هل سجّلت “القوات” هدفاً في مرمى “الحزب” وبري؟

جورج حايك
جورج حايك

ما يحصل في الملف الرئاسي اللبناني ليس مباراة رياضية ولا تسليماً بمبدأ المنافسة الديموقراطية ولا روحاً رياضية من الأساس، لكن “القوات اللبنانية” منذ بدء المهلة الدستورية لإتمام هذا الاستحقاق تتصرّف بمسؤولية وجديّة، بعيداً عن تسجيل النقاط، وفقاً لثوابتها السيادية وانسجاماً مع فريق المعارضة ككل. وقد جاءت مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني” النيابية، بعد ركود هذا الملف طوال فترة معيّنة، لتحرّكه، إنطلاقاً من نقطتين: الأولى جلسة تشاور واحدة في المجلس النيابي​، والثانية الذّهاب إلى جلسة واحدة مفتوحة بدورات متعدّدة حتّى انتخاب رئيس. وهذا ما وافق عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في البداية، وحاولت كتلة “الاعتدال” استمزاج الكتل النيابية “الممانعة” و”المعارضة” فيه. لكن سرعان ما انقلب بري على ما وافق عليه، وتبيّن كما توقّع البعض أن الشيطان يكمن في تفاصيل “الممانعة”، فماذا حصل فعلياً؟

لم يكن وارداً لنواب كتلة “الاعتدال” إطلاق هذه المبادرة لو لم يأخذوا الضوء الأخضر من بري الذي وعدهم بالدعوة إلى التشاور والتعهّد بعدم تطيير النصاب إذا نجحوا في تأمين 86 نائباً وترك جلسات إنتخاب مفتوحة لاختيار رئيس للجمهورية، إلا أنه كان يعلم أن “حزب الله” لن يوافق على هذه المبادرة، مراهناً على أن كتلة “الاعتدال” ستصل إلى حائط مسدود نتيجة رفض المعارضة عموماً و”القوات” خصوصاً لها.

لكن في الواقع، سارت الأمور على نحو مختلف وليس كما يشتهيه بري، فتجاوبت أكثرية قوى المعارضة مع المبادرة ورحّب رئيس “القوات” سمير جعجع بها، من دون أيّ تحفّظ. وترى مصادر مقرّبة من “القوات” أن “التغيّرات في لهجة بري بدأت هنا وراح يبحث عن عراقيل لإطاحة المبادرة، وقد ظهر ذلك أمس (الأول) في مقابلة معاونه السياسي النائب علي حسن خليل التلفزيونية، عائداً إلى نغمة الحوار التقليدي الفولكلوري أي دعوة تُوجّه إلى رؤساء الكتل الموجودة في المجلس النيابي ويتفق عليها مسبقاً وليس تَداعياً ولقاءات في مجلس النواب، وهذا كان النسف الأول للمبادرة. أما النسف الثاني فتمثّل في كلام بري عن جلسات انتخابية متتالية مشترطاً التوافق الذي يوفِّر نصاب الثلثين، فيما نصّت مبادرة الاعتدال على جلسة مفتوحة بدورات متتالية، لأن الجلسات المتتالية هي نسخة طبق الأصل عن الجلسات التي عقدت وعُطِّل نصابها”.

وتعتبر المصادر “أن الرئيس بري تعهّد بأنّ كتلته لن تخرج من الجلسة المفتوحة بدورات متتالية، وخصوصاً أنّ عدم توافر نصاب الـ86 ناتج عن خروج كتلة التنمية والتحرير وغيرها من الكتل الحليفة للحزب من قاعة المجلس النيابي، وبالتالي لا يجوز لرئيس المجلس أن يطلب توافر النصاب الذي تعطّله كتلته، كلّ ذلك كي يتمّ فرض المرشح الواحد الحليف للثنائي سليمان فرنجية”.

وتسخر المصادر المقرّبة من “القوات” من كلام خليل الذي رفض الجلسة المفتوحة مؤكداً أنها تعطّل عمل المجلس، و”لكن عن أي عمل مجلسي يتكلّم طالما أن هناك من يرفض التشريع في ظل الشغور وتحوّل البرلمان إلى هيئة انتخابية؟ والأهم أن الجلسة المفتوحة بدورات متتالية تعني أن الدورات تتواصل يوميّاً حتى انتخاب الرئيس وليس على المنوال الحالي بجلسات رفع عتب تعطِّل الممانعة نصاب دورتها الثانية”.

ما فعله بري وخليل هو تجويف للمبادرة قبل أن تلتقي كتلة “الاعتدال” رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الاثنين المقبل، وبالتالي سهّلا المهمة لـ”الحزب” وخففا الاحراج عنه. وتؤكّد المصادر “أن طبخة الرئاسة لم تنضج لدى الحزب بعد، وهو لا يزال متمسكاً بمعادلة فرنجية أو الشغور، منتظراً أن يرضخ خصومه، أو ترضخ الكتل الوسطيّة فينتخب مرشّحه، وإذا لم يحصل ذلك، فسيعمد إلى مقايضة المجتمع الدولي برضوخه لتطبيق القرار 1701 مقابل الرئاسة، وهذا ما فاوض فيه الموفدين الديبلوماسيين، بأنه يريد رئيساً مثل فرنجية يثق به ليطبّق القرار 1701”.

وتلفت المصادر المقربة من “القوات” إلى “أن الحزب ليس مضطراً الى القبول بأي خيار ثالث طالما أن الحرب لم تنته، مراهناً على الوقت ومقتنعاً بأن لا أحد يستطيع انتخاب رئيس من دون الثنائي الشيعي، من هنا يمكن فهم كلام بري وتمييعه للمبادرة، وهذا ما سيفعله النائب رعد أيضاً”.

من جهتها، لا تبغي “القوات” تسجيل النقاط على الفريق الآخر، وتشدد المصادر على “أن موافقتها على المبادرة جاءت على نحو بديهي وتلقائي لأنها تنطبق مع قناعاتها، لكن بلا أدنى شك لقد كشفت مبادرة الاعتدال أمام اللجنة الخماسية والرأي العام اللبناني بأن الممانعة هي الفريق المعطّل وتتحمّل مسؤولية الشغور الرئاسي عبر معارضتها للخيار الثالث، بل ترفض الاحتكام الى الآلية الدستورية”.

وأهمية مبادرة كتلة “الاعتدال” أنها جاءت من خارج الاصطفافات الممانعة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، إلا أنها تكلّمت بأدبيات المعارضة التي تريد رئيساً فعلياً للجمهورية، ينسجم مع تطلعات اللبنانيين، لا رئيساً ناطقاً بإسم “حزب الله”. وقد تأكّد لمجموعة الدول الخمس، المؤكّد عن الكتل المعطّلة، وقد أعرب بعض السفراء عن أن المرحلة المقبلة قد تشهد عقوبات على كلّ من يعطّل الانتخابات الرئاسية في لبنان!

شارك المقال