احتدام المعارك في غزة قبيل التصويت على مشروع قرار لوقف النار

لبنان الكبير

تدور معارك عنيفة اليوم الجمعة داخل أكبر مُدن قطاع غزة وفي محيطها، بعد شهرين على هجوم حركة “حماس” ضد إسرائيل واندلاع حرب تحصد أعداداً متزايدة من القتلى، فيما يصوّت مجلس الأمن الدولي في مسعى استثنائي على مشروع قرار لوقف إطلاق النار.

وبعدما ركز الجيش الاسرائيلي هجومه البري ضد “حماس” في مرحلة أولى في شمال غزة، وسع عملياته هذا الأسبوع إلى جنوب القطاع حيث يحتشد زهاء مليوني مدني باتوا محاصرين في بقعة تضيق مساحتها تدريجياً.

وبإسناد جوي وبحري، وصلت دبابات وجرافات إسرائيلية إلى خان يونس الخميس ودار قتال في هذه المدينة الأكبر في جنوب القطاع، كما اشتبك مقاتلو “حماس” مع الجيش الاسرائيلي شمالاً في مدينة غزة ومنطقة جباليا المجاورة.

وأكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء أن قواته “تحاصر منزل (يحيى) السنوار” في خان يونس، متعهّداً أنّها “مسألة وقت فقط حتى نجده”. وتتهم إسرائيل السنوار (61 عاماً)، زعيم “حماس” في قطاع غزة الذي قضى 23 عاماً في السجون الاسرائيلية، بأنه العقل المدبر لعملية “طوفان الأقصى”، التي تعد الأسوأ في تاريخ الدولة العبرية. وقُتل 91 عسكرياً إسرائيلياً في المعارك في غزة، بينهم الخميس نجل غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش السابق وعضو مجلس الوزراء الحربي، وفقاً لآخر حصيلة نشرها الجيش.

وفي قطاع غزة الصغير والمحاصر، قتل 17177 شخصاً، نحو 70% منهم من النساء والأطفال دون 18 عاماً، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة التابعة لـ “حماس” الخميس.

وفي دير البلح وسط قطاع غزة حيث يحتدم القتال، يستمر تدفّق الجرحى إلى المستشفيات، بينهم العديد من الأطفال. وقالت ريمة منسي وهي من سكان غزة، لوكالة “فرانس برس” إنها فقدت “كلّ الأشخاص الذين أحببناهم، كلّهم”.

وفي شمال مدينة خان يونس، هزّت عمليات القصف التي نفّذها الجيش الاسرائيلي حي الكتيبة، وأعلن اليوم الجمعة أنه “ضرب 450 هدفاً” في غزة في عمليات برية وجوية وبحرية، ما أسفر عن مقتل “العديد من الارهابيين”.

ومساء الخميس، بثّت قنوات إسرائيلية مقاطع تظهر عشرات المعتقلين الفلسطينيين بملابس داخلية ومعصوبي العيون تحت حراسة جنود إسرائيليين في قطاع غزة، ما أثار جدلاً حاداً على شبكات التواصل الاجتماعي. وقال الجيش الاسرائيلي إنه “يحقق” من أجل “التأكد ممن له بينهم صلة بحماس ومَن ليس كذلك”.

وقُتل الشاعر الفلسطيني رفعت العرعير، أحد قادة جيل من الكتاب الغزاويين الشباب الذين راهنوا على الكتابة بالانكليزية لإخبار قصصهم، ليل الخميس – الجمعة في غارة إسرائيلية شمال قطاع غزة، وفق مقربين منه.

ضرورة حماية المدنيين
وشدد الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصال مع رئيس الوزراء الاسرائيلي الخميس على “الحاجة الماسة” الى حماية المدنيين مع احتدام القتال، داعياً إلى إنشاء ممرات إنسانية “لفصل السكان المدنيين عن حماس”. وتقدم الولايات المتحدة دعماً حازماً لاسرائيل منذ هجوم “حماس”، لكنها تبدي قلقاً متزايداً إزاء الخسائر في صفوف المدنيين في غزة.
في هذه الأثناء، بدأت إسرائيل الاحتفال مساء الخميس بعيد الأنوار اليهودي. وشاركت عائلات رهائن وأقارب لهم في وقفة في تل أبيب أضاؤوا خلالها الشموع تكريماً لمن لا يزالون محتجزين لدى “حماس”. وتفيد إسرائيل بأن 138 رهينة اقتيدوا إلى قطاع غزة في يوم الهجوم لا يزالون محتجزين بعد الإفراج خلال الهدنة عن 105 رهائن من بينهم 80 إسرائيلياً، مقابل إطلاق الدولة العبرية سراح 240 معتقلاً فلسطينياً من سجونها.
وأوقد نتنياهو شمعة عند حائط المبكى لمناسبة هذا العيد لإحياء ذكرى ما يعتبر اليهود أنه أحد الانتصارات العظيمة في تاريخهم. وقال: “في ذلك الزمان حرر المكابيون الهيكل وطهّروه وأعادوا السيادة والاستقلال اليهوديَّين… واليوم نحن، مكابيي عصرنا، نحارب قوى الشر التي جاءت لمحو الشعب اليهودي ودولته من على وجه الأرض”.
وحاولت مجموعة من القوميين اليهود الخميس التوجّه إلى باب العمود، إحدى نقاط الوصول إلى الحي المسيحي والاسلامي، قبل أن تعيدهم الشرطة الاسرائيلية.

