زيارة أمنية بأبعاد سياسية (٣)… النتائج رهن قبول الحزب بشروط الامارات 

زياد سامي عيتاني

لم يكن حدثاً عادياً أو عابراً، أن تقل طائرة خاصة إماراتية مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا من مطار رفيق الحريري الدولي إلى أبو ظبي، خصوصاً وأن الحزب مدرج لديها على قائمة الإرهاب منذ 2014 وتتهمه بالعبث بأمنها، بينما للحزب وأمينه العام تاريخ حافل في توجيه اتهامات قاسية الى الامارات حول علاقتها مع إسرائيل. 

لا شك في أن الزيارة بتوقيتها تزامنت مع مناخ الانفراج الأميركي الايراني من جهة، والخليجي الايراني، وخصوصا السعودي الايراني من جهة ثانية، إضافة إلى مناخ الانفتاح الخليجي على دمشق، والمساعي الهادفة إلى حل أزمة اليمن. صحيح أن ثمة مصالح إماراتية كبيرة في المنطقة، خصوصاً في قطاعي النقل البحري (المرافئ وحقول الغاز)، ولكن من المؤكد أن زيارة صاحب المهمات الصعبة لدى “حزب الله” لم تكن لتتم من دون تشاور بين أبو ظبي والرياض، إذ لم يكن بإمكان الامارات أن تقدم على خطوة كهذه لولا “الضوء الأخضر” السعودي، فضلاً عن التواصل مع إيران بفعل علاقاتها الوثيقة بـ “حزب الله”، ومع سوريا التي لعبت دوراً في ترتيب الزيارة “مخابراتياً”. 

ومن المؤكد أيضاً أن الامارات لم تكن لتقدم على هذه الخطوة لولا حصولها مسبقاً على تعهدات عبر الوسطاء من الحزب بتغيير سياسته العدائية تجاهها وتجاه الدول الخليجية، التي تسببت في عهد ميشال عون بمقاطعة خليجية للبنان، والتي كانت الامارات جزءاً لا يتجزأ منها، وجاءت على خلفية انخراط الحزب بعدد من أزمات الاقليم كسوريا واليمن. 

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر متابعة أن الامارات درست الموضوع جيداً ووضعت مجموعة من الشروط، مطالبة “حزب الله” بالاعتراف بتورطه في الأنشطة التجسسية قبل إطلاق سراح الموقوفين، وعدم تكرار مثل هذه الأفعال على أرضها وإنهاء تهديده للمصالح والمواطنين الاماراتيين. فإذا وافق الحزب على هذه الشروط، قد تفرج الامارات عن الموقوفين. وتشير المصادر إلى أن الامارات ربما فتحت ملفات أخرى للحوار ليس أكثر، مثل ملف ما يحصل في جنوب لبنان والطلب من الحزب المساهمة في تخفيف التوتر وعدم التصعيد لهذه الحرب التي لن تكون لا في صالح لبنان ولا المنطقة، وملف الشغور الرئاسي. وهذا ليس مستبعداً لأن توقيت زيارة صفا إلى أبو ظبي تندرج في إطار واضح وهو أن الامارات تسعى للعودة الى الملفات الاقليمية، وتحديداً ملفا لبنان وغزة. 

لذلك، من المتوقع إمكان تجاوب الحزب مع الشروط الاماراتية، وإلا لما تمت زيارة صفا، من منطلق أن الحزب يدرك أهمية أن يكون براغماتياً وتصفير عداواته مع دول خليجية، بعد استشعار خطر يهدده دولياً وإقليمياً، منذ انخراطه في مواجهة إسرائيل عقب حرب غزة. 

في كل الأحوال، من المبكر الحكم على نتائج زيارة صفا إلى أبو ظبي، لأنها مجرد مقدمة لحوار متشعب وشاق، ونجاحها يتوقف على مدى إستعداد الحزب للتجاوب مع المطالب الاماراتية-الخليجية، قبل أن تقرر الامارات تغيير سياستها تجاه لبنان، ولأي درجة من الممكن أن تنتقل من أقصى الصدام إلى أقصى الحوار مع فريق لم تكن تتعاطى معه في السابق إلا بالأمن.

شارك المقال