fbpx

الذكرى الـ 37 لاستشهاد “الأفندي”… نجم “عروبي” لا ينطفئ

إسراء ديب
إسراء ديب
تابعنا على الواتساب

لا تنحصر صدمة الطرابلسيين منذ 37 عاماً في عودة ابن مدينتهم رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي إليهم وهو جثّة غدرت بها تقلّبات السياسة اللبنانية والاقليمية، بل تتوسّع أكثر، عاماً بعد عام، لتُؤكّد أنّ هذه الشخصية “الرشيدة” التي تنحدر من أصول دينية، وطنية وسياسية عريقة، والتي سطع نجمها السياسيّ على هيئة مناضل وحقوقيّ، لا يُمكن أنْ تتكرّر خصوصاً على المستوى الطرابلسيّ، وذلك بشهادة أبناء المدينة وسياسييها.

لم ينسَ الطرابلسيون وكذلك عائلة كرامي، الدّماء التي سالت من “الأفندي” الذي ولد عام 1921 بعد استهدافه في الأوّل من حزيران العام 1987، بعبوة ناسفة وضعت خلف مقعده على متن الطوافة العسكرية التي حملت رقم 906 وكانت تقلّه من طرابلس إلى بيروت، إذْ فجّرت عبر “ريموت كونترول” ليستشهد كرامي وحده، فيما بقي ركّاب الهليكوبتر على قيد الحياة، ما يعني أنّ من وضع هذه العبوة كان يُدرك جيّدًا أنّ رئيس الحكومة اعتاد الجلوس على المقعد عينه في كلّ رحلة، ليدخل لبنان بعدها في “معمعة” قضائية تُطلق أحكاماً لم تُنصف الضحية، تماماً كما حدث مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وفي وقتٍ لا يُخفي فيه المعنيّون أنّ وفاة الرئيس عمر كرامي العام 2015، أدّت إلى تراجع المطالبة بحقّ شقيقه، فهم يستذكرون تصريحه (حينما كان وزيراً للتربية الوطنية)، لإذاعة “صوت الشعب” في 17 تشرين الأوّل 1990، وأكد فيه إنّه سيدّعي على العماد ميشال عون في اغتيال شقيقه، بوصفه القائد المسؤول حينها عن الجيش، وقال: “عون لم يتخذ أيّ تدبير في حقّ أيّ من المسؤولين حتّى ولو كان عسكرياً بحرس هذه الطائرة، لذلك سأدّعي شخصياً عليه لأنّه كتم معلومات ومنع التحقيق من السير في الاتجاه الصحيح ليصل إلى الحقيقة…”. ومع أنّ كرامي عاد ورحّب بعودة عون إلى لبنان من باريس بعدها بأعوام، إلا أنّ المتابعين يُؤكّدون أنّه كان باحثاً عن الحقيقة وحزيناً على هذا الجرح الذي يُترجم باستمرار شعار “لم نسامح ولن ننسى”، فوصل إلى اتهام أكثر من جهة “عرّت” العدالة.

إنّ الرّشيد الذي ذاع صيته عربياً بسعيه المعتاد إلى “الاصلاح والعمل بتفاؤل وخير”، تسلّم الحكومة ثماني مرّات بين عاميّ 1955 و1987، وانتُخب نائباً عن طرابلس في العام 1951 على رأس لائحة “التحرّر العربي”، وأعيد انتخابه في دورات متتالية وهي: 1953، 1960، 1964، 1968، و1972، أيّ بلا انقطاع حتّى اغتياله بسبب محبّة الطرابلسيين له وتعلّقهم بحكمته أو دهائه السياسيّ الذي عُرف به، فهو من الشخصيات التي لم تُغلق يوماً بابها في وجه أبناء المدينة، فكان يستقبل وفوداً مختلفة بصدر رحب ليستمع إلى مطالبها وشجونها وليُحاورها بخفّة دمه المعتادة، وذلك وفق ما يُؤكّد بعض من رآه وحاوره في تلك الفترة التي شهدت توترات سياسية ليست بعيدة عمّا يحدث اليوم، بل يُمكن القول إنّ التاريخ يُعيد نفسه بتفاصيله الشائكة، خصوصاً في لبنان الذي يُواجه حرباً قاسية مع العدو من جهة، والفراغ الذي يُهدّد الكيان اللبناني من جهة ثانية، أيّ الحروب عينها التي واجهها رشيد كرامي في حقبته، ما يُعطي أبعاداً مهمّة للذكرى هذا العام.

وعن الفراغ والتهدئة، دعا كرامي باستمرار إلى تغليب مصلحة الوطن على الشخصية، وإلى إلغاء الطائفية السياسية وتشجيع الوحدة عوضاً عن التشرذم، قائلًا ذات مرّة: “مصلحتنا المشتركة تفرض علينا أن ندعو الجميع، خصوصاً في هذه الآونة بالذات، إلى أن يعود إلى رشده وضمائره ويستعمل العقل الذي بواسطته يُمكن أن نسترشد السبيل الذي يجب أن ننتهجه من أجل الوصول إلى حماية هذا الوطن وإلى إبعاد كلّ سوء عنه وعن جميع أبنائه”.

وفي تصريح آخر، قال: “من الأفضل الوصول إلى حلول تؤمّن إمكان المعالجة من أجل الشفاء، لأنّه بالمسكّنات لا يُمكن أن نصل إلى إنقاذ البلاد ممّا تتخبّط به، لهذا أقول بأنّ تشكيل الحكومة أمر سهل، لكن أريد أن تعود البلاد إلى هدوئها، ومن الخير تذليل الصعوبات قبل تشكيل الحكومة كيّ تقوم بتحقيق أهدافها في التنمية وتحقيق البعد الاجتماعي في إقامة هذه اللحمة الواحدة بين اللبنانيين وتدعيمها على أسس واضحة…”.

أمّا عن القضية الفلسطينية، فكان عروبياً مدافعاً عنها ومسانداً لها بموقف واضح وصارم، بحيث استقال في نيسان 1969 تنديداً باشتباكات الجيش اللبناني بدعم من رئيس الجمهورية شارل حلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، كما دعم الفلسطينيين في اتفاقية القاهرة وفي الحرب الأهلية أيضاً حين انتقد السلطات الأميركية وحمّلها مسؤولية العنف والخراب الذي شهدته البلاد منذ اندلاع الحرب محلّياً. كما لعب دوراً أساسياً في جبهة “الخلاص الوطني” التي أسقطت اتفاق 17 أيّار 1983 بين لبنان والكيان الاسرائيلي في عهد الرئيس أمين الجميّل، والذي وصفه المؤرخ الكندي نيل كابلان في كتابه “مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية” بأنّه “فشل ذريع”، وحينها قال كرامي: “إنّ ما أصاب إسرائيل في لبنان هو هزيمة لم يسبق لها مثيل في تاريخها، من هنا يجب أن ندرك مدى الحقد الممزوج بالأطماع والأحلام الذي يُغذّي هذه الدّويلة التي أقاموها على الارهاب والعنف والاغتصاب في فلسطين”.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال