ماذا يجري في كواليس المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل؟

جورج حايك
جورج حايك

لا تتوقّف حركة الموفدين الديبلوماسيين الغربيين من مستويات رفيعة إلى لبنان، وهذا ليس بالأمر العادي، إنما محاولة لإبقاء الوضع في جنوب لبنان مضبوطاً وعدم الإنزلاق إلى حرب واسعة، وجاءت زيارتا وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا في الأيام الفائتة في هذا الاطار، لكن مفاتيح المفاوضات الرئيسة لا تزال في يد الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، مدعوماً بحركة فرنسية وبريطانية وحتى قطرية.

منذ أيام قليلة، لفتت زيارة هوكشتاين إلى اسرائيل أنظار المراقبين، وعلى الرغم من عدم توجهه إلى لبنان، إلا أن أجواء تفاؤلية نسبية نتجت عن هذه الزيارة في ما يتعلق بحلّ ديبلوماسي محتمل للجبهة الجنوبية اللبنانية.

وتوافرت معطيات من مصادر مقرّبة من هوكشتاين بأن الاقتراح الذي تمّ التوصّل اليه بوساطة أميركية يتضمن ثلاث مراحل: أولاً، اتفاق يتضمن انسحاب “حزب الله” 8 إلى 10 كيلومترات من المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل. ثانياً، زيادة انتشار قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني في المنطقة. ثالثاً، عودة السكّان الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم في شمال إسرائيل وجنوب لبنان. وسيتضمن الاطار أيضاً محادثات حول ترسيم الحدود البرية الفعلية بين إسرائيل ولبنان والحوافز المحتملة التي ستقدّمها الولايات المتحدة للبنان من أجل الموافقة على الاتفاق.

في المقابل، لم تتخلَ اسرائيل عن لهجة التهديدات وهي تلوّح بعصا العملية العسكرية الكبيرة ضد “الحزب” إذا لم ينسحب بالوسائل الديبلوماسية، تطبيقاً للقرار الدولي 1701. إلا أن ما يُطمئن هو احتمال كبير للتوصل إلى هدنة طويلة للحرب في غزة ما سيمتد حتماً إلى الجبهة الجنوبية اللبنانية، ويسمح بمفاوضات هادئة بعيدة عن التشنّج والتوتّر، على الرغم من أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أعطى الضوء الأخضر للبدء بمعركة رفح!

أما موقف “الحزب” من كل هذه التطورات فلا يزال مبهماً بل غير واضح وخصوصاً حول مسألة تطبيق القرار 1701، بل يشترط علناً وقف اطلاق النار في غزة ثم التفاوض حول تسوية نهائية تشمل تطبيق هذا القرار من الجانبين اللبناني والاسرائيلي.

لكن الغموض لا يقتصر على “الحزب” وحسب، بل يتعلق بالموقف الاسرائيلي أيضاً برأي الرئيس السابق للمركز اللبناني للمعلومات وعضو الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” الدكتور جوزف جبيلي الموجود في الولايات المتحدة الأميركية حالياً، ويقول: “ماذا تطلب اسرائيل من ضمانات لتطبيق القرار 1701؟ علماً أن القرار نال موافقة كل الفرقاء أي مجلس الأمن والحكومة اللبنانية والحزب واسرائيل عام 2006، مع ذلك لم يُطبّق، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، هل تقبل اسرائيل بالمعادلة نفسها من دون ضمانات؟”.

ما توافر من معطيات لجبيلي أن ما توصّل اليه هوكشتاين مع المسؤولين الاسرائيليين لا يعتبر صعب التنفيذ، ألا وهو انسحاب جزئي لـ”حزب الله” من الجنوب، يعني مسافة تتراوح بين 6 و10 كيلومترات وقد لا تصل إلى شمال الليطاني، وأقل بكثير مما يطلبه المجتمع الدولي والفريق السيادي اللبناني.

والمعلومات تشير إلى أن “الحزب” لا يزال على موقفه الذي أبلغه إلى هوكشتاين في الزيارة الأخيرة بواسطة المسؤولين اللبنانيين أي الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي والياس بو صعب، وكان الجواب أن “الحزب” يقبل تفاوض لبنان حول مسألة الحدود البرية والكلام عن تطبيق القرار 1701 شرط وقف الحرب في غزة.

