مواقف تدعم الراعي… العظات في قمة الوطنية

هيام طوق
هيام طوق

في كل يوم أحد ينتظر الكثير من اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، عظة سيد بكركي البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي للاطلاع على مواقفه في مجمل القضايا المتعلقة بحياة اللبنانيين وشؤونهم وشجونهم، والذي يحاول أن يفعل شيئاً في زمن الانهيار الثقيل بعد أن تخلت الطبقة السياسية عن شعب يكتوي بنار جهنم، لأنهم يعرفون انه لا يصدر عن بكريكي سوى المواقف الوطنية التي تصب في مصلحة لبنان وشعبه وليس لمصلحة فئة أو منطقة معينة، وتاريخ البطريركية شاهد على ذلك. وتعتبر هذه المواقف بمثابة خارطة طريق لإحياء سيادة لبنان واستقلاله، هكذا كانت أيام البطريرك نصرالله صفير وقد أدت إلى الاستقلال الثاني والى المصالحة التاريخية في الجبل، وهكذا تستمرمع البطريرك الراعي.

حملة عنيفة شنها ناشطون مؤيدون لحزب الله على البطريرك الراعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت كلمات نابية وشعارات مسيئة وصور كاريكاتورية مشينة، بسبب المواقف التي أطلقها الراعي في عظته يوم الأحد الماضي كما غرّد ناشطون عبر استخدام هاشتاغ #راعي_الانحياز و#راعي_الاستسلام حيث اعتبر بعضهم أن مواقف رأس الكنيسة المارونيّة لا تختلف عن مواقف الدولة العبريّة.

وكان البطريرك الراعي أهاب بـ”الجيش المسؤول مع القوات الدولية عن أمن الجنوب بالسيطرة على كامل أراضي الجنوب وتنفيذ دقيق للقرار 1701 ومنع إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية ليس حرصاً على سلامة إسرائيل، بل حرصاً على سلامة لبنان. لا نريد أن يورطنا أحد بحربٍ لديها ارتداداتٍ مُدمّرة”، مندداً بـ”تَسخينَ الأجواءِ في المناطق الحدوديّة مع إسرائيل انطلاقاً من القرى السكنيّةِ ومحيطِها. كما أننا لا يمكننا القبول، بحكم المساواة أمام القانون بإقدام فريق على تقرير السلم والحرب خارج قرار الشرعية والقرار الوطني المنوط بثلثي أعضاء الحكومة وفقا للمادة 65. صحيح أن لبنان لم يوقع سلاماً مع إسرائيل، لكن الصحيح أيضاً أن لبنان لم يقرر الحرب معها، بل هو ملتزم رسمياً بهدنة 1949. وهو حالياً في مفاوضات حول ترسيم الحدود، ويبحث عن الأمن، والخروج من أزماته، وعن النهوض من انهياره شبه الشامل، فلا يريد توريطه في أعمال عسكرية تستدرج ردوداً إسرائيلية هدامة”.

كلام الراعي جاء بعد تبني “حزب الله” إطلاق عدد من الصواريخ على الشمال الإسرائيلي حيث أكدت أطراف عدة لـ”لبنان الكبير” أنه لا يجوز التعاطي بهذه الطريقة مع بطريرك الكنيسة المارونية الذي هو مرجع دائم وله دور مفصلي في السيادة اللبنانية وفي المصالحات والعيش المشترك، معتبرين أن الهجوم على البطريرك الراعي يكشف نيات أصحابه الذين لا يريدون وجود أي مرجعية لبنانية ترفض منطقهم في الاحتكام إلى السلاح بشكل دائم وتعريض أمن لبنان، متسائلين: هل يمكن للبنان في ظل الانهيار الكلي أن يتحمل أي ضربة على مرفق عام أو على أي مؤسسة حيوية؟.

حمادة: عظات بكركي في قمة الوطنية

اعتبر النائب المستقيل مروان حمادة أن “هذا الهجوم على البطريرك الراعي في غير موقعه وغير مكانه وغير توقيته، ويستهدف شخصاً لا يجوز أن يتعاطى معه حزب طائفي ومرتبط بمرجعيات خارجية بهذه الطريقة لأنه مرجع دائم وله دور مفصلي في السيادة اللبنانية وفي المصالحات اللبنانية وفي العيش المشترك. الهجوم مردود على أصحابه، ومن يحرض على البطريرك في قمة الهرم المذهبي الطائفي المهيمن على لبنان حالياً”.

ورأى أن “المستهدف ربما ليس شخص البطريرك، لكن تذكيره بالمسلمات اللبنانية على مدى عشرات الوعظات والخطابات ومنها الدستور اللبناني واتفاق الطائف وميثاق العيش المشترك والقرارات الدولية بشأن لبنان وسيادة لبنان وسلامته والحريات والديمقراطية فيه، كل ذلك، يريد حزب الله ومن يجاريه، الإطاحة بها”.

