الحرب بين اسرائيل و”الحزب” بين ON وOFF… وقلق دولي ومحلي!

جورج حايك
جورج حايك

ليس سراً أن جبهة الجنوب اللبناني بين اسرائيل و”حزب الله” ربطها الأمين العام للحزب حسن نصر الله بالحرب الدائرة في غزة بين اسرائيل و”حماس”، وبالتالي تبدو الهدنة المستمرة منذ أيام هشّة، وقد تسقط ما أن تنتهي عملية تبادل الرهائن والأسرى.

من المؤكّد أن الجهود الديبلوماسية التي تديرها الولايات المتحدة الأميركية وقطر ومصر أثمرت إنجازاً يقضي بهدنة لمدة زمنية معينة وتبادل الرهائن الاسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة المدمّر.

ومن البديهي أن تستمر الجهود الديبلوماسية لتمديد الهدنة، لكن لا تبدو أنها ستكون طويلة الأمد وخصوصاً مع حكومة الحرب الاسرائيلية الطامحة إلى تحقيق انتصار في الميدان، ومنع “حماس” من استغلال مسألة الهدنة لالتقاط أنفاسها وتنظيم صفوفها بعدما تعرضت بنيتها العسكرية إلى الاهتزاز، لذلك يتوقّع المراقبون المتخصصون في شؤون الحرب أن تعود اسرائيل إلى نشاطها العسكري في غزة، ويعود “حزب الله” مجدداً إلى توتير الجبهة الشمالية لاسرائيل بهدف الاستمرار في إشغال جيش العدو وتخفيف الضغط عن “حماس” في غزة.

وتحاول الادارة الأميركية الفصل بين جبهتي غزة والجنوب اللبناني في مساعي ناشطة مع قطر ومصر وفرنسا، ومن خلال لقاءات مع الايرانيين في عمان، إلا أن المهمة صعبة لأن الأمر شهد في الآونة الآخيرة تصعيداً تجاوز قواعد الاشتباك إلى عمقي الجنوب اللبناني والمستوطنات الاسرائيلية في الشمال، وبالتالي هناك جموح لدى الطرفين أي اسرائيل و”الحزب”، وهذا ما يثير القلق لدى لبنان الرسمي والقوى السياسية والشعبية. ويرى رئيس لقاء “سيدة الجبل” الدكتور فارس سعيد أن “قواعد الاشتباك تناقض الدستور ووثيقة الوفاق الوطني وقرارات الشرعية الدولية، وخصوصاً القرار 1701 الذي خرج عنه الحزب، علماً أن قواعد الاشتباك غير معترف بها لبنانياً، وأظن أنه اخترعها لتنظيم العلاقة بينه وبين اسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة”.

لكن يبدو أن القلق الدولي المتزايد من إمكان التصعيد مجدداً على الجبهة الجنوبية يأتي من معطيات متوافرة لدى قنوات ديبلوماسية بأن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته يريدون توسيع الضربات لـ”الحزب” من أجل إبعاد خطره عن المستوطنات الشمالية. وتنوي الحكومة الاسرائيلية توجيه ضربات نوعية كما حصل في الأيام الأخيرة عندما أدت الضربة الاسرائيلية إلى مقتل 5 عناصر من قادة “الحزب” بينهم نجل النائب محمد رعد، علماً أن معظم القتلى هم من فرقة “الرضوان” التي تعتبر من النخبة.

بل ان هناك معطيات أخطر من ذلك، تحذّر من عمل عسكري إسرائيلي في منطقة جنوب الليطاني قد يستهدف القرى والبلدات في حال توسّع الحرب لتهجير السكان ظناً من اسرائيل أنها تبعد “الحزب” عن الحدود وتقدّم هذا الأمر كإنجاز للرأي العام الاسرائيلي ولسكان الشمال تحديداً بأنها أعادت الأمن الى هذه المنطقة.

