ذا غارديان: بين الثورة والانقلاب… ماذا حصل في تونس؟

حسناء بو حرفوش

نشر موقع صحيفة “ذا غارديان” (TheGuardian) تحليلاً للوضع في تونس، يعتبر فيه الكاتب أن ما حصل يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة بسط الرئيس قيس سعيد لسلطته على البرلمان، فهل يمثل انقلاباً أم لا؟ الإجابة في ترجمة ما ورد في المقال الموقع بقلم سيمون كوردال.

“بالنسبة للناظر من خارج تونس، بدا أن قيام الرئيس بإقالة رئيس الوزراء وإغلاق البرلمان بمثابة انقلاب. ولكن الوضع ليس كذلك في الداخل حيث لا يزال النشطاء والصحافيون يكافحون لتحديد ماهية الأحداث في بلدهم وما يتوجب عليهم فعله حيال ذلك. وبحسب تامر مكي، رئيس تحرير منصة “نواة” الإعلامية المؤثرة، انشغل الصحافيون في اليوم التالي لتصرف الرئيس، بمحادثة في غرفة الأخبار لتحديد ما إذا كان ذلك الحدث انقلاباً. وحاز ما عرف بـ”الانقلاب” اهتمام منافذ إخبارية أخرى وبرامج تناقش ماهيته كما عبرت مجموعات الناشطين عن قلقها في هذا السياق. ولكن رئيس الجمهورية، قام بعد ذلك بدعوة شخصية للمجموعات القيادية من المجتمع المدني و”أكد على حريتها في العمل. يضيف  مكي: “لا أعرف فعلا ماهية ما حصل، لكنه ليس انقلاباً… لا يمكن للأشخاص الذين يشهدون على الانقلاب مناقشته على التلفزيون”.

ويرى مكي أن النهج الدولي تعاطى بكسل مع الأزمة التونسية، حيث يرتبط السياق الرئيسي للاستيلاء على السلطة بالوضع المزري في البرلمان. ويضيف أن تدخل الرئيس كان “محفوفاً بالمخاطر”، لكن البرلمان ما عاد مقبولاً بالشكل الذي هو عليه، بل وأصبح بالنسبة للتونسيين،  بمثابة مصدر للسخرية مع عجزه عن احترام قوانينه حتى”. وتعود الادعاءات ضد العديد من المشرعين لوقت طويل وهي واسعة الانتشار. وقد نشرت هيئة مراقبة مكافحة الفساد المحلية (IWatch) قائمة بأسماء أعضاء البرلمان الخاضعين لإجراءات قانونية معلقة، أو الذين تأجلت أحكامهم بالسجن بسبب حصانتهم البرلمانية، والتي سحبها سعيد حالياً. ومن بين الأسماء المدرجة على القائمة، زهير مخلوف، الذي التقطت له شابة في 19 من العمر صورة وهو يقف خارج مدرسة ثانوية وأعضاؤه التناسلية مكشوفة. وإذ نفى مخلوف جميع التهم اللاحقة، برر الصورة بالقول إنه أجبر على التبول في زجاجة بسبب معاناته من مرض السكري.

في غضون ذلك، يتمسك سعيد بتبرير تصرفه بالدستور، الذي يسمح لرئيس الدولة باتخاذ إجراءات استثنائية غير محددة لمواجهة أي “تهديد وشيك”. وبسط الرئيس سلطته بعد احتجاجات عنيفة ضد أكبر حزب في تونس، حركة النهضة الإسلامية المعتدلة. وحظي الرئيس بتأييد منظمة البوصلة، وهي هيئة مراقبة برلمانية مستقلة، والتي اعتبرت أنه يحق قانونياً للرئيس بممارسة سلطاته غير العادية بموجب الدستور، ولكن مع ذلك، أوضحت أن هذه السلطة لا تعني تعليق عمل البرلمان. ومنحت مجموعات المجتمع المدني الرائدة الأخرى دعمها الحذر للرئيس، مدرجة أفعاله ضمن القانون، مع التشديد على ضرورة تقديمه لحل للخروج من الأزمة. ومع ذلك، سجلت تطورات مقلقة منذ تحرك الرئيس المتعلق بالبرلمان. وأدانت النقابة الإعلامية، النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، الزيادة الملحوظة في الاعتداءات على المراسلين، كما احتجت على مداهمة مكتب الجزيرة في تونس.

بدورها، حذرت هيومن رايتس ووتش، بعد يومين من تدخل الرئيس، من خطورة الأمر، بينما حثت منظمة العفو الدولية، التي يلحظ وجودها بشكل كبير في تونس، علانية، سعيد على الالتزام بحماية حقوق المواطنين. وينتقد النشطاء في تونس التقارير حول التواطؤ أو اللامبالاة في قمع الحقوق والحريات. وفي هذا السياق، تؤكد الناشطة آمنة ميزوني: “لم نذهب إلى أي مكان وما زالت صفحة الرئيس من أكثر صفحات الفيسبوك التي تنشر عليها التعليقات في تونس الآن. وعندما يحدث شيء ما، تتداعى المجموعات للتحرك”. وفي ما سبق، إشارة إلى إرث المجتمع المدني التونسي الذي أنتج ثورة الربيع العربي قبل عقد من الزمن وقادها خلال أزمة أخرى في العام 2013، حيث مُنحت أربع من منظماته جائزة نوبل. ولا يتردد النشطاء التونسيون بالاحتجاج بشكل روتيني على الفساد السياسي ووحشية الشرطة والبطالة والتدهور الاقتصادي المستمر. هذا ويدرك النشطاء أن سعيد يحظى بنسبة كبيرة من التأييد العام، حيث أظهر استطلاع للرأي أجري بعد أيام فقط من “الإنقلاب” تأييد 87٪ من المشاركين. حتى إن حزب النهضة، الذي استخدم زعيمه راشد الغنوشي، أولا تسمية “انقلاب دستوري” للكلام عن تدخل الرئيس، بدا وكأنه يتراجع، حيث صنفه الأربعاء في إطار “مرحلة في التحول الديمقراطي”.

ومع ذلك، تحوم التساؤلات حول تعهد الرئيس بوضع حد لتعليق عمل البرلمان لمدة 30 يوماً. وحثت النقابة العمالية القوية للاتحاد العام التونسي للشغل، سعيد الثلاثاء الماضي، على الإسراع في تشكيل حكومة جديدة. وفي الوقت الحالي، لا تؤخذ الاقتراحات النابعة من الخارج حول العودة إلى الديكتاتورية أو تراجع الديمقراطية على محمل الجد في تونس. يختم مكي: “هذا هراء. لعله يسهل الأمور بالنسبة للقراء الأجانب لكنه يزيدها تعقيداً بالنسبة للتونسيين”.

شارك المقال