كيف اخترقت قطر حواجز اسرائيل و”حماس” لاطلاق الرهائن؟

جورج حايك
جورج حايك

لم يكن سهلاً الدور الذي تلعبه قطر في مفاوضات إطلاق الرهائن بين اسرائيل وحركة “حماس”، وقد نجحت في ذلك، فوافقت الأولى على اخلاء سبيل 150 أسيراً فلسطينياً من سجونها، ووافقت الثانية على الافراج عن 50 رهينة اسرائيلية، وترافق ذلك مع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة ووقف إطلاق نار لمدة 4 أيام، تسعى قطر والولايات المتحدة الأميركية إلى تمديده.

لكن هذا الاتفاق الذي سلك طريقه إلى التنفيذ تطلب جهوداً مضنية من قطر التي لم يكن هذا إنجازها الأول على هذا الصعيد، ولن يكون الأخير حتماً. ويكشف اعلامي قطري مطلع على كواليس المفاوضات “أن الانجاز الذي حققته السلطات القطرية، سيفتح المجال أمام إنجازات أخرى على صعيد إطلاق المزيد من الرهائن حتى الانتهاء من الملف الذي يُعتبر أحد الأهداف الذي وضعته اسرائيل لإنهاء الحرب، قبل أن ننتقل إلى المرحلة الثانية، وهو التوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم وبعدها مفاوضات حول تسوية نهائية للنزاع الذي يعود إلى 75 عاماً”.

ويروي الاعلامي القطري أن جهود قطر بدأت منذ اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الفائت، فبادرت الولايات المتحدة إلى التواصل مع قطر لمناقشة كيفية تأمين إطلاق سراح أولئك الذين أسرتهم “حماس”، وأحيط الأمر بالسريّة، وأُنشئت خليّة صغيرة من المفاوضين القطريين والأميركيين كي يتواصلوا مع فريقي النزاع اسرائيل و”حماس”، وقد تألفت الخلية من منسّق مجلس الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط بريت ماكغورك، والمستشار القانوني لمجلس الأمن القومي جوشوا غيلتزر. وكان ماكغورك يتحدث كل يوم صباحاً مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، فيما كان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان، يتواصل يومياً مع السلطات الاسرائيلية، مع إطلاع الرئيس الأميركي جو بايدن على الأمر طوال الوقت. وتولى مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، التواصل مع مدير “الموساد” ديفيد بارنيا.

ويؤكد المرجع الإعلامي أن المفاوضات كادت أن تصل إلى نتيجة قبل 12 تشرين الأول، تاريخ بدء الغزو البري الاسرائيلي لقطاع غزة، إلا أن اسرائيل اعتبرت أداء “حماس” لا يكفي لوقف الهجوم بسبب عدم اعطائها أي دليل على وضع الرهائن والتفاصيل الضرورية المطلوبة منها، فيما طالبت “حماس” بوقف قصف غزة لتأمين الظروف المؤاتية لجمع المعلومات والتفاصيل المطلوبة عن الرهائن، إضافة إلى الافراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في سجون اسرائيل، إلا أن الأخيرة رفضت، وتعرقلت المفاوضات وبدأ الهجوم.

ويلفت الاعلامي القطري إلى أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مارس ضغوطاً كبيرة على “حماس” من أجل تسهيل العملية وجمع المعلومات على الرغم من ضراوة الحرب، إلا أن ضيق الوقت وإصرار اسرائيل على العمليات البرية، عطّلا المهمة.

استمرت قطر في المفاوضات وبقيت الوسيط الأساس بالتعاون مع مصر، وسرعان ما قدّمت “حماس” المعلومات التي طلبتها الولايات المتحدة واسرائيل. ونقلت قطر ذلك إلى الرئيس بايدن الذي سارع إلى التواصل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في 14 تشرين الثاني وحثه على قبول الصفقة، فوافق على المضي قدماً. واشترط بعض البنود، مطالباً الولايات المتحدة بأن يعمل القطريون للتفاهم مع “حماس” عليها.

ويضيف: “كان الوسطاء الأميركيون والقطريون يتبادلون مسودات أكثر قابلية لتنفيذ اتفاق تبادل الرهائن. تولى الأميركيون التفاوض مع الجانب الاسرائيلي وقطر مع حماس. ووصلت الأمور إلى خلاف حول عدد الأسرى الاسرائيليين والفلسطينيين الذين سيفرج عنهم، ومدة وقف إطلاق النار، وعندما بدأت تلوح بشائر الاتفاق على العدد والمدة، اقتحم الجيش الاسرائيلي مستشفى الشفاء، ما دفع حماس إلى وقف المفاوضات مع القطريين والمصريين”.

وبعد أخذ ورد وضغوط، وفق المرجع القطري، من واشنطن والدوحة والقاهرة تمّ الإتفاق على حل وسط: وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام، وثلاثة أسرى فلسطينيين لكل رهينة اسرائيلية. أمضى الديبلوماسي المحنّك ماكغورك الأيام القليلة التالية بعد اتصال بين بايدن والشيخ تميم للتوصل إلى النقاط الدقيقة في اتفاقية الرهائن.

