تهديدات اسرائيل للبنان: حرب نفسيّة أم اقترب الانفجار الكبير؟

جورج حايك
جورج حايك

لا يمرّ يوم من دون أن تصدر مواقف اسرائيلية مهدّدة لبنان عموماً و”حزب الله” خصوصاً بالويل والثبور والرغبة في توسيع الحرب، والمفارقة أن هذه التهديدات اعتدناها منذ 8 تشرين الأول الفائت حتى اليوم، لكنها لم تترجم على أرض الواقع، بل بقيت الاشتباكات الدائرة على الحدود مضبوطة أميركياً، ولو تخللها بعض القصف الاسرائيلي بعيداً عن الحدود ولا سيما النبطية وصيدا وبعلبك والبقاع.

لا شك في أن اسرائيل تمارس الحرب النفسية على “الحزب”، الذي يبادلها الأمر نفسه، وتُعتبر الحرب النفسية من أخطر الحروب، إذ قال نابليون بونابرت: “حرب العقول أقوى من حروب الأسلحة، وهناك قوتان فقط في العالم: العقل والسيف. وفي المدى الطويل، العقل دائماً ما ينتصر على السيف”.

لطالما هدد الاسرائيليون لبنان بإعادته إلى العصر الحجري، ثم بعد حرب غزة، بدأوا يطلقون التهديدات بتحويله إلى غزة ثانية، وهذا الكلام يرددونه كل يوم، وسيستمرون في تكراره سواء على لسان رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو أو وزير الدفاع يوآف غالانت وربما عضو مجلس الحرب الاسرائيلي الوزير بيني غانتس.

لكن كل هذه التهديدات غير قابلة للتنفيذ في الوقت الحاضر لأسباب عدة، ويقول اللبناني الأصل أرنست حداد المطلّع بعمق على أبحاث مدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن ديفيد شينكر: “صحيح أن اسرائيل لم تنفّذ تهديداتها حتى الآن على صعيد جبهتها الشمالية ضد حزب الله، إلا أنها جادة وتنوي فعلاً شن هجوم كبير يهدف إلى تحييد أي تهديد مستقبلي يشكّله الحزب. وقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية بوساطة موفدها آموس هوكشتاين في حصر الأعمال العدائية بين الجانبين الاسرائيلي واللبناني في إطار المساحة الحدودية، ولو شهدت تفلتاً من وقت إلى آخر، لكن هوكشتاين لم ينجح في التوصّل إلى وقف النار نهائياً ودفع الحزب إلى تنفيذ القرار 1701 أو إرجاعه 8 كيلومترات نحو نهر الليطاني، وتسليم الجيش اللبناني واليونيفيل المنطقة العازلة، ومن شأن ذلك أن يسمح بعودة المواطنين النازحين إلى منازلهم على جانبي الحدود. إلا أن الأمر لم يحصل بسبب ضعف السلطات اللبنانية ومحدوديتها، فيما قرار الحرب والسلم بيد الحزب ومرجعيته الايرانية”.

وقد يتساءل سائل: لماذا لم تبادر اسرائيل إلى شنّ حربها على “الحزب” طالما أنه يرفض أن يتراجع عن الحدود؟ يجيب حداد: “لا تريد الادارة الأميركية أن تجرّها اسرائيل في مواجهتها لحزب الله إلى حرب واسعة قد تتمدد إلى المنطقة لتشمل إيران، وهي على أبواب انتخابات رئاسية، لذلك جو بايدن كان صريحاً مع نتنياهو بأن أي حرب في جنوب لبنان ضد الحزب لن تلقى فيها اسرائيل مساعدة عسكرية من واشنطن في الميدان، علماً أن هناك تقريراً سرياً صدر عن وكالة استخبارات الدفاع يشير إلى أن إسرائيل، بإمكاناتها الحالية، ستواجه ضغوطاً شديدة لتحقيق النصر في حرب ضد الحزب”.

مع ذلك، لم تذهب الولايات المتحدة إلى حد تقييد المساعدات العسكرية لاسرائيل، ربما لأن العمليات الكبرى التي تخطط لها الأخيرة ضد “الحزب” ستتطلب مخزوناً جديداً من الأسلحة والذخيرة.

ويلفت حداد إلى أن “السبب الآخر الذي يعوق اسرائيل عن توسيع الحرب ضد الحزب هو حرب غزة، ومن المؤكد أنها تنتظر أن تنظّف الجبهة الشمالية في غزة من بقايا مسلحي حماس لتنقل المدنيين الفلسطينيين من رفح إلى شمال غزة، وعندها ستبدأ هجومها على رفح لتحقيق النصر الكامل ضد حماس، وما ان ينتهي الجيش الاسرائيلي من جنوب غزة والقضاء على الحركة سيشن حرباً كبيرة على الحزب لإبعاده بالقوة 8 كيلومترات عن الحدود، لكن من المتوقع أن يلعب هوكشتاين دوراً قبل بدء الهجوم الكبير على لبنان، للتوصّل إلى حل سلمي وديبلوماسي مع الحزب، على الرغم من أننا نستبعد قبوله بهذه الشروط، ففي نهاية المطاف، يستمد الحزب شرعيته في لبنان من عمليات المقاومة ضد اسرائيل، فهل يقبل بإلغاء نفسه؟”.