“أصعب شهرين”
يحاول الآلاف الفرار من القتال للتوجه نحو رفح على الحدود المصرية، المكان الوحيد الذي لا تزال توزع فيه مساعدات إنسانية ولو بكميات محدودة.
وقال عبد الله أبو دقة: “منذ شهرين ننتقل من مكان إلى آخر (…) نحن متعبون جداً”، متحدثاً عن “أصعب شهرين” في حياته.
ووصل أحمد حجاج إلى رفح من مخيم الشاطئ في الشمال، وتحدث عن الوضع الذي يواصل التدهور قائلاً: “ليست لدينا الضروريات الأساسية، والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولا حل سياسياً في الأفق”.
ومساء الخميس، “دخلت 69 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية و61 ألف لتر من الوقود إلى غزة من مصر”، وهو رقم أقل بكثير ممّا كان عليه خلال الهدنة التي نُفّذت بين 24 و30 تشرين الثاني، حسبما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (أوتشا).
ووفق الأمم المتحدة، نزح 1,9 مليون شخص أي نحو 85% من السكان عن منازلهم في غزة بسبب الحرب التي دمرت أو ألحقت أضراراً بأكثر من نصف المنازل.
وفي مواجهة “وضع كارثي في قطاع غزة”، يبتّ مجلس الأمن الدولي اليوم الجمعة في دعوة إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري” في قطاع غزة، في عملية تصويت غير محسومة النتائج في ظل أوضاع ديبلوماسية مشحونة.
وتأتي عملية التصويت بعدما وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة الأربعاء إلى مجلس الأمن استخدم فيها صراحة المادة 99 من ميثاق المنظمة الأممية التي تتيح له “لفت انتباه” المجلس إلى ملف “يمكن أن يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر”، في أول تفعيل لهذه المادة منذ عقود.
ومنذ بداية الحرب، تمكّن مجلس الأمن من تبنّي قرار واحد يدعو إلى “هدنات وممرّات إنسانية” في غزة، وليس إلى “وقف إطلاق نار” تعارضه الولايات المتحدة.

من غزة إلى بيروت
وخارج قطاع غزة، تستمر أعمال العنف أيضاً في الضفة الغربية المحتلة، حيث قتلت القوات الاسرائيلية ستة فلسطينيين خلال عملية توغل في مخيّم الفارعة للاجئين الجمعة، حسبما أفادت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية.
كذلك، توغّل الجيش الاسرائيلي مساء الخميس في شوارع مدينة رام الله، حيث ردّ الفلسطينيون برشق مدرّعاته بالحجارة، وأطلق عدد من الجنود قنابل يدوية في محاولة لتفريقهم. كما قامت القوات الاسرائيلية بتفتيش المحال التجارية.
ومنذ بدء الحرب، قُتل 264 فلسطينياً على الأقل بنيران الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة، على ما تفيد وزارة الصحة الفلسطينية.
وتثير الحرب مخاوف من تحول النزاع حرباً إقليمية. ومنذ اندلاع الحرب في غزة تشهد المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل تبادلاً يومياً للقصف بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلي، باستثناء هدنة الأيام السبعة في حرب غزة.
وقتل الخميس مدني إسرائيلي بصاروخ أطلق من لبنان في اتجاه شمال إسرائيل وفق ما أعلن الجيش والاسعاف الاسرائيليان. وليلاً أفاد الجيش الاسرائيلي بإصابة جنديين بجروح طفيفة جراء نيران صاروخية مضادة للدبابات، معلناً شنّ غارات ضد مواقع لـ “حزب الله”.
ووجه نتانياهو تحذيراً جديداً الى “حزب الله” قائلاً: “أقترح على أعدائنا أن يكونوا حذرين لأن حزب الله إذا اختار بدء حرب شاملة فسيحول بسببه بيروت وجنوب لبنان، غير بعيد من هنا، إلى غزة وخان يونس”.

شارك المقال