وافق نتنياهو و”حماس” على الاتفاق، وتمّ التنفيذ في الأيام السابقة القليلة، ما أراح الفلسطينيين في غزة من جهنم الحرب.

لا شك في أن ديبلوماسية قطر أكدت تفوّقها في مجال مفاوضات إطلاق الرهائن، ويوضح المرجع القطري أن “عوامل عديدة تجعل من قطر الدولة الوحيدة القادرة على تحقيق هذه المهمات، فهي حلقة وصل رئيسة بين الغرب والتنظيمات المسلّحة، ولا يُخفى على أحد أنها تستضيف المكتب السياسي لحماس منذ العام 2012، وقد ساعدت الأموال القطريّة في تأمين رواتب الموظفين المدنيين لحماس في غزة، وقام والد الأمير الحالي حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة غزة عام 2012. وترتبط الدوحة بعلاقات جيدة مع إيران، وهي تشترك معها في حقل رئيس للغاز الطبيعي. ويجب أن لا ينسى أحد أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة وتعتبر مورداً رئيساً للطاقة للولايات المتحدة”.

ويشير إلى أن قطر لعبت دوراً أساسياً في المفاوضات الأميركية -الايرانية مؤخراً كي تُفرج الادارة الأميركية عن الأموال الايرانية بقيمة 6 مليارات دولار التي كانت مجمّدة في البنوك الكورية الجنوبية وإقناع إيران بالإفراج عن المواطنين الأميركيين الخمسة الذين كانت تحتجزهم في صفقة مبادلة معقّدة وحسّاسة للغاية.

ويشبّه المرجع الاعلامي الدور القطري بالدور التاريخي للديبلوماسية السويسرية لعقود من الزمن، ويفتخر بأن القطريين اليوم أصبحوا أكثر فائدة في المشهد الجيو- سياسي وخصوصاً على صعيد منطقة الشرق الأوسط، والسلطة في قطر تطرح نفسها محايدة، ما سيمكّنها من أن تكون ضرورة في أي تسوية في المنطقة نظراً إلى المستوى الديبلوماسي القوي الذي تتمتع به، ومن المتوقّع أن تساهم في التوصّل إلى حل للأزمة بين “حماس” واسرائيل بالتعاون مع شريكيها الولايات المتحدة ومصر. وسيكون لها دور في حلّ الأزمة اللبنانية وتحديداً انتخاب رئيس للجمهورية إنطلاقاً من الشراكة مع المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة.

واللافت أن رصيد قطر في مسألة التوسّط لحل مسائل الرهائن الشائكة بات كبيراً ومتراكماَ، وقد بدأت انجازاتها عندما ساعدت في تأمين إطلاق سراح الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011 بعد أن احتجزته “حماس” لأكثر من خمسة أعوام. وتمت مبادلة شاليط بأكثر من 1000 أسير فلسطيني تحتجزهم إسرائيل. كما لعبت دوراً في إطلاق سراح المعلم السويسري المختطف في اليمن عام 2013، وفي إطلاق الرهائن في مالي في العام نفسه.

وكانت قطر قد دعت حركة “طالبان” الى فتح مكتب في الدوحة بموافقة الولايات المتحدة، ما أتاح لها التوسّط في المفاوضات على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2021. وفي العام نفسه أيضاً، لعبت دوراً مهماً في تأمين العودة الآمنة للصحافي الأميركي داني فينستر من ميانمار. وفي تشرين الأول الفائت، ساعد المسؤولون القطريون في التفاوض على عودة العديد من الأطفال الأوكرانيين الذين اختطفتهم روسيا.

لكن إنجازات قطر في هذا المجال، لم تخلُ من الانتقادات، وقد أثار كتاب الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو الذي صدر عام 2019 بعنوان “أوراق المطر” جدلاً كبيراً، زاعماً أن قطر، استناداً إلى وثائق سرية، كانت تساعد بصورة غير مباشرة في تمويل الجماعات الاسلامية – بما في ذلك تلك المتورطة في احتجاز الرهائن – بينما كسبت امتنان الحكومات الأوروبية لفوزها بالافراج عنهم.

وكشف مالبرونو أن جزءاً من ديبلوماسيّة قطر أن تكون صديقة مع أي دولة أو تنظيم. وعلى الرغم من أن مسؤوليها يبشّرون بالمبادئ الانسانية والرغبة في الحد من الصراعات وتعزيز الاستقرار، فمن الواضح أنهم استخدموا طريقة تمويل التنظيمات المسلّحة المتطرفة لاكتساب النفوذ والبروز على الساحة الدولية ولعب دور الوسيط، وهو أداء يعتقدون أنه يعزز أمنهم في منطقة مضطربة. ويختم مالبرونو: “هذه هي اللعبة المزدوجة، المنطقة الرمادية”.

بصرف النظر عن الموضوع الجدلي الذي أثارة مالبرونو، عززت قطر حضورها الديبلوماسي الدولي والعربي، بحيث لم يعد ممكناً التخلي عن دورها لاطفاء الصراعات وتعزيز الاستقرار والسلام.

شارك المقال