بعد فاجعة عكّار: “انفجار” شعبيّ قادم… من الشمال إلى كلّ لبنان

إسراء ديب
إسراء ديب

ليس خافيًا على أحد حجم الكارثة التي طالت التليل العكارية وكلّ الشمال بعد التفجير الكارثيّ الذي يفضح ولمرّة جديدة إضافية مدى إهمال الدّولة وفسادها، وبدلًا من قيامها بالاعتذار أو لا سمح الله ” بالاستقالة”، تقوم بتوجيه الاتهامات المتبادلة وتقاذف المسؤوليات ليكون الملف العكاريّ اليوم بين يديّ التجاذبات السياسية التي بدت واضحة منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها التفجير.

في مشهد مأسوي من فاجعة مؤسفة، ووفق آخر حصيلة أصدرتها وزارة الصحّة العامّة، سقط حتّى اللحظة نحو 28 ضحية وحوالي 80 جريحًا في انفجار خزان بنزين، إضافة إلى وجود مفقودين من المؤسسة العسكرية، فضلًا عن وجود جثث لم تُعرف هويتها وطُلب من الأهالي إجراء الفحوصات اللازمة لمعرفتها.

وتعدّدت السيناريوات المختلفة التي أطلقت بعد هذا التفجير، وبعد اتهام صاحب الأرض وهو جورج إبراهيم بإطلاق الرصاص على الخزان ما أدّى إلى هذا التفجير، تمكّنت دورية من الجيش من تحديد مكان وجوده في مدينة طرابلس، إذ كان مختبئًا داخل إحدى الشقق في مدينة الميناء، ليتمّ توقيفه واقتياده للتحقيق معه، وذلك بعد توقيف ابنه صباحًا.

جورج الذي يعمل في مواد البناء، كان قد أكّد في مقابلة قبل الاعتقال أنّه لا علاقة له بالتهريب لا من قريب أو من بعيد، وأنّ المسجون علي صبحي الفرج هو من وضع خزانات البنزين على أرضه ولا علاقة له بها…”، نافيًا كلّ الاتهامات التي طالته.

ووفق أحد المتابعين للملف، فإنّ عملية توقيف جورج لا تعني انتهاء هذا الملف أو إقفاله، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “من يقف وراء جورج أو من دعمه أو من دعم علي صبحي الفرج أكبر بكثير منهما، ويختبئون خلف الحصانة التي لن تكشف الحقيقة إن لم تُرفع عنهم، وهم من جهات سياسية مختلفة تدعم هذه القوى الظاهرة عكاريًا وفي مناطق أخرى”، مؤكّدًا أنّ الأيّام المقبلة سيشهد فيها الشمال أحداثًا حافلة نتيجة لهذه الفاجعة.

الغضب الشعبي آت

مصدر من ثوار عكّار، يُؤكّد أنّ أهالي عكار لن يتجاوزا هذه الفاجعة الكارثية بل سيقومون بتحرّكات سريعة لردّ حقوق أبنائهم، وهذا ما بدا واضحًا بعد قيام أهالي الضحايا بإحراق الأرض التي يملكها جورج إبراهيم حيث وقع الانفجار، فضلًا عن قيامهم بإحراق الفيلا مع السيارات وبعض الشاحنات التابعة له…

ويكشف هذا المصدر لـ” لبنان الكبير” أنّ أهالي عكار لن يكتفوا بهذه التحرّكات فحسب، بل لتتوقّع الدّولة انفجارًا بشريًا قادمًا ولكن بعد اكتشاف هوية الجثث أيّ بعد إصدار نتيجة فحوصات الحمض النوويّ (DNA)، وبعد دفن الجثث التي باتت أشلاء لم يتمكّن الطاقم الطبيّ ولا الأهالي من التعرّف إلى هوياتها وإلى من تعود في الواقع بسبب تفتت معظمها”، مشدّدًا على أنّ “الخزان البشري” وفق ما أطلق عليه، سيبدأ من عكار أيّ من نواب عكار الذين أبدوا تخاذلهم طوال هذه السنين وفق ما يقول، وصولًا إلى توسيع رقعة هذه الاحتجاجات الشعبية إلى كلّ لبنان، “ولكن في فترة ما قبل الدفن ندعو إلى تهدئة النفوس بعض الشيء لأنّنا سننفجر أمام هذه السلطة الجائرة وسنقتحم كلّ بيوت السياسيين الذي حرمونا من كلّ حقوقنا حتّى أبسطها…”.

