٣ سنوات سجن “قدح وذم”… الهيئة الناظمة للاعلام بين الاستقلالية والطائفية

راما الجراح

منذ عشر سنوات وحتى اليوم لا يزال مشروع قانون الاعلام في لبنان يعرض للمناقشة بين لجنة وأخرى، ومن دورة نيابية إلى أخرى، ولم يتم التوصل إلى صيغة جديدة في القانون الموضوع أمام لجنة الادارة والعدل النيابية منذ ثلاث سنوات في محاولة لتعديل عدة نقاط تنظم عمل وسائل الاعلام. وبحسب “تحالف حرية الرأي والتعبير في لبنان” المؤلف من ١٥ منظمة، فإن لجنة الادارة والعدل على وشك اختتام مناقشاتها لقانون جديد للاعلام، فإذا أقرّته الهيئة العامة لمجلس النواب في صيغته الحالية، سيهدد حرية التعبير.

يؤيّد القانون العقوبات الجزائية، بحسب ما جاء في المسودة الأخيرة للاقتراح التي راجعها التحالف، وفي بعض الحالات يزيد من عقوبات السجن والغرامات على القدح والذم، بحيث يمكن أن يؤدي القدح والذم والتحقير بحق الرئيس اللبناني أو رئيس أجنبي إلى السجن بين ستة أشهر وسنتين و/أو غرامة تتراوح بين 10 إلى 20 ضعف الحد الأدنى للأجور، في رفعٍ لعقوبة الحد الأدنى للسجن التي يحدّدها قانون المطبوعات الحالي بشهرَيْن، بالاضافة إلى أن القانون يبقي على عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات بتهمة تحقير لاحدى الديانات المعترف بها في لبنان أو ما كان من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو تعكير السلامة العامة أو تعريض سلامة الدولة أو سيادتها أو وحدتها أو حدودها أو علاقة لبنان الخارجية للمخاطر.

كما يُقيّد اقتراح القانون حقوق الصحافيين والعاملين في وسائل الاعلام في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها بحرية، لأنه ينصّ على وجوب وجود نقابة صحافية واحدة. علاوة على ذلك، يعوق اقتراح القانون وصول الشعب إلى المعلومات المهمة من خلال حظر نشر محاضر الجلسات الحكومية، وقرارات اللجان البرلمانية، والتحقيقات التي تجريها إدارة التفتيش المركزي والتفتيش الاداري. كما يفرض رسوماً باهظة ومتطلّبات ترخيص مرهقة على وسائل الاعلام.

في ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٣ بتت لجنة الادارة والعدل في تشكيل مجلس إدارة الهيئة الناظمة للاعلام وكيفية ترشح أعضائها وتعيينهم، كما مدة ولاية هذا المجلس. وبحسب معلومات خاصة لموقع “لبنان الكبير”، تتم مناقشة أمور الهيئة الناظمة للاعلام على أن تضم ١٠ أعضاء من إعلاميين، مهندسين تقنين، وممثلين لتلفزيونات وغيرها، ولكن حتى اللحظة لم يحدد أسماء مرشحين نظراً الى العراقيل من اللجنة على التعديلات التي يتم اقتراحها من تحالف حرية الرأي والتعبير في لبنان. فبعد مناقشته في لجنة الادارة والعدل، تذهب إلى الهيئة العامة للتصويت عليه، وبعدها يتم انتخاب أعضاء ورئيس”.

وأكد عضو لجنة الاتصالات والاعلام النائب ياسين ياسين عبر “لبنان الكبير” أن “لدينا ١٠ نقاط مقترحة لتعديل عدة مواد على القانون قدمناها إلى لجنة الادارة والعدل على أن يتم الاستماع اليها، وأنا حاضر دائماً عند مناقشة القانون في الجلسات داخل اللجنة. ونحن مع إلغاء عقوبة السجن، وأن يُنظر الى قضايا الصحافيين أمام محكمة المطبوعات، والتعديلات التي طرحناها تتعلق بالتي طلبتها اليونسكو. وبند الهيئة الناظمة شددنا عليه وهو من النقاط الأهم التي نطالب بتعديلها، ودورها مراقبة الاعلام عموماً، والنقطة الثانية التراخيص والثالثة التجريم”.