ويؤكد سعيد أن “أحداث غزة و7 تشرين الأول الفائت تدفع المجتمع الاسرائيلي وخصوصاً سكّان شمال اسرائيل إلى طرح أسئلة على حكومتهم: هل سنتعرّض إلى هجوم مماثل لعملية طوفان الأقصى من حزب الله مستقبلاً كما حصل في غلاف غزة؟ ومن يضمن لنا أمن هذه المنطقة؟ وأرى أن لدى اسرائيل خيارين لضمان أمن حدود المنطقة الشمالية: اما بالتفاهم مع إيران أو بالحرب معها، والمؤسف هو غياب الجمهورية اللبنانية والقوى السياسية اللبنانية، وتفرّد إيران بالتحكّم في قرار الحرب والسلم من خلال حزب الله والفصائل الفلسطينية في الميدان”.

لذلك بناء على ما تقدّم، قد تضغط اسرائيل بعد الهدنة المؤقتة على زر ON لمتابعة الحرب في غزة والجنوب اللبناني، بحثاً عن انتصار، وبالتالي لا يمكنها أن تقبل بإنجاز نسبي لـ”حماس” واستمرار تهديدات “الحزب” على حدودها الشمالية، وهناك من يعتبر أن اسرائيل لديها رغبة في الحرب ضد “الحزب” فيما الأخير ليست لديه مصلحة في توسّعها، ولا قرار من مرجعيته الايرانية بذلك، لذلك هناك من لا يستبعد أن يستخدم زر OFF في مرحلة معينة كي لا تستغل حكومة نتنياهو الحرب الدائرة في غزة لتحجّمه في لبنان، وقد يعيد في لحظة معينة الاعتبار الى القرار 1701.

إلا أن الدكتور سعيد يلفت إلى أن “الحزب” ليس بحاجة إلى كل ذلك، لأن مرجعيته الايرانية فرضت نفسها كمحاورة في المنطقة بعد 7 تشرين الأول الفائت، وتسعى إلى تحرير الأسرى، وقادرة على أن تضمن الحدود الشمالية لاسرائيل، وتدير ورقة “حماس” كما تريد. ويضيف: “لا شك في أن ايران نجحت في انتزاع مقعد لها على طاولة المفاوضات وإعادة ترتيب المنطقة، أما حماس وحزب الله فليسا سوى وقود تديرهما إيران والقرار ليس عندهما”.

بات هاجس الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عموماً وقف الحرب في غزة والجنوب اللبناني، وخصوصاً لعلمهما بالتخطيط الحربي لنتنياهو ومساعديه، حتى في الوقت الذي تسعى فيه كل من واشنطن وباريس والقاهرة والدوحة بالتنسيق مع ايران، إلى تمديد الهدنة، لا تخفي تصريحات المسؤولين الاسرائيليين رغبتهم في متابعة العملية العسكرية، فور الانتهاء من مسألة الرهائن لأنها ورقة ضاغطة على نتنياهو في الداخل الاسرائيلي.

وعلى الرغم من أن المخاوف من عمل عسكري اسرائيلي كبير في الجنوب اللبناني تراجعت في الوقت الحالي لأن نتنياهو فهم الفكرة، إلا أن عواصم القرار باتت مدركة أن كل شيء يتعلق بغزة، والخوف أن تؤدي التكتيكات الاسرائيلية القاسية إذا عادت الى الهجوم البري المتوقع ضد “حماس” في غزة، إلى دفع “الحزب” إلى التصعيد، مع احتمال رد فعل إسرائيلي مبالغ فيه على الهجمات الصاروخية.

لذلك ينشط كل من الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على خط تل أبيب – بيروت من جهة، والموفد الفرنسي جان ايف لودريان الذي وصل أمس إلى بيروت من جهة أخرى، والهدف، وفق سعيد، ايصال رسائل عبر الحكومة اللبنانية إلى “حزب الله”، لأن مركز القرار في الضاحية الجنوبية.

في المحصلة، تكرّس لبنان ورقة في يد إيران التي تستخدم الدم العربي من أجل تحسين ظروف مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وتكرّس هدفاً عسكرياً لنتنياهو الذي يريد انتصاراً ليبقى في السلطة.

شارك المقال