“ثقافة الحياة” و”ثقافة الموت”… مصطلحات شد العصب والاستقطاب

محمد شمس الدين

منذ أن تدخل “حزب الله” في سوريا ونعى العديد من عناصره في المعارك الدائرة فيها، بالتزامن مع خطابات تعبوية عن الشهادة والجهاد، بدأ مفهوم “ثقافة الموت” ينتشر لدى معارضيه، لوصم الحزب ومؤيديه، بل استخدم أيضاً لوصم كل من يدور في فلك “المقاومة”. وقد استعمل سياسيون وناشطون فكرة “ثقافة الحياة” ضد “ثقافة الموت” لترد الأحزاب المقاومة بوصف الخصوم بـ “ثقافة الذل” مقابل “ثقافة الكرامة” التي تعتبر نفسها تتمتع بها. ومنذ بدء الحرب على غزة قبل نحو 3 أشهر، أعيد الزخم لهذه المصطلحات، وبدأت الحروب الالكترونية بين الفريقين “الممانع” و”السيادي”.

لو اقتصر ذلك على الناشطين، لكان أمراً سهلاً، ولكن المشكلة أن القيادات الحزبية تستعمل المصطلحات نفسها، وقد أطل رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل في مقابلة تلفزيونية، أول من أمس، تطرق فيها مجدداً إلى “ثقافة الحياة” مقابل “ثقافة الموت”، واعتبر أن الحل الذي يطرحه يحمي جمهور “حزب الله” في الدرجة الأولى لأن “بدنا ياهن يعيشو ويفكرو بالحياة مش دايما يفكرو بالموت”. تصريح الجميل أعاد الجدل في الرأي العام اللبناني حول مصطلح “ثقافة الموت”، ما يدعو الى التساؤل هل لبنان فعلياً بين ثقافة حب الحياة مقابل حب الموت؟

المشكلة أن الحياة كما يحاول توصيفها الفريق المعادي لـ “حزب الله”، تختلف عند جمهور الحزب وبيئته، فقد تكون الحياة عند الشيخ سامي سهرة في مار مخايل والحصول على الشهادة من الـ AUB والسفر إلى باريس، أما عند بيئة الحزب، فالموضوع مختلف، الحياة بنظرهم قريبة من عقيدتهم الدينية، ولكن هذا لا يعني أنهم لا “يعيشون”، فإن كانت السهرة على كأس في مار مخايل هي حياة لابن الأشرفية، فإن سهرة في أحد مقاهي حارة حريك مع نرجيلة وكوب شاي هي حياة لابن الضاحية الجنوبية، وإذا كان السفر إلى باريس وخوض مغامرة في سحرها هي حياة بالنسبة الى ابن المتن، فإن زيارة العراق ومراقد الأئمة هي حياة بالنسبة الى ابن الجنوب.

هذه المقارنات لا تعني أن ابن الأشرفية لن تجده على البحر يشرب فنجان قهوة، ولا معناه أن إبن الضاحية لا يسافر الى ايطاليا لقضاء العطلة، إنما هي للاضاءة على أن فكرة “ثقافة الحياة” مختلفة لدى كل مجتمع، بل قد تختلف من فرد الى آخر، فالبعض يرى أن الحياة هي في التسلية، والبعض الآخر يراها في العمل الدؤوب، ومنهم قد يراها في العائلة، وآخر قد يراها في الانعزال…الخ.

“الحياة” هي نظرة شخصية لا قاعدة ثابتة، فلا يمكن لأحد أن يفرض مفهومه للحياة على آخر، ولا يمكن أن تكون نظرة شخصين الى الحياة واحدة، وإن وجدت قواسم مشتركة.

أما من جهة العلم، فلا يمكن لا لسامي الجميل ولا لأحد مناقشة موضوع العلم، إلا إذا كان الزمن متوقفاً عنده في ستينيات القرن الماضي، ففي كل لبنان، وليس في بيئة “حزب الله” فقط، درجة العلم متقدمة جداً، وإن تعرضت لبعض الاهتزاز في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية، وقد ذاع صيت الجامعات اللبنانية في العالم، وتجد مغتربين يلمع اسمهم في مساهمات وانجازات حول العالم، وهم منتمون الى مختلف التوجهات والأطياف اللبنانية، ولا علاقة بين التحصيل العلمي والانتماء السياسي أو العقائدي، فهل كان الألمان جهلة في فترة النازية؟ على الرغم من كل الفظائع اشتهرت ألمانيا في تلك الفترة بالتقدم العلمي، وبالأبحاث والاختراعات التي أثرت على التقدم التكنولوجي للعالم كله، حتى أن الدول سعت بعد انتهاء الحرب الى جذب العلماء الألمان بسبب تقدمهم في العلم، وبالتالي إذا كان أحد يرى أن أيديولوجيته أفضل من أيديولوجية أخرى فلا يمكنه اتهامها بعلمها.

الحقيقة أن المصطلح اخترع كوسيلة من وسائل التعبئة السياسية والاستقطاب الحزبي، فلا يمكن لأحزاب كـ “القوات” و”الكتائب” وغيرهما مواجهة فكرة أن بيئة “المقاومة” مستعدة للموت من أجل قضيتها إلا بتسويق فكرة أن هذه البيئة تحب الموت وتحتفي به، علماً أن مبدأ “الاستشهاد” يحتفى به في كل الأديان والثقافات، ولكن بحكم السياسة يجب أن يتم ضربه الآن.

الأمر ليس مختلفاً في الجهة الأخرى، بالنسبة الى بيئة “حزب الله” وبيئة المقاومة عموماً، فهي ترفض أفكاراً كـ “الديبلوماسية” و”الشرعية الدولية” على الأقل من خصومها في الداخل اللبناني، وتصفهم بأنهم خانعون يريدون إضعاف لبنان وتسيطر عليهم دول خارجية ينفذون أجنداتها، لا سيما أميركا “الشيطان الأكبر” على الرغم من أن هذا الحديث ليس من قيادات الأحزاب المقاومة، إلا أنه منتشر لدى الجمهور بصورة كبيرة.

الأجدى بالسياسين ايجاد أفكار لحل الأزمات التي تعصف بالبلد، بدل حقن الجماهير وتأليبها على بعضها البعض، لاسيما أن لبنان اليوم في ظل “شبه حرب”، وهذا ليس وقت الانقسامات وحرب المصطلحات، والمناكفات المعتادة، بل هو وقت الاتصال والتواصل، إن كان عن كيفية تجنب وقوع الحرب، أو لمعالجة تداعياتها في حال وقعت.

شارك المقال