفلح في تحقيق الهدف بسبب تعقيد شبكة الأنفاق وضيق مساحتها، (بدليل أن المقاتلين لا يزالون يخرجون من فتحات في بيت لاهيا شمالًا والتي دمرت كلها تقريباً، وتمكن قوات الاحتلال من إحداث خرق بري). كما أن الجيش الاسرائيلي استخدم الذكاء الاصطناعي لرصد شبكة الأنفاق لكنه لم يتمكن أيضاً من ذلك بسبب الطبيعة غير المنتظمة للأنفاق. ولذلك، بدأت الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بقنابل “GBU-57″، مع 4 طائرات درون “MQ-9” فائقة القدرات في التقاط صور ما تحت الأرض.

وبالعودة إلى الاختراق البري للقطاع، فإن الواقائع الميدانية على أرض المعركة أكدت محدوديته الجغرافية، من دون أن يرتقي إلى “الغزو الشامل” الذي توعدت به إسرائيل. وقد نشر الجيش الاسرائيلي مقاطع فيديو قصيرة بالأبيض والأسود تظهر دبابات وجرافات مدرعة وجنود على الأقدام داخل غزة، لكن لم يكشف عن أعداد الجنود ووحداتهم وحجم المدفعية المشاركة، وإلى أي مدى توغلوا في غزة وأين هم الآن. ويقول محللون عسكريون في إسرائيل إن الجيش الاسرائيلي “يتحرك ببطء، وبحذر في القطاع، ويبحث عن أنفاق حماس لتدميرها، ويجهز ممرات للنشر السريع للدبابات والقوات في محيط مدينة غزة”.

وأوضح تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن النطاق المحدود للتوغل الاسرائيلي الأولي يعكس مزيجاً معقداً من العوامل، لكن قبل كل شيئ، أرادت إسرائيل تعظيم ميزة قوتها النارية على حركة “حماس” وتقليل خسائرها، مع محاولة تجنب جذب خصوم آخرين إلى الحرب. بدوره، أوضح العضو السابق في الاستخبارات الاسرائيلية، مايكل ميلشتين أن القوات الاسرائيلية تعمل في الوقت الحاضر، على أطراف غزة غالباً، وفي الحقول الزراعية والقرى المهجورة، وحول معبر إيريز شمالي القطاع. وفي السياق نفسه، يعرب المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الاسرائيلي يوئيل جوزانسكي عن اعتقاده أن نهج إسرائيل “الأبطأ والأكثر تدرجاً” قد يقوّض التوقعات بأنها ستدخل بقوة وبسرعة، كما فعلت في الحروب الأربع السابقة التي شنتها ضد “حماس”. ويعتبر جوزانسكي أن الجيش الاسرائيلي يسعى إلى هدفين: تحديد وإزالة الأجهزة المتفجرة، وأي عوائق أخرى طبيعية أو من صنع الإنسان أمام دخول أعداد أكبر من القوات، ومن ناحية أخرى إعطاء إسرائيل فرصة للتعرف على العدو.

بناءً على كل التعقيدات وعلى الرغم من القوة الضاربة الاسرائيلية، يرى المسؤولون الاسرائيليون أن القتال في غزة سيكون شديداً، إذ تدربت “حماس” على القتال في المناطق الحضرية وبنت شبكة ضخمة من الأنفاق، أطلق عليها اسم “مترو غزة”، تساعد على نقل المقاتلين والأسلحة من دون أن يتم كشفها، كما لدى الحركة ترسانة من الأسلحة المضادة للدبابات والمتفجرات.

يتبع

شارك المقال