بعد 16 عاماً على 7 أيار… “الحزب” يواجه وحيداً مأزوميته السياسية

زياد سامي عيتاني

إنقلاب السابع من أيار 2008، كان منطلقاً لمسار إنقلابي شامل ودائم على الدستور والحكم، لا نزال نعيش مفاعيله وإنعكاساته على الحياة السياسية والمجتمعية اللبنانية. على الرغم من أن السيد حسن نصر الله لم يتوانَ في كل مناسبة عن الإنجرار إلى حرب أهلية، ولا إلى إستخدام السلاح في الداخل اللبناني، فإن وهج هذا السلاح المقرون بفائض القوة، لا يزال منذ ذلك الوقت حاضراً، لترسيخ إنتصار “اليوم المجيد” (!) في 7 أيار، بكل ما انطوى عليه من عار وإنحطاط، وسقوط مروع لسلاح المقاومة في أتون “الزواريب” الضيقة!

وعليه، أتبع إنقلاب 7 أيار بإنقلاب ثانٍ من الحزب مع حليفه ميشال عون ضدّ الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011، (بعدما كان وافق في الدوحة على أن يبقى الحريري في السراي)، وضدّ نتائج انتخابات العام 2009 التي أعطت الأكثرية لقوى 14 آذار، وفرض تسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة. هذا ما يؤكد أن جريمة إنقلاب 7 أيار 2008، هي إستكمال لجريمة إغتيال الدولة والوطن في 4 شباط 2005، من خلال إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بهدف تقويض إتفاق “الطائف”، وإطباق هيمنة “حزب الله” ومن خلفه إيران “الفارسية” على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها الدستورية والعسكرية والقضائية، لإقحام لبنان في المحور الذي أنشأته طهران لمعاداة العروبة المتنورة ودولها المنفتحة، إضافة إلى الاعتدال السني، تمهيداً لإطلاق يد “الإرهاب-التكفيري” تحت غطاء مسمى “الإسلام السياسي”.

وهنا لا بد من التذكير، بأن الإنقلاب الثاني، جاء قبل ثلاثة أشهر من بدء الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد في درعا في 15 آذار 2011، قبل “شيطنة” الانتفاضة، من خلال إقحام الفصائل الارهابية “المتأسلمة”، ما يفسر المشروع الكبير المعد للمنطقة بضرب “الاعتدال السني” المعروف بوسطيته وإنفتاحه، على حساب “التكفيريين” الذين تم إطلاق قادتهم من السجون العراقية، بعد الغزو الأميركي، وتسليم مقاليد البلاد للميليشيات الايرانية.

ومنذ ذاك الحين، ونتيجة للممارسة الاقصائية والفوقية التي يمارسها الحزب، بات يتحكم بالحكومة من اللون الواحد، فضلاً عن رئاسة الجمهوريّة، التي أخذها حليفه ميشال عون، بعدما فرض عامين ونصف العام من التعطيل، إضافة إلى رئاسة مجلس النوّاب، لتشكّل معه ثنائية تتحكم بمؤسسات الدولة الدستورية. وقد تثبّت هذا النّهج أكثر بعد تصريح قاسم سليماني على إثر الانتهاء من انتخابات 2018 النيابيّة، إذ أعلن وقوع بيروت رسمياً تحت سيطرة الحرس الثوري الايراني.

وبفعل الهيمنة الايرانيّة بعد انتخابات 2018، تكرّست ثنائية حكم تقاسمها “حزب الله” والتيار العوني، على “قاعدة تغطية ممارسات الحزب مقابل أن يفتح المجال لفرض الرؤية السياسية للتيار في الدّولة”، التي تسببت في إنهيار شامل لكل مقومات الدولة وأركانها، وضرب ركائزها السيادية والوطنية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. بالتأكيد الحقبة العونية-الباسيلية “الجهنمية”، ما كانت لتتمكن من القضاء على مفهوم الدولة، لولا موافقة “حزب الله”، وربما تنفيذاً لأمر عملياته، لتهيئة الظروف السياسية للذهاب نحو “مؤتمر تأسيسي” لفرض نظام سياسي جديد على أنقاض المناصفة التي نص عليها “الطائف” تتويجاً وشرعنة لنهج الهيمنة ونشوة الإنتصار المستمدين من التحولات الاقليمية. فـ “حزب الله” لا يزال حتى يومنا هذا، يطبّق مفاعيل 7 أيّار، بفعل عرقلته عمل الدولة وتكريس وصايته عليها وعلى قرارات السلم والحرب، (آخرها فتح جبهة الجنوب بعد السابع من أكتوبر كجبهة “مشاغلة”)، فضلاً عن الإمعان في منع انتخاب رئيس للجمهورية غير الشخص الذي يرشّحه ويتمسك به حصراً!

بعد 16 عاماً على الجريمة السياسية التي نفذت عسكرياً للإنقلاب على الدولة والنظام، بقي لبنان (على الرغم من كل مآسيه الكارثية) عصياً على الرضوخ لإرادة الحزب، الذي بات وحيداً يواجه كل خصومه، خصوصاً بعدما فقد غطاءه المسيحي، جراء “الطلاق البيّن” الذي وقع بينه وبين “التيار الوطني الحر”، ما يجعله سياسياً (بمعزل عن مواجهات الجنوب) يعيش مأزومية، قد تكون الأولى منذ نشأته، خصوصاً مع ملامح بدايات تمايز النظام في سوريا عن التوجهات الايرانية، الأمر الذي سيزيد من عزلته السياسية والحصار المفروض عليه محلياً وخارجياً، مع تنامي الموقف المسيحي الأقرب إلى الإجماع وبغطاء كنسي من سيد بكركي، الذي يرفض زج لبنان في حرب مع إسرائيل لاعتبارات خارجية، فضلاً عن عدم تمكن الحزب من “إبتكار” شريك سني حليفاً له، من دون أن نسقط من الحسبان التململ “الكبوت” و”الكتوم” داخل بيئة الحزب، جراء عمليات التهجير الواسعة من القرى الحدودية والتدمير الكبير للممتلكات.

شارك المقال