وازداد غضب الشارع الشمالي عمومًا والعكاري خصوصًا، بعد تصريح رئيس الجمهورية ميشال عون في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، والذي لفت فيه إلى وجود أنشطة لجماعات متشدّدة شمالًا ترغب في خلق أجواء من الفلتان والفوضى الأمنية، ما أثار غضب الشارع أكثر، مؤكّدين رفضهم لهذا التصريح الذي يتهرّب فيه المسؤولون من مسؤولياتهم بعد وصول الشعب إلى وضع مأسوي وقاس.

وكان الرئيس عون صرّح في الاجتماع قائلًا: “سبق وعرضت في الجلسة الأخيرة للمجلس تقريرًا عن الوضع في منطقة الشمال، وتحديدًا أنشطة جماعات متشدّدة لخلق نوع من الفوضى والفلتان الأمني، وطلبت من قادة الأجهزة الأمنية الاجتماع للتنسيق في ما بينهم واستنتاج الخلاصات ليُبنى على الشيء مقتضاه.. “.

معاناة المراكز الطبية الشمالية

الدولة التي لا تُحرّك ساكنًا لمواجهة آفة التهريب التي ضربت الاقتصاد اللبناني واللبنانيين، تنتظر على الأرجح مساعدات طبية ومالية من الدول المجاورة والجمعيات المعنية، ومع عدم وجود الكثير من المستشفيات التي تُعالج الحروق في لبنان وغياب المستشفى المتخصّص جنوبًا، واجهت المستشفيات وبعض المراكز الطبية في عكّار كالمستوصفات واقعًا صعبًا بسبب عدم تخصّصها في الحروق من جهة، وعدم توفر الأدوية والتجهيزات المتخصّصة من جهة ثانية.

ويقول أحد المسؤولين في مركز دريب الطبّي لـ “لبنان الكبير”:

“في فريقنا الطبّي ممرضون وطبيب مشرف وهو الدكتور إبراهيم مرعب كما أعضاء متدربون في الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني، واستقبلنا جرحى أصيبوا في التفجير وكانت حروقهم من الدرجة الأولى، ولم يُساعدنا أحد ولم نتلق مساعدة إلّا من قبل مؤسسة رينيه معوّض التي قدّمت أدوية وشاشاً وأمصالاً لعلاج الجروح بشكلٍ مجانيّ”، لافتًا إلى دخول عدد كبير من الجرحى ولكن لم يتمّ إحصائهم بالأرقام.

بيروت تتذكّر 4 آب وتتضامن مع عكار

يبدو أنّ السلطة السياسية قد خانتها ذاكرتها بعض الشيء، بخاصّة وأنّ رؤساء البلاد أصدروا بيانات تُشير إلى ضرورة إجراء تحقيقات لكشف ملابسات جريمة عكار المشينة، ربما نسيت أو تجاهلت أنّ تفجير مرفأ بيروت الذي أدّى إلى مقتل أكثر من 200 ضحية من كلّ لبنان حتّى بعد مرور عام عليه، لم يتمّ الوصول حتّى اللحظة إلى تحقيقات منتظمة وعدالة لا تعرف الانقسامات السياسية والدجل الذي لن يُريح قلوب أهالي الضحايا، ولا ننسى أيضًا انفجاريّ التقوى والسلام اللذين لم يصلا إلى مبدأ العدالة الذي يُنادون بها.

من هنا، قام عدد من أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، إضافة إلى بعض المحتجين في العاصمة إلى الاعتصام، والقيام بالاحتجاجات أمام منزل رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، وتمّ تكسير واجهات المبنى ليتمّ الاعتداء فيما بعد على المحتجين من قبل قوى مكافحة الشغب من جهة، والأمن المتواجد في المبنى من جهة أخرى.

ووفق المعلومات، فإنّ الأمن المتواجد داخل المبنى كان أوّل من اعتدى على المحتجين الذين أشعلت عكار بداخلهم نارًا لم تُطفأ بعد، ما أدّى إلى حصول ردّ فعل عنيفة من قبلهم ومواجهات مشتركة أدّت إلى اعتقال شقيق الضحية جو نون الذي سقط في تفجير المرفأ ويليام نون وغيره من المحتجين، ليتمّ الإفراج عنه بعدها تحت ضغط المحتجين في ثكنة الحلو الذين كانوا يُطلقون شتائم ضدّ عون وميقاتي، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وغيرهم، فضلًا عن إطلاقهم شعارات مناصرة لعكار ومساندة لها في أزمتها.

كما قام عدد من المحتجين باقتحام منزل النائب العكاري طارق المرعبي في بيروت كما في طرابلس، لتحطيم منزله ومكتبه، وتداول بعض المحتجين مقاطع مصوّرة تلفت إلى وجود سلاح في منزله، ومقاطع مصوّرة أخرى تُؤكّد وصول عدد من الثوار إلى منزل وليد البعريني في الضم والفرز الطرابلسية لمطالبته بالاستقالة فورًا.

شارك المقال