“الطوفان الدولي” كشف “حكاية” إحتلال إسرائيل لفلسطين وجرائمها

عبدالرحمن قنديل

دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1977 الى الاحتفال في 29 تشرين الثاني من كل عام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وفي ذلك اليوم من العام 1947 اعتمدت الجمعية قرار تقسيم فلسطين الذي يحمل الرقم 181. وتشكل مناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فرصة إضافية للفلسطينيين ليثبتوا أمام العالم حقيقة أن القضية الفلسطينية لا تزال عالقة ولم تحل على الرغم من مرور عشرات السنين وصدور العديد من القرارات الدولية ذات الصلة، وأن الشعب الفلسطيني لم يحصل بعد على حقوقه غير القابلة للتصرف على الوجه الذي حددته الجمعية العامة، وحشد الإرادة السياسية والموارد العالمية للوصول إلى حق تقرير المصير أسوة ببقية شعوب الأرض، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وحق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أبعدوا عنها.

يُفتتح اليوم في 29 تشرين الثاني الجاري معرض بعنوان “فلسطين أرض وشعب” في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، وسيستمر حتى كانون الثاني المقبل، ويجسد احياء ذكرى النكبة الفلسطينية كحدث مؤلم وقع خلال الحرب العربية الاسرائيلية عام 1948، عندما تم طرد وتهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من منازلهم أو فروا منها ليصبحوا لاجئين، وهو بمثابة تذكير بأن ما يقرب من 6 ملايين فلسطيني ما زالوا لاجئين حتى يومنا هذا، وهم منتشرون في جميع أنحاء المنطقة، وتعرض مئات الآلاف منهم لتهجير قسري إضافي، وقُتل الآلاف، خلال حرب غزة وسط وضع وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ”الكارثة الانسانية”.

“طوفان الأقصى” لن يكون بعده كما قبله، هكذا قال عنه الكثيرون ولكن ما شهدناه من خلال التضامن العالمي الذي حظي به الشعب الفلسطيني من دول العالم أظهر تأييد الرأي العام الغربي الواسع للقضية الفلسطينية على مستوى العالم، إن كان على صعيد المواقف الدولية المناهضة لما تقوم به إسرائيل من إبادة بحق غزة وأهلها، أو من خلال المظاهرات الشعبية الواسعة المناهضة للعدوان الاسرائيلي وجرائمه بحق الفلسطينيين، فضلاً عن دور الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في كشف الحكاية التي لطالما سعت إسرائيل إلى طمسها لسنوات طويلة أمام العالم، وهي حكاية إحتلال إسرائيل لفلسطين وجرائمها بحق الفلسطينيين من سنة 1948 وصولاً الى “الطوفان” الذي بات يعتبر الهوية الكاشفة لجرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين أمام العالم.

خرجت مظاهرات واحتجاجات في العديد من دول العالم للتنديد بالحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وأبرز هذه المسيرات التضامنية كانت في لبنان والأردن و‌المغرب و‌تونس عربياً، و‌المملكة المتحدة و‌الولايات المتحدة و‌أستراليا وكندا وتركيا حيث كانت أكبرها. وأفاد موقع “أوريان 21” الفرنسي بأن “الحرية لفلسطين.. من النهر إلى البحر” بات شعاراً مركزياً للمظاهرات المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة وكندا، ففي نهاية كل أسبوع تعج مراكز مدن كبيرة في أميركا الشمالية بمؤيدي القضية الفلسطينية، وغالبيتهم من الشباب. وأشار الكاتب ألكسيس أوبين في مقال نشره الموقع الفرنسي إلى أن ما يقارب 25 ألف شخص تجمعوا في ساحة الفنون في قلب مونتريال، لترديد ذلك الشعار في مظاهرات من أجل تحرير فلسطين، وفي اليوم نفسه امتلأت شوارع تورونتو وواشنطن ونيويورك بالمتظاهرين، لتعج مراكز مدن عواصم أميركا في نهاية كل أسبوع بالتجمعات الداعمة للقضية الفلسطينية عبر المحيط الأطلسي، وبحضور هائل لشباب أميركا الشمالية بكل تنوعهم، ما يعني أن دعم فلسطين لم يعد يقتصر على الشباب ذوي الأصول العربية الواعين للقضية المتوارثة ثقافياً من جيل إلى جيل.

أما في فرنسا فسمح في الأيام الأولى من التصعيد الاسرائيلي بالمظاهرات المؤيدة لاسرائيل في مدينتي باريس وستراسبورغ، في حين حظرت مظاهرات التضامن مع فلسطين بصورة متكررة من السلطات المحلية في باريس وستراسبورغ وليون ومرسيليا بزعم أنها تشكل خطر الإخلال بالنظام العام. وبعد أن بدأت المظاهرات المؤيدة لفلسطين بالانتشار في جميع أنحاء البلاد، حظرت الحكومة الفرنسية بقرار مثل هذه المظاهرات، ولكن في اليوم نفسه نظمت مظاهرتان لدعم فلسطين في باريس، وتدخلت الشرطة بغاز الفلفل والمياه ضد المتظاهرين الذين كانوا يحملون الأعلام الفلسطينية ويضعون الكوفية حول أعناقهم، وفرضت غرامات على ما مجموعه 752 شخصاً.

لم يكن المشهد مختلفاً كثيراً في ألمانيا حيث منعت شرطة برلين مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين منذ 11 تشرين الأول الماضي، وعلى الرغم من الحظر تجمهرت مجموعة، بينها فلسطينيون، أمام بوابة براندنبورغ التاريخية وسط المدينة، مطالبة بوقف الحرب وفرض السلام. وفي بريطانيا تجمّع عشرات الآلاف أمام مقر هيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” لإظهار التضامن مع فلسطين، والاحتجاج على موقف الحكومة البريطانية الصامت تجاه حقوق الفلسطينيين.

أما في هولندا، فقد جرت مظاهرة مناصرة لفلسطين في العاصمة أمستردام، شارك فيها قرابة 15 ألف شخص ساروا باتجاه غرب المدينة. وفي سويسرا طوقت المظاهرات بإجراءات أمنية مشددة في العاصمة برن ومدينة جنيف ما أدى إلى دعوة وزارة الخارجية السويسرية على منصة “إكس”، إلى “الوقف الفوري للعنف وحماية المدنيين في غزة”.

ومن المواقف الأكثر أهمية الموقف الرسمي الاسباني تجاه القضية الفلسطينية بحيث طالبت وزيرة الحقوق الاجتماعية الاسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، الدول الأوروبية بقطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، واتخاذ عدة إجراءات عقابية بحقها بسبب قصفها المدنيين في غزة. ودعت إلى التحرك لوقف الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل. ولوّح رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز باتخاذ قرار فردي للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة إذا لم يقم الاتحاد الأوروبي بهذه الخطوة. وقطعت بلدية برشلونة العلاقات مع الحكومة الاسرائيلية إلى أن تستجيب لدعوة مجلسها إلى وقف نهائي لاطلاق النار في غزة.

على الرغم من كل المواقف الرسمية لدول العالم الداعمة بغالبيتها لاسرائيل، الا أن “الطوفان” فضح جرائمها منذ العام 1948 والتي باتت واضحة للرأي العام العالمي والدولي من دون زيادة أو نقصان، وكشف حقيقة أسطورتها الزائفة.

شارك المقال