فشل اليمين واليسار في لبنان وبينهما الحقد الدفين؟

خالد العزي
خالد العزي

يفاجأ المرء عندما يجلس مع فرقاء من الصراع الماضي (اليمين واليسار) لما يحملونه في صدورهم من أحقاد دفينة مخيفة تعكس توجهاتهم السابقة، على الرغم من فشل الاثنين معاً في ما فعلاه خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي تصادف ذكراها في 13 نيسان الجاري. لا يزال المجتمع اللبناني يعاني من ترسبات هذه الحرب التي لم تفارق مخيلة الجيل الذي عاشها، والراسخة في ذهنه وفقاً لقناعاته التي كان يحملها في حينه، والمصر على صوابيتها على الرغم من انتهاء الحرب بفشل الفريقين وعدم اعتراف أي منهما بهزيمته.

وبسبب عبثية الحرب وعدم قدرتها على إنتاج توجه مغاير لدى الفريقين اللذين لا يريدان الاقتناع بعدم جدوى تلك الحرب وفشلها ونسبة الدمار والقتل والخراب التي تركتها داخل البيت الواحد، بات شعار غالبية الناس وخصوصاً الذين تضرروا منها ودفعوا أثماناً غالية نتيجة لها: “تنذكر وما تنعاد”. 13 نيسان ذكرى أليمة جداً وشعور بالحزن والعار لما تم اقترافه بحق لبنان وأهله. فهذه المناسبة ليست رفضاً للحرب وتجربتها وانما للذين يرفضون الآخر ويتعاملون على أساس أن الأيام كفيلة بمعاقبته.

طبعاً ان رفض اليمين لما يقال عنه من بقايا اليسار، ورفض من يدعي اليسار لبقايا اليمين، نرى مفاعيله عملياً في مؤسسات معينة عبر الرفض وعدم تقبل الآخر، وكأن الطرفين في أفضل أحوالهما الفكرية والايديولوجية التي تسمح لهما بالدخول في صراع وتسجيل النقاط عن بعد، لكنهما لا يريدان الاقرار بالهزيمة لعدم صوابية طرحهما بسبب السلاح الذي أدى إلى تحلل اليسار واليمين لمصلحة التطرف المذهبي والطائفي. وهذا الأمر يبدو واضحاً في المؤسسات الاعلامية التي يتولى إدارتها ويدير شؤونها طرف من طرفي صراع الماضي، حيث حتى الاختلاف في الرأي لم يتلاش، بل بات ظاهراً وبوضوح في النتيجة التي تنتهي بالفصل أو الابعاد، فالمدير اليميني لا يقبل أي وجود يساري سابق كموظف واليساري يشعر بالشيء نفسه، ويتم تبادل أبشع النعوت وكأنه الانتقام في خندق الجبهة أيام الحرب.

هذا الأمر يسري أيضاً على المؤسسات التعليمية الخاصة والرسمية التي تعمّق في داخلها مأزق التعايش الوطني، بحيث بات يعتبر مرفوضاً لأن التعايش مرتبط بنظرية العيش المشترك وليس التوافق على مفهوم المواطنة التي هي أساس التعامل مع أي مواطن .

اذاً، المصطلحات والمفاهيم التي تستخدم لدى البعض يمكن تفسيرها بأنها غطاء لمضمون أعمق بكثير مما تفرضه العلاقة الانسانية والاجتماعية في بلد يقبل التنوع بكل توجهاته ومعتقداته وانتماءاته الفكرية.

لكن لا بد من القول ان الحرب الأهلية لم تخرج بمصالحة أهلية تمحو آثار الويلات والمآسي، بل حصل اتفاق قد يتفجر في أي لحظة تتغير فيها موازين القوى والارتباطات والمصالح الخارجية.

لا تزال الأحزاب التي خاضت غمار الحرب تحن الى ماضيها المؤلم من دون إجراء مراجعة نقدية فعلية لتلك الفترة، وكأنها تعيش على أمجاد الماضي الأليم لشد عصب من تبقى من مناصرين وأعضاء، بهدف الحفاظ على ما تبقى منها مع تحلل الأفكار السياسية السابقة التي كانت وراء نشأتها.

لكن المجتمع اللبناني لا يزال يعاني من عملية تقبل الآخر بسبب أفكار اليمين واليسار وعقلياتهما السابقة لأنها أصلاً قائمة على نظريات الانتقام والثأر، وهذا يعني أن هذه التوجهات تغذي وتساند الأفكار المذهبية التي بدأت تصل إلى أعلى درجات التطرف لدى الأجيال الصاعدة، كما أن العديد من المحللين والكتاب السياسيين يعبّرون في خطاباتهم ونقاشاتهم عن ذلك بفخر واعتزاز، بخلاف الذين تعافوا فعلياً من جراح الحرب وتمكنوا من تجاوز الأزمة التي عاشها المكون اللبناني (القومية والمذهبية واليسارية).

إن هذا العلاج صعب جداً لأنه اختياري، لذلك لا يمكن وصفه عن طريق الغير، بل يجب الاعتماد على النفس والارادة والضمير وحرية التعبير، والعودة الى الدستور والقيم الانسانية واحترام المعتقدات المذهبية والايديولوجية للتمكن من تجاوز أزمة اليمين واليسار اللذين يعيشان حالة تعفن.

شارك المقال