وعما إذا كانت عظات بكركي وطنية أو أنها تستهدف فريقاً من اللبنانيين، شدد حمادة على أن “عظات بكركي في قمة الوطنية. كانت هكذا في عهد البطريرك نصرالله صفير وقد أدت إلى الاستقلال الثاني وإلى المصالحة التاريخية في الجبل، وهكذا هي في عهد البطريرك الراعي وربما تؤدي إلى استقلال ثالث من الهيمنة الإيرانية على لبنان، ولذلك تعتبر خطابات البطريرك الراعي خارطة طريق جديدة لإعادة إحياء السيادة اللبنانية والازدهار اللبناني المفقودين”.

وتحدث عن “تهديد كثير مرّ علينا منذ عقود طويلة، والتهديد تحول إلى تنفيذ مع شهداء كبار من كمال جنبلاط إلى رينيه معوض إلى المفتي حسن خالد إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل شهداء ثورة الارز وصولاً إلى شهداء مرفأ بيروت. في كل الأحوال، التهديدات تعودنا عليها ولن تثني لا البطريركية المارونية ولا الوطنيين اللبنانيين خصوصاً العروبيين والديمقراطيين منهم عن التمسك بلبنان الكبير بحدوده الثابتة وبسيادته الكاملة وبالسلاح الموحد أي سلاح الجيش دون غيره فوق أراضيه”، معتبراً أنها “محاولة إرهاب من بقي في لبنان ينطق بكلمة الحق ويرفض ديكتاتورية الإصبع وتهديد الوطنيين والمستقلين”.

أفرام: كأن الهجوم العنيف يعلن مرحلة جديدة

اعتبر النائب المستقيل نعمة افرام أن “الهجوم على البطريرك بهذه الطريقة وبهذا المستوى من الكلام غير مقبول، وكأن هذا الهجوم العنيف يعلن مرحلة جديدة من التعاطي اللبناني اللبناني الذي كان يحافظ على حد أدنى من الاحترام حفاظاً على السلم الأهلي والوئام. ما رأيناه ينذر بتغيير بنيوي، وإذا حصل ذلك، فإن الكثير من اللبنانيين لن يقبلوا بهذا الأمر”، آملاً “ألا يكون هذا الهجوم منظماً بل أتى تعبيراً عفوياً، ونتمنى سماع أصداء إيجابية ومواقف رسمية من حزب الله لما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي لترميم الصدع، لأن التهجم بهذه الطريقة، ورفع سقف التعاطي والمواجهة سيؤدي إلى مرحلة خطيرة”.

ودعا إلى “انتظار ما سيحصل في القادم من الأيام لأن ما رأيناه وقرأناه على وسائل التواصل من اتهامات ليس شيئاً عابراً إنما يمس في الجوهر، ونأمل ألا يكون قلقنا وحذرنا في محله”.

علوش: مواقف الراعي تمثل كل اللبنانيين

أكد نائب رئيس “تيار المستقبل”مصطفى علوش أن “ما يقوله البطريرك الراعي بات على لسان كل الناس رغم أن بعض المواطنين لن يجرؤوا على قوله. جماعة حزب الله يعتبرون أن أي شخص يعترض على ما يقومون به حتى لو كان منطقياً، بأنه عميل. هذا الكلام تعودنا عليه والبطريرك يتكلم بلسان كل اللبنانيين”.

واعتبر أن “الإشكال الكبير أن العميل الذي يعترف أنه يعمل لصالح إيران ويحصل على معاشه وسلاحه من إيران، لا يحق له اتهام الآخرين لا بالعمالة ولا بالاستعانة بالخارج. من يستدرج الخارج إلى لبنان هو الذي وضع لبنان في مهب الريح وهو الذي جعل من اللبنانيين أدوات بين أيادي إيران، لذلك ما يحاول أن يقوم به البطريرك مثل قيادات أخرى دينية وسياسية، هو لسان حال اللبنانيين، بأننا بحاجة إلى مساعدة العالم للتخلص من الاحتلال الإيراني القائم”.

وعما إذا كان الشارع الطرابلسي يؤيد مواقف البطريرك، لفت علوش إلى أن “الطرابلسيين ينتظرون أن يسمعوا مواقف الراعي في صلوات الجمعة، ويعتبرون كلامه يمثلهم”، مشيراً إلى “أنني لا أعتقد أن حزب الله هو الذي يرد على كلام البطريرك الراعي انما جماعته. إنها محاولة لهز العصا أكثر ما هي تهديد مباشر. من ينطق بكلمات نابية ويلجأ إلى السباب والشتائم لا يكون مرتاحاً على وضعه، هذا يؤكد أن جماعة حزب الله بدأوا يشعرون بالخطر وبالتهديد الجدي إن كان على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وبالتأكيد على المستوى الأمني”.