المستشار القانوني في مؤسسة “مهارات” المحامي طوني مخايل اعتبر أن “الاشكالية الأساسية اليوم وجود الكثير من الهيئات الناظمة التي تشكلت في القوانين اللبنانية ولكن الدولة تحاول عدم إعطائها صلاحيات كاملة لتكون مستقلة وتستطيع أخذ القرارات اللازمة. والاشكالية الثانية في آلية التعيين، بحيث يتم العمل عليها بين مجلس النواب ومجلس الوزراء، وعملياً تكون معقدة وتخضع للظروف السياسية، لذلك الهاجس الأساس هو أن يكون اختيار أعضاء الهيئة محصوراً بجهة واحدة هي المجلس النيابي تضم ترشيحات منوعين بين صحافيين من مواقع اخبارية، إعلاميين من الاذاعة والتلفزيون، وأعضاء لديهم خلفية حقوقية وقانونية، وحتى أشخاص في مجال الانتاج، وعليه تضم كل الشرائح التي تعنى في مجال الاعلام”.

وبالنسبة الى المرشحين، قال مخايل عبر “لبنان الكبير”: “المجلس النيابي لا يملك الآلية لفرز كل الأشخاص المرشحين، وهناك اقتراح أن يكون هناك بعض الجمعيات، المؤسسات، النقابات، وغيرها على أن يختار المجلس النيابي من هؤلاء المرشحين، المهم أن يكونوا مستقلين وغير تابعين لأي جهة سياسية. أما دور هذه الهيئة فهو كل شيء يخص مصلحة الاعلام وقوانينه، ولكن نحن نطالب بأن لا تكون لديها وصاية على الصحف والمواقع الالكترونية، وهي تملك سجلات لوسائل الاعلام ومن يملكها، وإدارتها، على أن يقوم كل موقع مثلاً بالتصريح عند الهيئة عن اسم الموقع وصاحبه وليس ترخيصاً، وهذا الاجراء للشفافية فقط، بمعنى أنه لا تعود هناك تراخيص للمواقع الالكترونية والصحف، وصلاحية الهيئة الأساسية في الاعلام الاذاعي والتلفزيوني، فهي أعطت تراخيص ولا تكون ضمن تراخيص سياسية، مبنية على رؤية ودراسة للامكانات”.

أضاف: “يجب أن يكون هناك مجلس صحافي تابع للهيئة، ويتم تعيينه منها، له علاقة بالأخلاقيات المهنية والصحافية، ويعطي توصيات في هذا المجال. أما بالنسبة الى النقابات فلا شك يكون هناك تعاون بين الهيئة والنقابات بصورة عادية في أمور عدة لفتح دورات وإقامة ندوات، ولكن ليس لها سلطة عليهم”.

وأشار الى أن “الهيئة الناظمة هي من ضمن قانون الاعلام الذي يجب أن يُطرح على مجلس النواب ويتم التصويت عليه بكل أبوابه، وبعد الموافقة وانتخاب المرشحين، ينتخب رئيس الهيئة من الأعضاء. وللأسف في دولتنا يريدون إقامة هيئة ناظمة للإعلام تتدخل في كل شيء، وأعضاؤها محسوبون على الطوائف والأحزاب، ويمكنها منع أمور كثيرة، وفرض عقوبات على الصحافيين”.

وعن مشروع القانون عموماً، أكد مخايل أن “عقوبة الحبس لا تتناسب مع القدح والذم، وليست مناسبة حسب المعايير الدولية لهذا النوع من تجاوز حرية التعبير، ونحن نرفضها بصورة كاملة. ففي عالم السوشيال ميديا التعبير عن الرأي مكثف وشامل ولا يمكن ملاحقة الجميع ووضعهم في السجون. اليوم نحن نطالب بتعديل قانون الاعلام في ما يخص ملاحقة الاعلاميين وأن لا تشمل عقوبة الحبس، بالاضافة اذا كانت هناك عقوبة فيجب أن يكون هناك تعويض مالي للمتضرر، وحتى يستطيع الحصول عليه يجب أن يثبت أن هذا الصحافي استقصد الاساءة اليه والتشهير به”.

ولفت إلى أن “خطاب الكراهية الذي يدعو إلى العنف والتمييز تجاه جماعات محددة يمكن أن تفرض عليه عقوبات جزائية، وأساساً هناك بعض النصوص في القانون اللبناني تعاقب عليه، ولكن في مقترحاتنا حاولنا عدم توسيع الخيارات في العقوبات حتى لا يتم قمع حرية الرأي والتعبير، والتعرض لناشطين أو صحافيين”.

شارك المقال