من غزة إلى بيروت: هل ينطلق قطار التسوية؟

عاصم عبد الرحمن

طغى العدوان الصهيوني على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول 2023 على ما عداه من أحداث حول العالم، لا بل إنَّ كل ما يدور من نقاشات في الأروقة الديبلوماسية وغرف صناعة القرار محوره عملية “طوفان الأقصى” ووقف إطلاق النار وتبعات الحرب التي طالت مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والأبرز العدلية التي تمثلت في اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني. ملفاتٌ ملتهبة إذاً انعكست على المنطقة ككل، فما هو الموقف السعودي من أي تسوية مرتقبة؟

إنها الحرب الأطول التي تواجهها إسرائيل منذ إعلان كيانها الغاصب في 14 أيار 1948 وأعمقها خسارةً على الصعيد الاقتصادي والعسكري والنفسي لا سيما المجتمعي، إذ إن انقساماً حاداً وغير مسبوق يشهده المجتمع الاسرائيلي سواء بين الطغمة الحاكمة والمواطنين وبين السياسيين أنفسهم والأخطر بين القادة العسكريين والسياسيين من حاليين وسابقين، كذلك بين أهالي القتلى والأسرى الذين تضاربت مصالحهم في الرغبة بمتابعة الحرب والانتقام لأبنائهم وتالياً العمل على صفقة تعيد أسراهم أحياءً إلى عائلاتهم، وهو ما يفسر جنون الاحتلال الاسرائيلي العسكري تجاه الشعب الفلسطيني الذي تمكَّن من نزع ثوب الحمل الديموقراطي الذي ترتديه إسرائيل، فخسرت معظم الرأي العام العالمي الذي بات ينظر إليها كمجرمة حرب ومرتكبة لإبادة شعب وقاتلةٍ للأطفال ومغتصبةٍ للأرض وهو ما يصرخ به المتظاهرون في معظم أرجاء آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا.

مع دخول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين شهرها الخامس وتفاقم مفاعيلها من البحر الأحمر مروراً بالعراق وصولاً إلى جنوب لبنان، يبدو أن الإقليم يقترب من تسوية سياسية تنطلق من فلسطين حيث يجري التفاوض حول إطار اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى وإطلاق مسار ورشة عمل إنسانية وتالياً سياسية، لتشمل تباعاً كلاً من العراق وسوريا واليمن ولبنان ما يعني أن التهدئة في المنطقة هي عنوان التسوية المرتقبة ترجمتها الولايات المتحدة بالرد المسرحي الركيك على مقتل جنودها في الأردن.

نفوذٌ سياسي متوازن إذاً، يبدو أن خرائطه قد رُسمت، ففي سوريا التي ستبقى موحدة وإن تمَّ الاتفاق على منح إدارة ذاتية لبعض المناطق لكن تحت سقف الدولة المركزية ستكون روسيا هي الراعي الوحيد مع الاحتفاظ باحترام الوجود الإيراني على أن تبقى تركيا راضية شمالاً وكردياً. في اليمن والذي سيبقى موحداً أيضاً شمالاً وجنوباً سينعكس التقارب السعودي – الإيراني على شكل النظام السياسي وصيغة الحكم المرتقب بين الشرعية والحوثيين. في العراق انسحاب عسكري أميركي بموازاة البحث عن صيغة قانونية لتواجد سياسي تحفظ للعراق سيادته بالتوافق مع الايرانيين الذين يتفاوضون نووياً في سلطنة عمان على متن سفن البحر الأحمر.

وإذا كان البحث جارياً على قدمٍ أميركية وساقٍ أوروبية حول مستقبل فلسطين وشكل الحكم فيها بصورة منفصمة سياسياً عن الواقع الميداني الذي تخطه “كتائب القسام” والشعب الفلسطيني بدمائه، فيبدو أن الغموض أو الضياع سيد الموقف الدولي تجاه الصراع العربي – الاسرائيلي إذ إنَّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدرس خيارات وملامح دولة فلسطينية محتملة وبالتالي الاعتراف بها. وفي خضم هذه الأحداث المشتعلة والمتنقلة من ميدان إلى آخر لعل الجنوب اللبناني أحد أبرز هذه الميادين الذي يأمل “حزب الله” من خلاله أن يكتب منفرداً الصفحة اللبنانية في كتاب التسوية المرتقبة خصوصاً بالنظر إلى قرب إعلان انتصار “حماس”، ليقطف الحزب لاحقاً وكما يعتقد ثمار فوز المحور، وهو ما بات واضحاً من خلال رضوخ رئيس وزراء العدو الاسرائيلي لمناقشة شروط الحركة ما يعني ضمناً إعلان فشله في القضاء عليها وعدم تمكنه من تحرير أسراه عسكرياً.

من المؤكد أنَّ أي تسوية في المنطقة العربية والإسلامية لا يمكن لها أن تنجح ما لم تسلك الطريق السعودي لما للمملكة من تأثير سياسي وديبلوماسي واقتصادي. وما هو معلوم اهتمام السعودية بملفات بعض الدول وفق أولويات متدرجة أبرزها لبنان واليمن وسوريا حيث يدور صراع سعودي – إيراني على مناطق النفوذ.

في هذا السياق يتحدث مصدر سياسي التقى جهات ديبلوماسية عربية لـ “لبنان الكبير” عن أن المملكة العربية السعودية تلقت عرضاً أميركياً قوامه تزكية مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية يدور في فلكها بالاضافة إلى تعويم خياراتها في مستقبل النظام اليمني دستورياً وسياسياً وعسكرياً وذلك في مقابل الاعلان عن إطلاق مسار تطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل بمعزل عن مآلات عدوانها على غزة وحتى قُبَيْل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

ويضيف المصدر لـ “لبنان الكبير” إن المملكة أعلنت رفضها المطلق للعرض المذكور، معتبرةً أن الرئيس اللبناني هو شأن يخص اللبنانيين وحدهم كما شددت على عدم تسميتها لأحد من خلال اللجنة الدولية الخماسية، وبالنسبة الى مستقبل اليمن فإنه سيسلك طريقاً سياسياً تسووياً عاجلاً أم آجلاً. وعليه جزمت السعودية بأنَّها لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل ما لم ينل الشعب الفلسطيني كامل حقوقه السياسية وإقامة دولته المستقلة على حدود الـ1967 عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما أكدته من خلال بيان الخارجية الذي اعتبر رداً صارماً على العرض الأميركي رافضةً الإملاءات الخارجية من أي جهة أتت.

لا شك في أن المنطقة على موعد مع تسوية شاملة ينتظرها العرب يؤمل منها أن تشكل مدخلاً لترميم الجراح التي يلهبها الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ليبدأ على الأثر علاج الإقليم برمته ومنه لبنان الذي يدور في فلك المحاولات الأميركية – الإسرائيلية لترسيم حدوده البرية وإبعاد “حزب الله” عن الحدود الشمالية لاسرائيل تنفيذاً للقرار 1701. فهل ينطلق قطار التسوية من غزة وتقوم المنطقة العربية من بين الأموات؟

شارك المقال