استقبلوه بـ “قوس النصر” و”القهوة العربية”… رفيق الحريري في ذاكرة البقاعيين

راما الجراح

زمن رفيق الحريري، هو الزمن الذي كان ينبض فيه قلب لبنان. رجل كرّس حياته لإنجاح مشروعه من أجل لبنان، فعمل لإنماء الاقتصاد، وإعادة الاعمار، وإنقاذ أجيال المستقبل، ومستقبل لبنان المالي. كان عابراً للطوائف على الرغم من زعامته السنية الخاصة بطائفته، وحريصاً على العيش المشترك.

كان قريباً من الناس، ويعمل من أجلهم ليل نهار، ويستضيفهم في كل الأوقات، لم يكلّ ولم يملّ حتى الرمق الأخير، وكانت للبقاعيين في قلبه مكانة خاصة، يزور المنطقة ويزورونه في قريطم بصورة دائمة. وبعد تسعة عشر عاماً على إغتيال رجل الوطن أمام فندق “السان جورج” في ١٤ شباط ٢٠٠٥، يستذكر أهالي البقاع بعض المحطات التي رسخت في ذاكرتهم عند زيارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى المنطقة.

كانت علاقة الرئيس الشهيد والمرحوم الحاج قاسم جراح من بلدة المرج – البقاع الغربي وطيدة جداً، علاقة صداقة وأخوة عميقة، وكانت هناك زيارات بيننا، ومواضيع اجتماعية وإنسانية وحتى سياسية كنا نتناقش فيها مع الرئيس الحريري، بحسب رئيس بلدية المرج السابق سمير جراح، نجل الحاج قاسم.

ويقول: “كنا نزوره بصورة دائمة، وفي آخر زيارة له إلى البقاع لافتتاح مباراة في ستاد جمال عبد الناصر في بلدة الخيارة – البقاع الغربي زارنا في منزلنا، وكان في انتظاره المئات أمام المنزل وفي الطرق لاستقباله، جاؤوا من دون دعوة لمجرد علمهم بالزيارة. هتف الناس بإسمه في الشوارع، مشوا وراءه، ورفعوا صوره واللافتات، وأتذكر منها: رفيق الحريري… أمل متجدد ومسيرة مستمرة”.

ويستذكر جراح: “كان يستجيب لكل الطلبات والمساعدات التي كان تُقدّم له من أهالي البقاع، لم يرفض يوماً أي طلب، كان كريماً جداً لم أرَ مثله طوال حياتي. وسياسياً كان ديبلوماسياً وصابراً على كل الهموم والمشكلات التي كانت سببها الأطراف السياسية المعارضة له”. والحاج قاسم جراح كان ينقل له من البقاع العديد من المشكلات إن كان في البنى التحتية، أو التربية، وكان حريصاً جداً على إنماء القرى السنيّة، وفي صدد تحضير مشاريع كبيرة للبقاع وأهله، ولكن للأسف اغتالته يد الغدر قبل أن يُنهي مشاريعه التي خطط ونظّم لها.

الحاج عبدالاله زين الدين من بلدة المرج وصف المشهد في احدى زيارات الرئيس الحريري، قائلاً: “عندما علمنا بزيارته إلى البقاع عام ١٩٩٩، نصبنا قوس النصر لاستقباله، وحشود كبيرة كانت في إنتظاره من كل أنحاء البقاع. رفيق الحريري بالنسبة الينا كان الرجل الوحيد الذي يمكن أن نستند اليه، وأن نشكو همومنا له، كان الأذن التي تسمعنا دائماً، ولم نشاهده إلا بوجهٍ ضحوك لو مهما كثرت عليه الهموم”.

“دخل إلى منزلنا بعد إصرارنا عليه، وتعرف الينا بصورة سريعة، ولمسنا من كلامه مدى محبته للبقاع وأهله، والتقطنا معه الكثير من الصور، وتذوق عندنا القهوة العربية، وشهد لنا أن مذاقها المُر لم يسبق له أن تذوقه من قبل، ولضيق وقته اضطر إلى المغادرة سريعاً وإكمال زيارته إلى ستاد جمال عبد الناصر”، بحسب الحاج زين الدين، الذي أكد أن “رفيق الحريري كان زعيماً بكل ما للكلمة من معنى، يستمع الى مشكلاتنا، وهو المنقذ الوحيد لطائفتنا، وللأسف لم يستطيع إكمال مشروعه من أجل لبنان، وكلنا أمل بالرئيس سعد الحريري أن يعود زعيماً للبنان والطائفة السنية، ويقف في وجه كل فاسد، ويُخرجنا من هذه الأزمة بعد غياب دام سنتين لم نرَ فيهما أي بصيص أمل”.

لم يصل الرئيس الشهيد في زيارته إلى منطقة جب جنين في البقاع بسبب الوضع الأمني والوجود السوري في المنطقة، بحسب نائب المفوض العام لكشاف تيار “المستقبل” أحمد عجرم الذي كانت له عدة زيارات إلى قريطم مع فعاليات المنطقة، ينقلون من خلالها هموم البقاعيين ومشكلات المنطقة إلى الرئيس الحريري، من المدارس والزراعة والمصانع، وكان موجوداً في الحكومة في تلك الفترة، وحاول بكل إمكاناته المساعدة خصوصاً في الشق التربوي، وحاول جاهداً إنماء الاقتصاد الزراعي، ولكن للأسف لم يستطع إعادة فتح معمل السكر الذي كان شريان حياة للبقاع ومصدر عيش لمئات العائلات لعدة أسباب أهمها الفساد في هذا الملف فكان أشبه بـ”مغارة علي بابا”.

وأشار عجرم إلى أن “الرئيس الشهيد كان يستقبل كل الناس حتى من دون أي موعد مسبق، وهناك عدد كبير من المزارعين وأصحاب المصالح وعموم الناس يطرقون بابه ويستقبلهم على الرغم من انشغالاته ويقدم لهم الخدمات في كل المجالات منها صيانة طرق، مساعدة مزارعين، مساعدات إنسانية لا تعد ولا تحصى، حتى أنه كان من أهم الداعمين للشباب في الرياضة، عدا عن خدماته في الشق التربوي والتي كانت أساساً بالنسبة اليه، وفي كل قرية في البقاع تقريباً هناك عشرات الخريجين الذين أكملوا دراستهم بفضله”.

شارك المقال