“قبة باط” لا أكثر

لينا دوغان
لينا دوغان

قبل نحو أربعة أيام نقلت وكالة “بلومبرغ” الإخبارية في تقرير عن مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعتقدون أن إيران ووكلاءها قد يشنون هجمات كبيرة وشيكة بالصواريخ وباستخدام الطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، وأن من المتوقع ألا تهاجم طهران أهدافاً مدنية. وما هي إلا أيام حتى عاش اللبنانيون وكل مواطني الشرق الأوسط ليلة ولا كل الليالي، إذ شنّت إيران مساء السبت هجومها المرتقب على إسرائيل، رداً على قصف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق، بإطلاق عشرات المسيّرات والصواريخ باتجاه الداخل الاسرائيلي، لا بل المئات رجحت المصادر أن تكون بين ٤٠٠ و٥٠٠ طائرة مسيّرة وصاروخ.

هنا انقسمت الآراء بين الناس العاديين وحتى المحللين الاستراتيجيين والسياسيين، بين من رأى أنها مسرحية وبين من اعتبرها الخطوة الصحيحة لإذلال الكيان الصهيوني.

رئيس تحرير موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين فنّد ما حدث ليلة السبت بأنه لا يعدو كونه رداً ايرانياً منسقاً مع واشنطن ودول أوروبية، فإيران لديها النية بالرد على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، لكنها تأخرت تفادياً لأي رد فعل إسرائيلي يستهدف أراضيها، عندها طرحت على واشنطن بداية مطلبين: وقف النار في غزة وإطلاق المفاوضات النووية عبر سلطنة عمان. لم تستجب واشنطن، عادت ايران فعرضت صدور قرار أممي مقابل عدم ردها، فلم يلقَ الاقتراح اهتماماً أممياً، وعادت أخيراً الى خيار الرد “المنسق”. وافقت واشنطن بشرط ألا يؤدي إلى أضرار تستفز اسرائيل، وهذا ما حصل، عرف الجميع موعد الرد واستعدوا له وكانت النتيجة رداً من دون أضرار تذكر في اسرائيل.

وتساءلت مع الأستاذ علي الأمين عن نقطة مهمة تتردد في المحور الايراني وفلكه، وهي الدور العربي في هذه الحرب، فقال: “بالتأكيد غزة وفلسطين مسؤولية عربية، وما يجري اليوم في غزة هو نتاج سياسات حماس التي لم تراهن يوماً على النظام العربي. يحق لكل عربي أن يسأل الدول العربية عن دورها، إلا من راهن على دور ايران في تحرير القدس وفلسطين، لأن هؤلاء بالذات اعتبروا ايران بديلاً عن النظام العربي، لذا لا يحق لهم اليوم السؤال عن دور العرب”.

ما قامت به إيران اعتبرت أنها حققت من خلاله أهدافها وأوجعت إسرائيل، لكنها في الحقيقة لم تؤذها بل عززت من نفوذها وقوتها. بنيامين نتنياهو حقق انجازاً داخلياً من خلال إفشال الضربة الايرانية وإسقاط معظم الطائرات المسيّرة والصواريخ الايرانية، وبهذا أيضاً استرجعت اسرائيل دعم الدول الأوروبية وأميركا لها، بعد التهشيم الذي طال وجه العلاقة الاسرائيلية مع هذه الدول بسبب جرائم غزة. كما عادت إسرائيل وقدمت نفسها أمام العالم بصورة المعتدى عليها، بعدما احتلت صورة عدوانيتها كل وسائل الاعلام.

ما يحاول الجميع فهمه بعد ضربة ايران هو مطالبها المستقبلية أو بمعنى آخر الثمن مقابل كل ما تقوم به، خصوصاً وأنها تلعب دور “أم الصبي” في حرب غزة. هنا أشار الأمين الى نقاط حساسة جداً في حسابات ايران، التي برأيه تستثمر في الأذرع وفي دول الأذرع لتحقيق مصالح ومكاسب من الغرب، وتعزيز نفوذها في المنطقة، وتعامل ايران الخشن مع السوريين أو العراقيين، يقابله تعامل مبالغ في نعومته مع اسرائيل كما جرى فجر الأحد.

كان من المفترض بعد “طوفان الأقصى” وبحسب مقولة وحدة الساحات، أن تقوم إيران بلجم عدوان اسرائيل على غزة لكن ذلك لم يحصل بل نأت بنفسها، على الرغم من أن قياداتِها وأذرعَها من لبنان الى اليمن، لطالما اعتبرت اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت وأن إيران قادرة على تدميرها في دقائق، كل ذلك برأي الأمين، لم يكن الا شعارات غايتها التجارة بالصبي أو فلسطين لتعزيز نفوذها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها من دول عربية.

في ختام كل الكلام وبعد أن اعتبر الجميع أنها ليلة من ألف ليلة وليلة، كلٌ على طريقته، يبقى أن نقول إن الرد الايراني جاء على خلفية استهداف قنصليتها في دمشق، وليس على ستة أشهر عاشها الغزاويون ولا يزالون تحت نار عدو صهيوني غاشم ومجرم، ولم يكن ينقص الشرق الأوسط الملعون، سوى صواريخ إيران ومسيّراتها في سماء لياليه الحالكة التي غابت عنها النجوم منذ زمن.

شارك المقال