قزي: الحملة على الراعي تكشف نيات أصحابها

شدد الوزير السابق سجعان قزي على أن “الحملة التي تشن على البطريرك الراعي تكشف نيات أصحابها أي أنهم لا يريدون وجود أي مرجعية لبنانية ترفض منطقهم في الاحتكام إلى السلاح بشكل دائم وتعريض أمن لبنان. وإذا كانوا من خلال هذه الحملة، يظنون أنهم يرهبون الآخرين، فيخطئون لأن من يؤمن بقضية وطنية جوهرها سيادة واستقلال لبنان وأمنه واسقراره لا ترهبه حملات لا إعلامية ولا غير إعلامية. تاريخ البطريركية شاهد على ذلك”، مشيراً إلى “أنني انتظرت من حزب الله بعد أن قال البطريرك ما قاله في عظته الأخيرة بشكل راق وموضوعي ومرتكز على بنود الدستور والقرارات الدولية، أن يسارع إلى فتح حوار مع اللبنانيين الذين يرفضون منطقه فإما أن يقنعهم وإما أن يقنعوه، وفي الحالتين ننقذ وحدة لبنان لكننا تفاجأنا بأن الرد أتى من خلال الشتائم والرسوم الكاريكاتورية المشينة علما أن البطريركية المارونية هي فوق الأطراف والأحزاب والسجالات. وهذا أمر يدعو إلى التفكير جديا بمصير لبنان”.

واعتبر انه “صار واضحاً أن هناك من يريد أن يفرض مشيئته على كل اللبنانيين وهو أقلية وهم أكثرية في حين أن الآخرين لا يفرضون مشيئتهم على حزب الله انما يدعونه إلى طاولة حوار، إلى استراتيجية دفاعية، إلى الولاء فقط للبنان، إلى الخروج من الصراعات الخارجية ومن عدم توريط لبنان في حروب أكان مع اسرائيل أو غيرها. وحين يقول البطريرك ما قاله لا يفكر بمصلحة إسرائيل إنما بمصلحة لبنان لأنه ماذا يستفيد لبنان إذا تمكن حزب الله من توجيه صواريخه إلى إسرائيل وتدمير بناء من هنا وبناء من هناك إذا ردت إسرائيل بحرب مدمرة على كل المناطق اللبنانية وعلى كل اللبنانيين”، متسائلاً: “هل يستطيع لبنان في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي أن يتحمل اعتداء اسرائلياً واسعاً جديداً؟. لذلك حري بحزب الله أن يفكر ملياً بأدائه العسكري والسياسي ويقيّم علاقته بسائر اللبنانيين الذين بدأوا يعلنون جهاراً عدم قبولهم بأن يتحولوا إلى متاريس وجبهات في حربه الإقليمية. فليعد إلى الغالبية اللبنانية ويتحول جزءاً لا يتجزأ من النسيج اللبناني الوطني”.

وعمن يقولون إن طلب البطريرك الراعي المساعدة من الخارج يعتبر عمالة، لفت قزي إلى أن ” كل الشعوب التي كانت تمر بظروف استثنائية، اقتصادية أو أمنية أو احتلالاً كانت تستنجد بالمجتمع الدولي، علماً أن البطريرك استنجد بالأمم المتحدة، وكما نعلم أن لبنان عضو في الأمم المتحدة. هذه الأقاويل ينقصها المنطق وردود لم تعد تمر على أحد. الناس تعرف أن تميز بين الوطني والعميل”، معتبراً أنه “على الأجهزة اللبنانية أن تقيم خطورة ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا أتأسف لأنه حتى الآن لم يتحرك أي جهاز أمني لتقصي من يقف وراء هذه الكلمات النابية ويلقي القبض على من أطلقها لأن نوعية الكلام والرسوم التي نشرت لا تخضع لمنطق حرية التعبير إنما لمنطق التهديد”.

فياض: كلام البطريرك أوجعهم

أثنت الأكاديمية والكاتبة منى فياض على مواقف البطريرك الماروني الذي “سمى الأشياء بأسمائها، وهو يدافع دائماً عن لبنان وحياده ووحدته وسيادته ويدعو إلى الأمن والسلام. ما قاله البطريرك يبدو أنه أوجعهم، فهو قام بالدور التاريخي للكنيسة”، مشيرة إلى أنه “فوق كل ما يعاني منه اللبنانيون كان ينقصهم أن يأتي أحد لاستخدام أرضهم لإرسال رسائل إقليمية لمساعدة ايران في الضغط على أميركا. الجبهة كانت هادئة، فجأة تظهر الصواريخ بدون أي مبرر في توقيت مشبوه في ذكرى الرابع من آب. هم قاموا بأكثر مما كانت تتمنى إسرائيل أن تقوم به إذ اسرائيل كانت تريد إرجاعنا إلى الوراء 50 سنة، فهم أرجعوا لبنان ألف سنة إلى الوراء”.

وشددت على أن ” الهجوم جاء عنيفاً لأن البطريرك عرّى الفئة التي تتعرض له، وكلما كان المطلب موجعاً كلما أتت ردة الفعل قوية. هم يقولون انهم يردون على صور مسيئة للسيد حسن نصرالله مع العلم أن البطريرك ليس مسؤولاً عنها وبالتالي أعتقد أن هؤلاء بمعظمهم جيوش إلكترونية”.

شارك المقال