عون – نصر الله… عرف الحبيب مكانه!

أنطوني جعجع

ليس سراً أن “التيار الوطني الحر” ضرب “ضربة معلم” مرتين، مرة عندما أنقذ “حزب الله” يوم كان معزولاً، ومرة عندما تخلى عنه يوم كان مأزوماً.

في المرة الأولى نجح العماد ميشال عون، في مقابل شعبيته المسيحية، في انتزاع مظلة أمنية شخصية، ومواقع سيادية وادارية وقضائية وصولاً الى الرئاسة مدعوماً في شكل مطلق من حسن نصر الله، لكن في المرة الثانية لا بد من السؤال ماذا يريد الرجل بعد خروجه من قصر بعبدا؟

وثمة سؤال آخر، ماذا يمكن أن يقدم “حزب الله” المعزول والمأزوم الى “التيار الوطني الحر” كي يبقيه حليفاً في مكان أو كي يشتري صمته في مكان آخر؟

الواقع أن “حزب الله” ليس في موقع يحسد عليه وأن “التيار الوطني الحر” ليس في موقع يعوّل عليه، فالأول عالق في حرب استنزاف موجعة ومحرجة يبحث فيها عن أي غطاء محلي بعدما فشل في توفير غطاء وطني، والثاني عالق بين حليف الأمس الفالت من كل قيد، وحليف اليوم المجهول.

في معنى آخر، يعرف “حزب الله” أن الاعتماد على “الجنرال” يتم طوعاً وقسراً دفعة واحدة، طوعاً لأنه عاجز عن استبداله بحليف مماثل، وقسراً لأن ظروف الجنوب وغزة والشرق الأوسط تفرض عليه التمسك به ولو على مضض.

وليست زيارة النائب محمد رعد على رأس فريق من “حزب الله” للرئيس عون الا ترجمة لهذا الواقع، وهو ما يعرفه الرئيس اللبناني السابق متبعاً سياسة “عرف الحبيب مكانه” فتدلل في مناسبة وتهجم في مناسبة أخرى.

حيال هذا المشهد يتفق الكثير من المراقبين على أن ما يجري بين الفريقين ليس السعي الى ردم الهوة التي أعقبت ترشيح سليمان فرنجية وحسب بل ضبط الخسائر في انتظار ما تنجلي عنه حرب غزة.

وهنا لا بد من سؤال بديهي: هل في أفق الفريقين أرضية مشتركة تشبه ما جرى في السادس من شباط العام ٢٠٠٦ مع تغير المواقع والظروف والمصالح وميزان القوى، يمكن أن ينطلقا منها نحو عهد “عسلي” جديد؟

الواقع أن تجربة ميشال عون في الحكم لم تبقه الممثل الأقوى للمسيحيين، وأن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لم تبق “حزب الله” الأقوى داخل البرلمان، الأمر الذي أفقد حسن نصر الله الدعم المسيحي الذي حازه على مدى نحو عقدين، وأفقد الجنرال الكلمة الفصل التي كانت تصنع رئيساً هنا وتسقط رئيساً هناك.

وأكثر من ذلك، يسود اقتناع في أوساط الضاحية الجنوبية بأن عون نال حصته من السلطة واسترد دينه، وأن “اتفاق مار مخايل” الذي بات عسلاً مريراً، ليس دستوراً ملكياً ينتقل فيه الحكم عبر الوراثة، في حين يسود اقتناع مقابل في الرابية بأن الاستمرارية تنطبق على التحالفات كما على الاتفاقات وأن “حزب الله” أخذ من مغانم السلطة أكثر مما أعطى، وأسهم من حيث يدري أو لا يدري في فرملة العهد البرتقالي وتهميشه محلياً واقليمياً ودولياً.

وأكثر من ذلك، يكشف مصدر قريب من الممانعة أن نصر الله بذل جهداً كبيراً لابتلاع ما أصابه من عون وصهره جبران باسيل، واختار سياسة التعالي القسري ليس حباً بهما بل انطلاقاً من شعار “عدو بالناقص” وتحاشياً لعزلة ذاق مرارتها بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ويضيف: ان نصر الله بات ينظر الى عون على أنه “عاشق سلطة” لا يكتفي، ورجل لا يمكن تهدئته الا عندما يحصل على ما يريد. في حين يرد مصدر قريب من الرابية أن عون بات ينظر الى “حزب الله “على أنه مصدر للاحراجات، والنمر الذي لا يكاد ينهش فريسة حتى يبحث عن فريسة أخرى، وأنه يتعامل مع الموارنة وكأنهم أوراق للمساومة هنا والمداورة هناك.

وسط هذا المشهد نعود الى السؤال: هل هناك أرضية مشتركة يمكن أن تجمع الفريقين من جديد؟

نعم هناك واحدة لكنها ليست سهلة وتقوم على واحد من ثلاثة مخارج: الأول، التخلي عن سليمان فرنجية مرشحاً أوحد والبحث عن خيار ثالث يرضي الطرفين وهو أمر غير متوافر من دون معجزة، والثاني، التخلي عن فرنجية لمصلحة جبران باسيل تحديداً وهذا ما لن يسمح به فرنجية والرئيس نبيه بري الذي يمشي بأي شيء يمكن أن يغيظ عون وباسيل معاً، والثالث، التمسك بالمرشح الشمالي في مقابل تنازلات وامتيازات تجعله رئيساً صورياً وتبقي باسيل رئيس الظل مرة ثانية، وأي أمر آخر ليس الا ضرباً في الهواء في رأي المطلعين على كواليس الفريقين خصوصاً أن التحدي بينهما بلغ سقوفاً عالية متزامنة مع أجواء في بنشعي تفيد بأن فرنجية يعتبر أن “حزب الله” خيّبه في المرة الأولى لحساب عون ولن يقبل أن يخيّبه مرة ثانية لحساب باسيل أو سواه، وهو أمر يعرفه نصر الله جيداً ويضعه محرجاً بين السياسة والشهامة.

وتذهب المصادر بعيداً الى حد القول: ان فرنجية وعون يعوّلان على “نمر مكبل” هو “حزب الله” المستنزف في الجنوب والمحرج في البرلمان، وان نصر الله يعوّل على مرشح رئاسي لا يستطيع أن يوفر له غطاء مسيحياً كافياً ووافياً ولا يملك فرص الفوز من دون أصوات “التيار”، وعلى حليف لم يعد قادراً على تقديم الكثير مما قدمه على مدى عشرين عاماً ولا يستطيع الفوز من دون أصوات المسيحيين الآخرين كما حدث في انتخابات العام ٢٠١٦.

في الختام، يكاد لا يختلف اثنان على أن ما يجري بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” ليس الا عبئاً متبادلاً وإرثاً ثقيلاً، وعمليات تخدير موقتة لن تخرج من العناية الفائقة قبل وقف القتال في غزة والجنوب وقبل تحديد الجهة التي ربحت الحرب سواء جزئياً أو كلياً.

في الانتظار يستطيع “حزب الله” أن يردد أمام الملأ أن هذا عين وذاك عين الى أن تتفق أميركا وايران على تحديد العين التي يجب أن تصان أو تُعمى أو الاتفاق على عين ثالثة من لونين واحدة سوداء تمثل الاقليم وواحدة زرقاء تمثل العالم.

شارك المقال