نبض بيروت

د. نسب مرعب
د. نسب مرعب

فعلاً هي المدينة، مهد المشروع في ذروة تبلوره. المدينة التي يمتد عبق تاريخها عبر الجذور، ويتجلّى في القمّة، وتتوهّج فيها قوة شخصيات تتماهى مع الإنطلاق والمبادرة والتحدّي والإنجاز.

على الصعيد الشخصي، أنتمي إلى قرية، ولكن برغم الطبيعة الريفية التي يتغزّل بها الشعراء، أعترف أنني وجدت نفسي في المدينة. المدينة هي القلم، والكتاب، والجامعة، هي الأمس الأصيل، والحاضر الحيوي، والمستقبل الواعد. المدينة هي القرار، والفعل، والحقيقة.

لكن تمّ إلباس مدننا العربية حزاماً ناسفاً من أحقاد الأعداء. مدننا العربية تشتعل، تتعذّب، تُقتل كل يوم مئات المرات، لكنها تعود للحياة والإنتفاضة والتجدد المرير الصعب، إنّما الواثب دوماً نحو الأمام والمجد. تتّقد مدننا في دمعة طفل لا تجفّ، وتلمع في خصلة امرأة يائسة ولكن بكبرياء، وتنمو مع حبيبات العرق التي تضخّها جباه الرجال الحالمين في وضح النهار بشرف الشهادة دفاعاً عن أسوار المدن التي أحبوها وعاشت فيهم بقدر ما عاشوا فيها.

أمّا مدينتنا الحبيبة بيروت فيفوق جمال زواياها أعظم ساحات عواصم العالم وروائعه الصاخبة. كم سررت وإن بقلب منكسر على أوجاع مدننا العربية الغالية، أجرؤ أن أقول إرتسمت إبتسامة عميقة على وجهي عندما شاهدت مدينتي بيروت، وقد تقاطر إليها أبناؤها ومريدوها من كل المناطق للاحتفال بها، لدفن مكر الاغتيال، ولوأد الجريمة عبر الإصرار على إحياء الحلم، وجعل الذكرى الأليمة محطة للمستقبل الزاهر، كما أراد الرئيس الشهيد لبيروته أن تكون قبلة المدائن. هي ساعات من الوفاء، من الأمل في قلب المدينة، في وسطها حيث تلتقي الصحافة بالشهادة، وخصوصاً حيث يرفرف الطموح من دون كلل في كل الأجواء.

المدينة هاجس العظماء، وركيزة القادة، وعصب السياسة… والأهم المدينة هي الثقافة، والفكر، وحضن المتمسكين أبداً بالوطن.

شارك المقال