ولا بد من الاعتراف بعد كل جولة لهوكشتاين على المنطقة من دون أن تتكلل جهوده بحل نهائي بين اسرائيل و”الحزب”، بأن احتمالات أن تؤتي الديبلوماسية ثمارها تتضاءل، بل تتحوّل الكلمة أكثر وأكثر إلى الميدان حيث يصبح قتال اسرائيل مع “الحزب” أكثر فتكاً وتدميراً، بدليل وصول مسيّرات الأخير إلى عكا أمس أي إلى العمق الاسرائيلي، وخصوصاً أنه أفضل تسليحاً وتدريباً من “حماس” بدرجات كبيرة، وفي المقابل، تستشرس اسرائيل في عمليات اغتيال قادة كتيبة “الرضوان”، وهذا ما نشهده يومياً.

ويرى حداد أن “زيارة هوكشتاين المتوقعة إلى بيروت يوم الخميس المقبل أو بعده، لن يكون لها تأثير كبير لأن سخونة الأوضاع في المنطقة، وخصوصاً عشية بدء معركة رفح، ليست عاملاً مساعداً، كذلك ليس متوقعاً أن تخرج الأوضاع في الجنوب من عقالها قبل انتهاء حرب غزة، لكن فور انتهائها، من الصعب أن نتصور تردد إسرائيل في القيام بحرب ضد الحزب وهي مستعدة لها. وعندما تقرر ذلك، فمن الصعب أن نتصور أن واشنطن، على الرغم من المناشدات لتجنب التصعيد، ستمنعها عن القيام بها، ولا سيما إذا رفض الحزب الحلول الديبلوماسية”.

واللافت أن اسرائيل تبدو راضية عن وضعها العسكري على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفق حداد، الذي يضيف: “تشير التقارير العسكرية الى أن الجيش الاسرائيلي تمكّن من خلق مساحات مسطّحة في القرى الحدودية بعد تدميرها، ومن شأن ذلك أن يساعده في أي عملية برية. من جهة أخرى، نجحت اسرائيل في توظيف تفوّقها العسكري التكنولوجي في عمليات اغتيال مسؤولي الحزب الميدانيين، بحيث بلغت الخسائر البشرية حتى اليوم ما لا يقل عن 300 عنصر، فيما لم يُقتل سوى قلّة من الجنود الاسرائيليين. لذلك ستستمر في عملياتها التي تكلّف لبنان والحزب كثيراً وسط انتقادات داخلية له، بسبب توريط لبنان في حرب لا علاقة له بها”.

قد يكون الوقت ضاغطاً على كل أطراف النزاع، إلا أن الحدّ الأقصى لاسرائيل سيكون مع حلول شهر أيلول، لأن هناك ضرورة ملحّة لسكّان الشمال للعودة إلى قراهم وبلداتهم، حين سيبدأ أبناؤهم العام الدراسي الجديد.

ويعتبر حداد أن “الترويج لأنصاف الحلول لا يُطمئن اسرائيل، ولا أظن أنه سيمرّ على حكومة الحرب كقيام الحزب، وفق تسوية معينة، بسحب معظم وحدة الرضوان من الحدود، لأن تجربة اسرائيل بعد حرب تموز 2006 كانت غير مشجعة، إذ سرعان ما يعود الحزب الى الانتشار في مواقعه ويرسّخ وجوده على الحدود، لذلك ستصرّ اسرائيل على وقف اطلاق النار واتفاق أوسع يحتفظ فيه الحزب بجميع قواته على بعد ثمانية كيلومترات من الحدود. وفي المقابل، ستنهي إسرائيل على الأقل بعض عملياتها الجوية فوق لبنان، بينما ستكون الحكومة اللبنانية ملزمة بنشر 15 ألف جندي من الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بالتعاون مع اليونيفيل، ثم بدء المناقشات حول النقاط الحدودية المتنازع عليها على طول ما يسمى بالخط الأزرق. ونعتقد أن مثل هذه المفاوضات قد تؤدي على الأرجح إلى تعديلات حدودية بعدة مئات من الأمتار لصالح لبنان في المناطق التي تعترف إسرائيل بأنها ذهبت فيها شمال الخط الأزرق؛ ويشمل ذلك إعادة توحيد قرية الغجر المقسّمة”.

لحظة الحقيقة تقترب بسرعة. وما دامت الحرب في غزة مستمرة، فإن اسرائيل تفضّل إبقاء الحرب مع “الحزب” منخفضة الحدة حتى لا تقاتل على جبهات كثيرة في وقت واحد. لذلك طلبت وساطة فرنسا لكبح جماح “الحزب” جنوباً، ولكن عندما تنتهي الحرب في غزة، فستكرّس اسرائيل جهودها للجبهة اللبنانية، وعندها سنصبح قاب قوسين من التدهور إلى حرب واسعة النطاق وأكثر تدميراً!

شارك المقال