هل كان لقاء هوكشتاين مع المعارضة رمزياً أو تحوّلاً سياسياً؟

جورج حايك
جورج حايك

تتجه أنظار اللبنانيين إلى مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين التي تشمل لبنان واسرائيل في ظل تصعيد كبير على الجبهة الجنوبية اللبنانية بين “حزب الله” واسرائيل، وتوعّد الأخيرة “الحزب” بتوسيع الحرب لإجباره على تنفيذ القرار 1701. حتماً إلتقى هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين الرسميين الذين اعتاد التفاوض معهم كوكلاء عن “الحزب”، وهم ارتضوا بهذه المهمة مثل: الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب.

أما التحوّل الأساسي الذي شهدته الزيارة هذه المرة فكان لقاء وفد من المعارضة الذي ضمّ النواب جورج عدوان وجورج عقيص وسامي الجميّل والياس حنكش وميشال معوّض. ومن المُلاحظ أن هوكشتاين لم يلتقِ أياً من النواب التغييريين و”التيار الوطني الحر”، وهذا له دلالات سياسية، إذ اكتفى بلقاء شخصيات ترى الديبلوماسية الأميركية أن لها دوراً في المستقبل القريب، وبالتالي لا يمكن تجاوزها.

ومن الواضح أن السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون لعبت دوراً أساسياً في التحضير للقاء هوكشتاين مع المعارضة، وليست دقيقة المعلومات التي أوحت بها وسائل إعلام الممانعة بأن المعارضة هي من طلبت لقاءه، بل ان الادارة الأميركية تحمل حلاً متكاملاً يبدأ من وقف إطلاق النار في الجنوب وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يمكن أن تطبّق طرحها إلا بإنفتاحها على المعارضة. وتقول مصادر في المعارضة لـ “لبنان الكبير”: “من هنا لا يمكن تجاوز المعارضة التي تضفي على زيارة هوكشتاين بعضاً من التوازن وخصوصاً أن حلحلة الملف الرئاسي لا يمكن أن تكون عبر الإستماع إلى فريق الممانعة والمسؤولين الرسميين الذي يمثّلون هذا الفريق في الدولة فقط، وكان هوكشتاين مقتنعاً بأن هذه المعارضة تمثّل أكثرية من اللبنانيين وبالتالي من الضروري الاستماع إلى صوتها ورأيها، علماً أنها تتمتع بشعبية كونها منتخبة. وفي حين أنّ الحزب يفرض إرادته من خارج الدولة، تعمل المعارضة من داخل الدولة”.

واللافت أن من الأبعاد التي حملها لقاء هوكشتاين مع المعارضة، وفق عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص، إضافة إلى أن المعارضة السيادية لها تمثيل واسع، فهي تشكل رأس حربة الدفاع عن الدستور والسيادة والقرارات الدولية، وأولويتها تقوية دور الدولة التي تواصل الممانعة إضعافها وخطفها. وهي تريد دولة فعلية تعيد إلى الوطن الاستقرار والازدهار.

ويؤكّد عقيص لـ “لبنان الكبير” أن اللقاء تمحور حول الحرب ومخاطرها وتطبيق القرار 1701 وكيفية إنهاء الفراغ الرئاسي. من جهتها تلفت مصادر من المعارضة إلى أن “هوكشتاين وضع المعارضة في أجواء اللقاء مع الرئيس بري والطرح الذي قدّمه للحزب ويشمل أولاً: وقف العمليات الحربية في الجنوب، ثانياً: تفعيل عملية ترسيم الحدود البرية، ثالثاً: تطبيق القرار 1701 وإنهاء المظاهر المسلّحة في الجنوب. ولا شك في أن وفد المعارضة مع تطبيق كل القرارات الدولية وليس القرار 1701 فقط، وأكّدت لهوكشتاين أن من الضرورة أن تُبسط الحكومة اللبنانية سيطرتها على جميع الأراضي اللبنانية وفق أحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1680 (2006)، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، وأن تمارس كامل سيادتها، حتى لا تكون هناك أي أسلحة من دون موافقة حكومة لبنان ولا سلطة غير سلطتها، وتأكيد تأييدها الشديد لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليّاً، حسب الوارد في اتفاق الهدنة العامة بين إسرائيل ولبنان المؤرخ في 23 آذار 1949. وطالبت هوكشتاين باتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوات اليونيفيل في لبنان”.

وبدا أن وفد المعارضة وهوكشتاين، وفق مصادر مطلعة من المعارضة لـ “لبنان الكبير”، كانا متفقين على دور الجيش اللبناني مستقبلاً في تطبيق القرار 1701 الذي يعيد الحدود من إيران إلى لبنان، ويمنع إمداد الممانعة في لبنان بالسلاح من مركزها الأساسي في طهران. أما عقيص فيؤكّد أن “الموفد الأميركي اعتبر موضوع الجيش أساسياً، ولمس مع زملائه في الوفد التزاماً أميركياً قاطعاً بمساعدة الجيش في حال انتشر في الجنوب، كي يتحكم بالقرار الأمني على كامل الأراضي اللبنانية”.

وعلمت مصادر المعارضة من هوكشتاين “أن الخطر حقيقي على لبنان من إحتمال أن تقوم اسرائيل بالتوسّع في الحرب، وهذا ما أعلنه هوكشتاين فعلاً في كلمته أمام وسائل الاعلام، وقد سمع ذلك من المسؤولين الاسرائيليين، إلا أن الادارة الأميركية ستستمر في الضغط لمنع تصعيد الأمور!”.

أما الموضوع الأخير الذي توقّف عنده هوكشتاين مع وفد المعارضة، وفق مصادرها، فكان الملف الرئاسي، ولو من دون استفاضة، إلا أن الاهتمام الأميركي ينصبّ حالياً على الترتيبات الأمنية في الجنوب وخلق أجواء مريحة لتطبيق القرار 1701، وانتخاب رئيس جمهورية يمكنه أن يعمل على تطبيق القرار الدولي ويطمئن إليه الجميع. من الواضح أن جميع الحاضرين في اللقاء فهموا أن هوكشتاين وإدارته يؤيّدون الخيار الثالث، ولم يبدو بعيداً من طروح الرئيس بري حول الحوار الذي ترفضه المعارضة، معتبراً أن مفتاح الأزمة يستلزم التفاهم مع بري لأنه هو الذي يفترض أن يدعو إلى جلسات إنتخابية وأن يتعهد بتأمين النصاب.

طبعاً لقاء هوكشتاين مع بعض نواب المعارضة لن يكون الأخير، إلا أن مهمته المستحيلة في اسرائيل لن تكون سهلة، وخصوصاً أن تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت بعد اللقاء به لم يكن مريحاً مهدداً بأن “عدوان الحزب يقرّبنا من نقطة الحسم العسكري في لبنان”. مع ذلك لا تبدو هذه المواقف نهائية بل تستعملها اسرائيل وفق أسلوب “العصا والجزرة”، وكل الاحتمالات واردة، وبالتالي لن تمر بضع ساعات حتى تُعرف نتائج زيارة هوكشتاين إلى لبنان واسرائيل من مستوى وتيرة الاشتباكات في الجنوب!

شارك المقال