كرسي بعبدا “شاغر” حتى إشعار آخر!

صلاح تقي الدين

كثيرة هي المؤشرات التي توحي بأن أزمة الفراغ الرئاسي التي دخلت شهرها الثامن عشر ستبقى عالقة في الوضع الذي هي عليه ولن يكون هناك من انتخاب لرئيس الجمهورية ليجلس على كرسي بعبدا الذي علاه الغبار حتى إشعار آخر.

بالتأكيد ان أول هذه المؤشرات هو غياب التوافق الداخلي، وفي ظل الانقسام المسيحي تحديداً والخلاف العمودي بين فريقي المعارضة والممانعة، فإن أبواب مجلس النواب الذي يملك رئيسه نبيه بري وحده مفاتيحه، لن تفتح لعقد جلسة انتخابية على الأقل في المدى المنظور.

ثاني هذه المؤشرات هو استمرار عناد الثنائي الشيعي بترشيح رئيس تيار “المردة” النائب والوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة، وهو على مدى الجلسات الـ 14 السابقة لم يتمكن من تجاوز الـ 51 صوتأً وهي ليست كافية لتخطي الدورة الأولى التي تتطلب ثلثي أعضاء المجلس، وبالتأكيد الدورة الثانية التي تتطلب النصف زائداً واحداً، وهو ما حاول جاهداً الرئيس بري تأمينه لكن جهوده لم تفلح لغاية اليوم.

والمؤشر الثالث يتمثل في اللجنة الخماسية المؤلفة من الدول المعنية بصورة مباشرة بالشأن اللبناني، فالحراك الذي وعد سفراء اللجنة بالقيام به بعد عطلية الأعياد لم يكن سوى لذر الرماد في العيون، لأن المواقف التي التقطوها من المعنيين قبل الأعياد لا تزال على حالها، وهم إذ يؤكدون بعد جولتهم الأخيرة استمرارهم في السعي للوصول إلى قواسم مشتركة بين الفرقاء السياسيين، الا أنهم يعبّرون في مجالسهم الخاصة عن الصعوبات الكبيرة التي تجعل من حراكهم مجدياً في ظل تصلّب هذه القوى بشروطها و”مواصفاتها” للرئيس العتيد.

وعلى الرغم من المرونة التي نقلت عن الرئيس بري في الفترة الأخيرة، والتسريبات الكثيرة التي روّجت إعلامياً عن استعداده للبحث في خيار ثالث وبالتالي التخلي عن التمسك بترشيح فرنجية، إلا أن تكرار “حزب الله” موقفه بربط الحل السياسي الداخلي بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة، يجعل من هذه المرونة “شكلية” فقط ولتمرير الوقت الضائع والذي سيطول طالما العدوان الاسرائيلي على غزة لم يتوقف، وهو لن يتوقف على الأرجح في المدى المنظور.

أما الحديث عن الاهتمام الدولي وتحديداً من الولايات المتحدة التي أدارت في الفترة الأخيرة ماكيناتها الاعلامية التي حثت الفرقاء السياسيين على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في ظل الأوضاع الخطيرة والتطورات التي ينتظر أن تشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها وعلى لبنان أن يكون “جاهزاً” دستورياً على الأقل لمواكبة هذه التطورات، فإن هذا الاهتمام لم يتعدَّ البيانات التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية ويتلوها الناطق باسمها، وبالتأكيد لا يمكن التعويل عليها لدفع العجلة الانتخابية الى الدوران.

ولم يخرج لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن الاطار العام في الحث على تجنيب لبنان مخاطر توسع الحرب الاسرائيلية الايرانية مباشرة أو بالواسطة، كما في الدعوة إلى ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس عتيد للجمهورية، وربما كان الاهتمام الأول في هذا اللقاء هو كيفية المحافظة على “الستاتيكو” القائم على الحدود الجنوبية بين “حزب الله” وإسرائيل وكيفية دعم الجيش اللبناني لكي يستمر في المحافظة على وحدته، وهذان الموضوعان يتقدمان في الأهمية على انتخاب رئيس للجمهورية كما بدا واضحاً في البيان الذي نشره الاليزيه عقب اللقاء مع ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون.

التوافق الداخلي لانتخاب رئيس هو المقدمة الأولى للوصول إلى الهدف، وبغياب هذا التوافق أكان عبر حوار أو تراجع عن السقوف العالية الموضوعة من كلا الفريقين المتواجهين، المعارضة والممانعة، لا يمكن التعويل على أي حراك للجنة الخماسية أو حتى للدول المعنية بصورة مباشرة وليس عبر سفرائها، وطريق الوصول إلى هذا التوافق واضح.

على فريق الممانعة أولاً أن يتخلى عن شرط انتخاب رئيس “يطمئن” إليه، فرئيس الجمهورية يجب أن يكون حكماً بين اللبنانيين وأن يكون حقاً “أباً لكل اللبنانيين” وليس على طريقة رئيس العهد القوي السابق. كما على فريق المعارضة أن يقتنع بأنه لا يمكن استبعاد أي مكون لبناني من التوافق على الرئيس العتيد، كما لا يمكن أن تغيب الميثاقية عن انتخاب هذا الرئيس بمقاطعة فريق وازن من اللبنانيين لجلسة الانتخاب.

في غياب التوافق قد تأتي لحظة ما ويفتح المجلس أبوابه بدعوة من رئيسه إلى جلسة انتخاب رئيس على قاعدة “التحدي” فينجح مرشح المعارضة أو مرشح الممانعة قانونياً ودستورياً، لكن لغة الأرقام لا تنفع في هذه الحالة، إذ ليس المهم انتخاب رئيس بل المهم أن يتمكن من الحكم بمؤازرة من فريق عمل وحكومة فيضعون المصلحة الوطنية العليا أمام أعينهم ويتصرفون على هذا الأساس، وإلا فإن العودة إلى نغمة “ما خلونا” قد تكون هي الملازمة للعهد الجديد بسنواته الست الطويلة، ويكون مصير اللبنانيين المزيد من الهجرة والافقار، والله يعين.

شارك المقال