وامسيلماه!

عاصم عبد الرحمن

إنَّ ظهور تنظيمات ذات إيديولوجيات تغييرية وأفكار إنقلابية في السياسة والاقتصاد والمجتمع، أدَّى إلى نمو النشاطات العنفية والإرهابية حتى تخطت حدودها الوطنية إلى حدود العالم فأصبحنا أمام ما عُرف بالإرهاب الدولي الذي شغل الشعوب والحكومات على السواء، وتسللت مصطلحات الإرهاب والتشدد والمنظمات المسلحة إلى الأدبيات السياسية التي يتناولها سياسيو العالم في خطاباتهم اليومية وحواراتهم الاعلامية وفي إدارة علاقاتهم الدولية، كما شكلت عناصر أساسية في صناعة سياسات الدول خصوصاً بعد أن تمكنت الأذرع الإرهابية من الوصول إلى أكثر الأماكن جرأةً في العالم هي برجا التجارة العالميان في الولايات المتحدة ما عُرفت لاحقاً بـ “أحداث 11 أيلول 2001”.

صحيح أنَّ 11 أيلول شكلت محطة فاصلة في التاريخ السياسي الحديث خصوصاً على صعيد الشرق الأوسط الذي بُشرنا بتجديده، طالت مختلف القطاعات العسكرية والأمنية والمالية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها حول العالم، ولكن مهلاً، هل عثرنا على الحقيقة الكاملة لتلك الأحداث؟ وهل امتلك منفذوها كل تلك القدرات الهائلة لاختراق إحدى أكثر المناطق تأثيراً حول العالم؟ ألم تصنع الولايات المتحدة تنظيم “القاعدة” لمحاربة الروس في أفغانستان؟

شنت الولايات المتحدة الأميركية حرباً شنيعة ضد العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل استبقت ذلك القرار بدعم تعيين المصري محمد البرادعي مديراً عاماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1997 كي يتقبل العرب كذبة وجود أسلحة ممنوعة في العراق بلسان مسؤول عربي.

واجه العراقيون ومنظمات مدعومة من إيران التحالف الدولي الذي قاده الأميركيون في حرب العراق ليتبين لاحقاً أن اتفاقاً قد عُقد بين الأميركيين والايرانيين لاحتلال العراق وإلقائه في الحضن الإيراني وتغيير النظام السياسي ودعم وتظهير الحكم الشيعي عقب إطاحة نظام صدام حسين.

دهس الأميركيون بدباباتهم مختلف مفاهيم حقوق الإنسان والحريات العامة، هي نفسها الحقوق والحريات التي يدافعون عنها ويشنون الحروب تحت شعاراتها ضاربين بالقوانين الدولية ذات الصلة عرض الحائط.

إندلع ما اصطلح على تسميته بـ “الربيع العربي” ذات صباح ليهب الرئيس الأميركي باراك أوباما مساءً مطالباً رؤساء الدول الثائرة بالرحيل عن السلطة نازعاً عنهم شرعية حكم بلدانهم لا بل طلبت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون فيما بعد قتل الزعيم الليبي معمر القذافي لطي ملفات فضائحية خطيرة، ليسقط زيف التأييد الديموقراطي تحت أقدام ثوار سوريا الذين ضربهم بشار الأسد بالسلاح الكيميائي المحرم فتعطلت على الأثر النظارات الأميركية التي فقدت البصر ليتأكد المؤكد بأن النظام السوري وُضع ليحرس إسرائيل وما الاحتفاظ بحق الرد طوال 60 عاماً إلا دليلاً على السراديب المصلحية بين الطرفين.

أما عن الكذب وزيف الشعارات حول القدس فحدث ولا حرج، إذ منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وحتى اليوم تتلقى إسرائيل مناشير التهديد بإزالتها ولم تُرمَ حتى بسجادة إيرانية في حين أنها بقيت وتمددت.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه سئم تكرار مقطوعة مواجهة إسرائيل وتزعُّم المسلمين وممارسة شعائر السلطنة عليهم، وكان قد زار جماعة الإيغور المسلمة والمضطهدة في الصين من دون أن يتمنى على الصينيين رفع الظلم عنهم.

تحت شعار “حقوق المسيحيين” خاض الرئيس السابق ميشال عون معركته لرئاسة الجمهورية، طابخ القرار 1559 الذي ينص على خروج السوريين من لبنان وتفكيك الميليشيات المسلحة ليتبين لاحقاً حجم تنسيق عودته مع السوريين وعلى وجه الخصوص ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري الذي دغدغ مشاعره الرئاسية عندما دعاه لزيارة سوريا كرئيس للجمهورية اللبنانية بالاضافة إلى الاتفاق المسبق مع “حزب الله” على عقد اتفاق مار مخايل عام 2006.

لا شك في أن فلسطين هي المسرح الأكثر وضوحاً في التاريخ الذي نزع الستار عن زيف الشعارات وقبح المصالح وانحطاط العلاقات الدولية واهتراء المفاهيم الديموقراطية والحقوقية والإنسانية، فالعدوان الصهيوني على غزة أخلى سبيل الإدعاءات على الصعد كافة حول العالم وأعطى الضوء الأخضر لظهور دجل الديمواقراطية الغربية خصوصاً عندما يُسقط رعاة حقوق الإنسان مشاريع قرارات إيقاف إطلاق النار في غزة تحت شعارات تثير الاشمئزاز الإنساني والفكري ليتبين بصورة لا لبس فيها أن إسرائيل ترتكب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني تعبيراً عن رغبة تختلج في صدورهم، ولكن أين الغرابة طالما أن بيت الديموقراطية الأبيض يقوم على مقبرة جماعية للهنود الحمر الذين ستطال لعنتهم يوماً مَنْ يمارس الكذب على العالم بأسوأ صوره؟

ومن صور الكذب التي أضاءتها سماء غزة المشتعلة، صواريخ حركة أنصار الله الحوثيين الذين يدعون زوراً دعم القضية الفلسطينية عبر استهداف سفن البحر الأحمر ليتبين أن الغاية ما هي إلا تغذية الشروط الإيرانية على طاولة المفاوضات النووية مع الأميركيين وذلك لتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة العربية.

صورةٌ أخرى تعكسها صواريخ “حزب الله” الذي كان له ما أراد حيث استدرج الأميركيين إلى طاولة المفاوضات ونيل حصة الأسد في لبنان يُنتظر أن تتظهر مندرجاتها في القادم من أيام عقد التسويات في المنطقة والإقليم.

في العام التاسع من هجرة النبي محمد (ص) أتى إليه وفد بني حنيفة وتألف من 17 رجلاً أحدهم مسيلمة الكذاب، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث التي كانت مخصصة للوفود، أما مسيلمة فكان يطمع في المُلْك فاستنكف عن الإسلام وقال: “إنْ جعل لي الأمر من بعده تبعتُه”. هكذا هي الدول الكبرى والكبيرة ولت نفسها أمور الشعوب فإن كان لها ما أرادت أسعدتهم ولو من أكياسهم، وإن سارت الرياح عكس ما تشتهيه سفنهم الاستغلالية أبكت أجيالهم دماءً طوال عصور.

لعل مسيلمة هو الكاذب الأول والأكثر شهرة في التاريخ، إلا أن أكاذيبه لم تعد تساوي شيئاً أمام دجل العالم المدعي زوراً كل ما ينطق به، فأفعاله في مكان أكثر كذباً وبشاعةً من أجل غايات نتنة لا تبرر تعداد الشعوب مجرد أرقام في سجلات الحروب.

شارك المقال