تطورات الجنوب مقدمة لتغيير قواعد الاشتباك

زياد سامي عيتاني

صحيح أن الحدود بين لبنان وإسرائيل لم تعرف الهدوء منذ السابع من أكتوبر الماضي، بل على العكس تماماً تزداد وتيرة التصعيد على مقلبي الحدود، وتتوسع العمليات العسكرية قوة وإنتشاراً وإستهدافاً، الا أن المواطن اللبناني يخشى السيناريو الأسوأ من خلال دخول لبنان حرباً شاملة. فالتطورات الميدانية المتسارعة تعمقت جغرافياً حتى وصلت إلى عكا شمال فلسطين المحتلة وقضاء صيدا شمال الليطاني.

وبدأ التصعيد ليل الأحد، عندما أعلن “حزب الله” عن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من نوع “هيرمز 450” فوق منطقة العيشية، لترد إسرائيل باغتيال محمد خليل عطيّة القيادي في “قوة الرضوان”، في بلدة صريفا الواقعة شمال مدينة صور. ولم يتأخر رد “حزب الله”، الذي أعلن بعد ساعة من الاغتيال، قصف مقر قيادة لواء المشاة الثالث التابع للفرقة 91 في ‏قاعدة عين زيتيم التي تبعد نحو 11 كيلومتراً عن أقرب نقطة حدودية في لبنان، بعشرات الصواريخ، وهي تُقصف للمرة الثانية بعد 3 أشهر من قصفها في المرة الماضية.

وإزاء هذه التطورات، إغتالت مسيرات إسرائيلية مهندساً لبنانياً، الثلاثاء، في منطقة عدلون، التي تقع خارج نطاق عمل “اليونيفيل” وفي شمال الليطاني على مسافة قريبة من نهر القاسمية، بحيث إستهدفت حسين علي عزقول الذي عرّفتْ عنه تل أبيب بأنه “مسؤول في قوة الدفاع الجوي التابعة لحزب الله”. وإغتيال عزقول، دفع الحزب الى الرد بمستوى قياسي، بحيث أعلن عن “هجوم جوي مركب بمسيرات إشغالية ‏وأخرى انقضاضية استهدفت مقر قيادة لواء غولاني، ومقر وحدة إيغوز 621 في ثكنة شراغا شمال ‏مدينة عكا المحتلة، وأصابت أهدافها بدقة”، وفق ما جاء في بيانه. وهي المرة الأولى التي يقصف فيها الحزب عكا، التي تبعد نحو 18 كيلومتراً عن أقرب نقطة حدودية مع لبنان.

من الواضح، أن حرارة الميدان تتصاعد على نحو يخشى ألا يعود قابلاً للاحتواء والصمود على معادلة “الحرب المحدودة”، التي سمّاها “حزب الله” بـ”جبهة مشاغلة”، لتخفيف الضغوط العسكرية عن حرب إبادة غزة وإزالتها.

فهل تقترب جبهة الجنوب من الخروج عن السيطرة، وعن كل المحاولات الدولية الحثيثة التي تبذل لتفادي الإنجرار إلى حرب شاملة؟ مصادر “حزب الله” تؤكد إستمرارها في الالتزام بـ”حرب المشاغلة” من دون أي توجه للذهاب في حرب أبعد من تلك التي حددت منذ 8 “أكتوبر”، لكنها لن تتوانى عن رفع وتيرة عملياتها كلما تصاعدت الاعتداءات الاسرائيلية، في إطار سياسة تحذيرها من مغبة أية مغامرة غير محسوبة النتائج.

وفي المقابل، ترى أوساط متابعة، أن لا نية لدى إسرائيل لفتح جبهات إضافية قبل حسم الأمور في غزة، وبإنتظار ما إذا كانت تنوي شن هجوم على رفح، والدليل على ذلك ردها المحسوب بدقة على إيران في أصفهان. وتلفت الأوساط إلى أن “سياسة النفس الطويل هي عنوان المعركة، التي تدور رحاها على خلفية المشهد المأساوي فى الأراضى الفلسطينية، بحيث أن لا حزب الله ولا إسرائيل يريدان حرباً كبرى وشاملة”، لكنها لا تستبعد أن تكون التطورات الميدانية، مقدمة لرسم قواعد جديدة بين الجانبين، والتي استقرت أخيراً على ملاحقة إسرائيل لمهندسي القوات الجوية في الحزب رداً على إسقاط المسيرات، في مقابل إستهداف الحزب عمقاً جديداً في شمال إسرائيل كردّ على اغتيال قيادييه، وذلك خلافاً لقواعد الاشتباك السابقة.

شارك المقال