لكن التداول عن قرب الاتفاق على هدنة طويلة نسبياً في غزة خلط الأوراق وقد يسمح بتوفير أجواء جيدة للتفاوض مع “الحزب” لتطبيق القرار 1701، ويرى جبيلي أن هناك تفاؤلاً أميركياً حول قرب التوصّل إلى اتفاق ما حول الحدود بين لبنان واسرائيل، إلا أن الأخيرة لم تعلن موافقتها بعد على الهدنة.

وربما فتح معركة رفح قد يحول دون البدء بالهدنة قريباً نظراً إلى ما قد تُخطط له الحكومة الاسرائيلية لحسم المعركة في غزة. ويلفت الدكتور جبيلي إلى أن علينا أيضاً إنتظار اتضاح الموقف الايراني الذي قد يكشف أسباب غموض موقف “الحزب”، الذي من الصعب أن يلتزم بأي انسحاب تطبيقاً للقرار 1701 من دون موافقة إيران. فهناك تناقض في الموقف الايراني الذي يبدي مرونة في المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين بأنه يريد الهدوء والتوصّل إلى اتفاق ثم يحرّض أذرعه العسكرية كالحوثيين و”حزب الله” العراقي وغيرهم لضرب القواعد العسكرية الأميركية.

ويؤكد جبيلي أن الادارة الأميركية الحالية تريد التوصّل إلى تفاهم مع إيران، لكنها تواجه معارضة قوية من الكونغرس وخصوصاً من الجمهوريين وبعض الديموقراطيين الذي يفضّلون التعامل بخشونة مع إيران وتوجيه ضربة عسكرية مباشرة اليها.

من الواضح أن إيران تنتظر ثمناً من الأميركيين مقابل تسهيل تطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان، لكن الولايات المتحدة تتعامل معها بمبدأ العصا والجزرة، وفق جبيلي، فالعصا أن اسرائيل مستعدة للهجوم على الجنوب ولا نعرف كم أن إيران و”الحزب” مستعدان لتحمّل وزر هذا الهجوم. أما الجزرة فهي استعداد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لاعطاء إيران و”الحزب” مكافأة، ليس معروفاً إذا كانت مزيداً من الحصص في الداخل السياسي اللبناني، إلا أن رئيسي حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” سمير جعجع وسامي الجميل وكل قوى المعارضة أعلنوا بصورة واضحة أنهم لن يقبلوا بأي جزرة على حساب السيادة أو رئاسة الجمهورية، والرسالة وصلت إلى الأميركيين.

يعترف جبيلي بأن ما يحصل الآن من مفاوضات ديبلوماسية بقيادة هوكشتاين هو الفرصة الآخيرة لأن اسرائيل لن تقبل بأن تعود إلى ما قبل 7 تشرين الأول 2023 بحيث يكون “حزب الله” موجوداً على حدودها سواء من خلال فرقة “الرضوان” أو تحت ستار منظمة “أخضر بلا حدود”. ولا ينكر أن “الحزب” مضغوط وغير مرتاح، صحيح أنه يسوّق بأنه قوي والديبلوماسيين الدوليين يفاوضونه، إلا أنه يتخبط في الغموض والتردد، لأن الثمن سيكون خسارته لمبرر وجود سلاحه إذا انسحب من الحدود الجنوبية، وبالتالي سيكون محرجاً أمام القوى السياسية المحلية التي ستطرح إشكالية وظيفة سلاحه.

لا شك في أن ما يُطرح اليوم هو أن يحلّ الجيش اللبناني و”اليونيفيل” مكان “الحزب”، إلا أن الوضع سابقاً كان مشابهاً، وما حصل أن “الحزب” أعاد انتشاره تدريجياً مهمّشاً الجيش و”اليونيفيل”. ويعتبر جبيلي أن اسرائيل لا تكفيها هذه الضمانات، إلا أن هوكشتاين لم يكشف مضمون الشروط التي تطلبها، وما يروّج له بأن الأميركيين سينتشرون هناك غير صحيح بتاتاً، وربما تطالب اسرائيل برقابة مباشرة، وهذا الشرط قد “يخربط” الاتفاق، علماً أن هناك حلولاً مطروحة تقضي بنشر مراقبين أميركيين لا جنوداً حتماً. ولا شيء مستبعد بأن تكتفي اسرائيل برقابتها بالوسائل التكنولوجية المتطورة التي تملكها وقد ظهرت فاعليتها خلال الحرب الدائرة اليوم.

شارك المقال